الاتفاق النووي: إيران تهدّد وترتبك

الاتفاق النووي: إيران تهدّد وترتبك


04/06/2018

ترجمة: علي عبيدات

انتهت حالة الترقب التي بدأت بعد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول الاتفاق النووي مع إيران، بإعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، الأمر الذي هزّ الساسة الإيرانيين، الذين بدؤوا التعليق على الحدث ابتداء من أعلى سلطة في إيران، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، الذي وصف ترامب "بالمخطئ"، وأمريكا "بعديمة الذمة"، وأنّ "جثة ترامب ستكون غداءً للإيرانيين"، وفق تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر.

الرئيس الإيراني حسن روحاني، يغرد أيضاً، كأول ردّ فعل له: "سنواصل العمل وفق الاتفاق النووي، طالما تضمن الأطراف الخمسة الأخرى مصالحنا في الاتفاق"، ويلخص قرار ترامب بـ "شرّ لا ينفذ الوعود وتخلصنا منه"، بينما تؤكّد صحيفة "كيهان"، المقرَّبة من علي خامنئي: "حان وقت حرق الاتفاق النووي"، في إشارة إلى وعد خامنئي سابقاً بحرق الاتفاق إذا طبّق ترامب وعده ومزّقه.

 قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري: قرار ترامب لا يعوَّل عليه

وبارك قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، قرار ترامب، وعدّه "بشارة خير ولا يعوَّل عليه"، ووجه كلامه للرئيس روحاني: "الأوروبيون عاجزون عن عقد أيّ اتفاق مع إيران دون وصاية أمريكا عليهم"، وعدّ الانسحاب محاولة جديدة ضمن مساعي أمريكا لإضعاف القوة العسكرية لإيران، وفق تصريحات لـ "وكالة فارس للأنباء".

عبد الرحيم موسوي:لم نستفد من الاتفاق النووي إلا الجلوس مع الأمريكيين، والاعتراف بحقهم في التغطرس

وشهد مجلس النواب الإيراني، إثر قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، بداية الشهر الماضي، حرق العلم الأمريكي ونسخة من الاتفاق النووي، كان أشعل النار بها النائب محسن كوهكن، بينما سخر رئيس مجلس النواب علي لاريجاني من حرق العلم، الذي احترق بصعوبة قائلاً: "حتى بالنار لا يحترق!"، وقال للنواب الذين اعترضوا على الحرق ساخراً: "اطمئنوا... لن يحترق المجلس"، وردّد النواب المشاركون في الحرق شعار "الموت لأمريكا".

وشهد ميدان آزاد في العاصمة طهران تجمهراً لطلاب إيرانيين، رددوا شعار "الموت لأمريكا"، مطالبين الرئيس روحاني بأن لا يعتمد على أوروبا، وأن يخرج من الاتفاق النووي، وتجمّع طلاب جامعة "أمير كبير" التقنية، وحرقوا علم أمريكا والاتفاق، وكذلك علم إسرائيل، وفق ما نقلته وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء.

وأيد لاريجاني خطوات حسن روحاني، وحرصه على حماية الاتفاق مع الأوربيين، مؤكداً أنّ "هذه الخطوات لن تجرّ إيران إلى ردات فعل عشوائية"، ويؤكد أنَّ "الرد على أمريكا سيكون بإعادتها إلى رشدها من خلال قوتها النووية، ما لم يسد الأوروبيون فراغ الاتفاق الذي تركته أمريكا، باعتبار أنّ ترامب لا يملك عقلًا لحلّ مثل هذه المشكلات".

وصرّح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، لوكالة "إيرنا" للأنباء، حول انسحاب أمريكا: "لم يكن الاتفاق النووي مرغوباً به من قبل الإيرانيين، إلا أنّنا قبلناه بعزّة وكرامة ليرى العالم أسبابنا"، وحول التهديدات التي تربك الإيرانيين بشأن حرب عسكرية؛ أكّد باقري أنّ أمريكا "عاجزة عسكرياً أمام القدرات العسكرية الإيرانية، وبالكاد يملكون سلاح الاقتصاد لمحاربتنا".

محمد باقري:لم يكن الاتفاق النووي مرغوباً به من قبل الإيرانيين، إلا أنّنا قبلناه بعزّة وكرامة ليرى العالم أسبابنا

وصرّح قائد الجيش الإيراني، عبد الرحيم موسوي، لوكالة "الطلبة" الإيرانية للأنباء: "لم نستفد من الاتفاق النووي إلا الجلوس مع الأمريكيين، والاعتراف بحقهم في التغطرس"، وشكر الله بعد إعلان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، الذي شبّه معلنه ترامب بـ "إنسان مجنون ويصدر منه بعض التصرفات الصائبة أحياناً".

يرى المحلل السياسي، رضا تقي زاده، ردة فعل روحاني دليلَ هدوء المرحلة الدبلوماسية القادمة

ابتسامات روحاني وتهديدات العسكر

يرى المحلل السياسي، رضا تقي زاده، ردة فعل الرئيس الإيراني حسن روحاني، دليلاً على هدوء المرحلة القادمة دبلوماسياً؛ فلم يظهر حسن روحاني أيّة انفعالات، أو نبرات عالية، الأمر الذي يدلّ على حرص روحاني على مواصلة العمل مع الأطراف الباقية على الاتفاق وتلتزم به.

ويواصل تقي زاده، في مقالته المنشورة في "بي بي سي" الفارسية، تقديره للمرحلة القادمة: "لن ينتهج روحاني نهج قائد القوات الإيرانية المسلحة وكبار ضباط الحرس الثوري؛ الذي لوحوا باتهامات وتهديدات عسكرية لأمريكا"، وبعد إعلان طهران رفضها لقرار ترامب، أعلنت ثلاث دول أوروبية أسفها لقرار ترامب، مؤكدة التزامها بالاتفاق النووي مع إيران، وبهذا وضعت الكرة في ملعب إيران، للعمل على تدارك المشكلة التي وضعها ترامب فيها، وفق قول تقي زاده.

تقي زاده:لن ينتهج روحاني نهج قائد القوات الإيرانية المسلحة وكبار ضباط الحرس الثوري؛ الذي لوحوا باتهامات وتهديدات عسكرية لأمريكا

يضيف تقي زاده: "أبسط ما بوسع إيران أن تفعله إذا انسحبت من الاتفاق النووي؛ أن تبدأ بتكثيف تخصيب اليورانيوم، وترفع سقف مخزونها إلى أكثر من 300 كغم، دون الالتزام بالسقف الأعلى للتخصيب والإنتاج، الذي نصّ عليه اتفاق 2015 مع إيران، كذلك لن تتعاون أو تلتزم بشروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي أسوأ الأحوال ستكثف مستوى التخصيب ليصل إلى درجة 20%، وتتجاوز قوانين حظر السلاح النووي".

وإذا انتهجت إيران هذا النهج، وبدأت في التصعيد، يرجّح تقي زاده أن يكون الرد قاسياً؛ لأنّ إيران "لن تخسر الدول الأوروبية الثلاث التي بقيت معها، بل سيضعها هذا في مواجهة مع القرار 1929، الصادر عن مجلس الأمن حول العقوبات على إيران، وستكون إيران أمام حرب واضحة بين ليلة وضحاها".

القرار 1929؛ الذي وقّعت عليه طهران، يؤكد التزامها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأن تطوير البحوث وإنتاج الطاقة النووية في إيران يقتصر على الأغراض السلمية فقط، وإذ يلاحظ أنّ التوصل إلى حلّ من هذا القبيل سيصبّ