الإنجيليّون المؤيدون لترامب ولاهوتُ القوة

الإنجيليّون المؤيدون لترامب ولاهوتُ القوة

الإنجيليّون المؤيدون لترامب ولاهوتُ القوة


كاتب ومترجم جزائري
22/02/2024

ترجمة: مدني قصري

في 150 صفحة فقط، يصف أندريه غانييه المعتقدات الدينية التي تبرّر الدعم غير المشروط من جانب الإنجيليين الأمريكيين لدونالد ترامب.

عام 2016؛ صوّت 81% من الإنجيليين البيض لصالح دونالد ترامب. يقدّم أندريه غانييه (André Gagné)، أستاذ الدراسات الدينية في جامعة "كيبيك كونكورديا"، هنا، كتاباً تعليمياً مُهِمّاً.

 ببساطة، لكن بدقة، يشرح للمراقب أسبابَ العلاقة بين جزء كبير من الإنجيليين الأمريكيين وترامب. في هذا الكتاب تمّ إثبات العديد من التحليلات التاريخية والاجتماعية، الضرورية لفهم هذه العلاقة، ويتميز تحليل غانييه بفحصه أحد جوانب هذه العلاقة غير المعروفة: المنطق اللاهوتي وراء التصويت المؤيد لترامب. فهو إذاً اكتشاف حقيقي للقارئ.

 أندريه غانييه يحرص، أوّلاً وقبل كلّ شيء، على التمييز بين الإنجيليّين أنفسهم. في كتابه، يتناول غانييه فقط مَن يُسمّون بالإنجيليين "الكاريزماتيّين"، إلى جانب الإنجيليين الخمسينيّين(1)، المقرّبين منهم، كان الإنجيليون "الكاريزماتيّون" يمثلون، عام 2020، ربع المسيحيين في العالم. نموُّهم السريع، مع 20 مليون مؤمن جديد سنوياً منذ عام 2010، سيجعلهم يمثلون ثلث المسيحيين عام 2050؛ ففي صفوفهم يزدهر اللاهوت الذي يدافع عن برنامج اجتماعي سياسي عالمي، والذي يُعدّ دونالد ترامب أحد مكوّناته الأساسية.

تحديد موقع لاهوت القوة في السديم الإنجيلي

يغطي مصطلح "إنجيلي" واقعاً شديد التنوع. ووفق المؤرخ ديفيد دبليو بيبينجتون؛ فإنّ أربع نقاط فقط تجمعهم معاً: التوراة (الكتاب المقدس كأساس لكل الحقيقة الدينية)، والصليب (تسليط الضوء على حدث الصليب)، والحاجة إلى الاهتداء الشخصي والحماسة، ونشاط المؤمنين الأتباع. وكما يوحي إليه عنوان الكتاب، ليس كلّ الإنجيليين وراء ترامب، فهكذا دعا مارك جالي، رئيس تحرير صحيفة "كريستيانتي توداي" الأمريكية، الإنجيلية التي يتابعها 4,5 مليون قارئ شهرياً، إلى إقالة ترامب عام 2019. ووفقاً له؛ فإنّ سلوكه غير الأخلاقي يشوّه سمعة جميع الإنجيليين الأمريكيين.

دور اليمين المسيحي

من بين أنصار ترامب الإنجيليين لم يُقدّم جميعُهم دعماً ثابتاً أيضاً؛ "اليمين المسيحي"، وهو الداعم المهمّ للمرشحين الجمهوريين، لا يضمّ الإنجيليين فحسب، بل يجمع أيضاً الكاثوليك والبروتستانت اللوثريين الإصلاحيين. معاً، يدافعون عن القيم اليهودية المسيحية كأساس للبلاد؛ فهم يتميّزون بآرائهم المحافظة حول الإجهاض، وحقوق LGBTQ+، والقتل الرحيم، وما إلى ذلك. بعضهم، ببساطة، "مسيحيون محافظون". فهم، مثل أيّ شخص آخر، يصوّتون وفق قِيمهم، هذا فيما آخرون "قوميّون مسيحيون"، يرغبون في استعادة مجتمع مسيحي، يعتقدون أنه قد ضاع. وآخرون، أخيراً، "مسيحيون ثيوقراطيون"، وبحسب رأيهم؛ يجب أن ترقى الولايات المتحدة وبقية الأمم إلى الوصايا التوراتية. بالتالي، فهم يترسّخون في هذا اللاهوت الإنجيلي للسلطة.

على مرّ العقود، تضافرت ثلاثُ أفكار لتشكيل لاهوت يمكن ملاحظته بين مؤيدي ترامب الإنجيليين: نهاية الزمان التي تلوح في الأفق، وتوقيت الوحي النبوي، وإعادة البناء المسيحي

هذه العقيدة مستوحاة من حركات متتالية في التاريخ الإنجيلي. الصحوات الكبرى، فترات التنشيط الديني للبروتستانتية، تؤثر جميعها بشكل خاص على المجتمعات الإنجيلية. إنها تنمّي مشاعر التقوى والعواطف، والإيمان الحيّ الذي يُنتِج الأفعال. في القرن التاسع عشر، خلال صلاة جماعية في مدرسة للكتاب المقدس في مدينة كنساس، قال المصلّون إنهم بدأوا فجأة يتحدّثون عفوياً بلغات أجنبية، غير معروفة لهم أصلاً، هذه العجائب، المعروفة باسم "غلوسولاليا" (glossolalia)، موصوفة أيضاً في الكتاب المقدس، أثناء حدثِ عيد العنصرة. كان القصد من "عطية الروح القدس" هذه، إذاً، تسهيل التبشير بالإنجيل بين الأمم، وبالمثل؛ فإنّ صحوة "الخمسينية" في القرن التاسع عشر تدّعِي أنّ ظهور هذه القدرة يشير إلى نهاية وشيكة للزمن.

عام 2016؛ صوّت 81% من الإنجيليين البيض لصالح دونالد ترامب

هذه الصحوة يجب أن يستخدمها المسيحيون اليوم، للتبشير في البلدان التي لم يصلها الإنجيل بعد. في الأربعينيات من القرن الماضي، وسّع النظامُ الجديد "النظام الجديد للمطر المتأخر" (The New Order of the latter rain)، العملَ الإعجازي للروح القدس إلى التجربة المسيحية. يرسِل الروحُ القدس وُحِيّاً (مفردها وَحْيٌ) إلى الأنبياء المعاصرين الذين يصبحون مرشدين في حياة المؤمنين، وقد أثارت هذه العقيدة الجديدة اتهامات قوية من قِبل التجمعات الإنجيلية في ذلك الوقت، بما في ذلك الخمسينية؛ إنّهم يرون فيها انحرافاً عن تعاليم الكتاب المقدس والكنيسة، ومع ذلك، فبحلول الستينيات، وصلت الحركة إلى جميع طوائف المسيحية، بما في ذلك الكاثوليكية، لكن ضمن كلّ هذه الطوائف، يقول المؤمنون إنّهم يختبرون أعمال الروح القدس الإعجازية، هذا هو "التجديد الكاريزماتي"، وبالتوازي مع الكاريزماتية، وضع روساس جيه، التابع للكنيسة المشيخية، عام 1970، نظرية "لإعادة البناء المسيحي"؛ ففي رأيه، يجب أن تستند جميع مجالات المجتمع إلى قانون الكتاب المقدس، بالتالي، فإنّ المسيحيين، بحركةِ تأثيرٍ من الأسفل، مُلزَمون بالعمل من أجل تحقيق هذا الغرض.

على مرّ العقود، تضافرت ثلاثُ أفكار لتشكيل لاهوت يمكن ملاحظته بين مؤيدي ترامب الإنجيليين: نهاية الزمان التي تلوح في الأفق، وتوقيت الوحي النبوي، وإعادة البناء المسيحي.

لا يقتصر تأثير الإصلاح الرسولي الجديد على الولايات المتحدة؛ بل يؤثر على السياسة الدولية ويتمتع زعماؤُه بجمهور كبير، وقد أصبحوا شخصيات أساسية لا مفرّ منها

عام 2001؛ أسّس عالم التبشير "سي. بيتر واغنر" الإصلاحَ الرسولي الجديد (NRA)، وهو أول معقل لهذا اللاهوت، ومع تنبُّئِها بنهاية الزمان، تنخرط هذه الحركة في معركة روحية ضدّ الشرّ، بقيادة الرسل والأنبياء المعاصرين، ومدعوماً بإشارات إعجازية، يسعى هذا اللاهوت جاهداً لتحقيق "ملكوت الله على الأرض".

تتكون هذه "المملكة" من هيمنة مسيحية عالمية ومواءمة القوانين القانونية والاجتماعية مع الكتاب المقدس، على عكس "روساس ج. رشدوني"، يجادل واغنر بأنّ هذا المشروع لن يتحقق إلا من خلال عمل من الأعلى، ويتخذ كدليل على ذلك، المطالبَ الجنسية المثلية التي، رغم أنّ أقليةً فقط تحمِلها، فهي تنتشر في ثقافاتنا؛ لذلك يجب على المسيحيين احتلال مراكز القوة، بهذه الطريقة، سيحقّق الإصلاح الرسولي الجديد رغبة يسوع، الذي كان يدعو لأن تتم إرادة أبيه "على الأرض كما في السماء"، وهكذا يؤكّد أندريه غانييه في جميع أنحاء الكتاب: كلّ عقيدة وكلّ ممارسة للحركة مبرَّرة بآية، وفق قراءة الكتاب المقدس "الحرفية" و"المنزوعة عن السياق".

لاهوت السلطة في حيّز التنفيذ

إنّ لاهوت السلطة (2) يتطلّب إعادة تنظيم كنسي، لا يسمح العمل التقليدي للكنائس بالمنافسة التي يتوقعها الإصلاح الرسولي الجديد.

من الآن فصاعداً، يجب أن يقود المبشرون الكنائسَ ويربطونها بشبكات رسولية، باسترشادها بآيات الأنبياء، تعمل هذه الشبكات من أجل ميلاد عالم مسيحي؛ على سبيل المثال، أنشأ "التحالف الدولي للقادة الرسوليين"، الذي يضمّ 400 عضو من 85 دولة، منصة "Pure Flix"، التي تم تصميمها كبديل لمنصة "Netflix"، وهي تنتج أفلاماً مسيحية ناجحة دولياً.

حركة الصلاة بصوت واحد (the One Voice Prayer Movement) هي شبكة صلاة أمريكية، اتّسع نطاقها إلى الحدّ الذي جعلها تحدّد القضايا السياسية التي تهم العديد من الإنجيليين، وهذا النجاح يأتي من مؤسِّسَتِها، بولا وايت كاين، "المستشارة الروحية لترامب في البيت الأبيض"، وهي كاتبة وداعية تلفزيونية وراعية سابقة لكنيسة ضخمة، ومنتجة لِبرنامجَين تلفزيونيّين؛ لذلك فهي تمثل الشخصية الباهرة للرسول الكاريزماتي، الذي وصفه أندريه غانييه بسهولة بِـ "المقاول السياسي والديني"، من خلال نجاحه الاقتصادي والاجتماعي، يوضح الرسول الطريقَ لبقية المؤمنين، لتحقيق الهيمنة، يجب على المسيحيين تسلق "الجبال السبعة" التي تشكل الثقافات: "مجالات الدين والتعليم والاقتصاد والسياسة والفنون والإعلام والأسرة"؛ لذلك يتلقى كلّ واحد التشجيعَ على تسلق درجات مجال نشاطه الخاص، لإحداث التغيير.

أهمية دور دونالد ترامب في تحقيق البرنامج

يحتلّ دونالد ترامب مكانة خاصة جداً في تحقيق هذا البرنامج. لانس والناو، رجل الأعمال المؤثر ذو الشخصية الجذابة، هو أوّل من رأى أنّه (أي ترامب) "مختار من الله"؛ عام 2016، أصدر كتابه "مرشح الفوضى الإلهي: دونالد ترامب ونهاية أمريكا" (God’s chaos candidate : Donald J. Trump and the American unraveling)، ومنطقه بسيط؛ عشية انتخابه للمرة الأولى، كان ترامب بالفعل على قمة العديد من "الجبال" الثقافية: الاقتصاد، والفنون والترفيه (من خلال برنامجه التلفزيوني)، ووسائل الإعلام (من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به)، رئيس الولايات المتحدة، سيرتقي إلى قمة السياسة، بحكم أنّه حامل للقيم المسيحية المحافظة؛ فهو حجر الزاوية في الغزو الكاريزماتي، غير أنّ الإنجيليين، الذين رأوا فيه "رسولاً"، لم ينخدعوا، مع ذلك، فيما يتعلق بأخلاقه الحقيقية. لا يهم: في الرواية الكتابية (خاصة في سفرَي إشعياء وعزرا)، عام 539 قبل الميلاد، استخدم الربّ الملكَ الفارسي كورش الكبير، لتخليص الشعب اليهودي الذي تمّ نفيه من بابل؛ لذلك فإنّ كون المرء وثنياً لا يمنع من لعب دور رئيس في نوايا الربّ.

رسم خرائط روحية

يعدّ دونالد ترامب عنصراً لا مفرّ منه لأهمية نفوذه الدولي، وفي صراع الإنجيليين الكاريزماتيين الروحي، تحتلّ الجغرافيا السياسية مكانة مهمة. كلّ أمة ستهيمن عليها أرواح شيطانية تتصارع مع الأرواح الإلهية، حتى جورج أوتيس جونيور، مؤسس وكالة الأبحاث المسيحية (The Sentinel)، يقترح "رسم خرائط روحية"، تضمّ هذه الخرائط "عواصم روحية"، و"مدناً محاصرة" بالشرّ، بفضل هذه الأداة، يمكن للمسيحيين ذوي الشخصية الكاريزماتية قراءة جميع الأحداث الجيوسياسية من منظور رهاناتهم، وبالمثل؛ فهم يدركون دلالة أيّ مقطع في الكتاب المقدس في ضوء الأحداث الجارية؛ لهذا السبب رأى كثيرون في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، عام 2018،  علامة على نهاية الزمان، فبحكم قناعاتهم فإنّه يجب على اليهود مرة أخرى تشكيل دولة إسرائيل قبل عودة المسيح إلى الأرض، أشادوا بعمل ترامب. بتشجيع من قاعدته الانتخابية، يؤكد الرئيس بخياراته الجيوسياسية، انتخابَه الإلهي.

تأثير الإصلاح الجديد في السياسة الدولية

لذلك، لا يقتصر تأثير الإصلاح الرسولي الجديد على الولايات المتحدة؛ بل يؤثر على السياسة الدولية. إضافة إلى ذلك؛ يتمتع زعماؤُه بجمهور كبير، وقد أصبحوا شخصيات أساسية لا مفرّ منها، فحركتهم بين الطوائف تهزّ العالم الإنجيلي؛ لذلك يدعو أندريه غانييه إلى المعرفة المتعمقة لـِلاهُوتِهم. ويوصي بعدم إدماج جميع الإنجيليين، ولا حتى السخرية منهم أو شيطنة أولئك الذين يعتنقون لاهوت السلطة(2)؛ فما هو الهدف من المزايدة حول خطابهم القتالي، اللهم إلا لتأجيج نيرانهم؟ يأمل أندريه غانييه في أن يؤدي فهمُ معتقداتهم إلى جعل الحوار ممكناً.

هوامش:

(1) الخمسينية: حركة دينية بروتستانتية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وتتميز هذه الحركة بالإيمان بأنّ جميع المسيحيين في حاجة إلى أن يعيشوا اختباراً فريداً كي يكونوا مسيحيين فعلاً، ويسمى هذا الاختبار "معمودية الروح القدس".

(2) لاهوت السلطة: مجموعة من الأفكار المسيحية السياسية التي تؤمن بأنّ دين الدولة يجب أن يكون المسيحية، وأن تسير وفق قوانين ومبادئ الكتاب المقدس. يتواجد الكثير من المسيحيين، خصوصاً في الولايات المتحدة، ممن يؤمنون بهذا اللاهوت.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.nonfiction.fr 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية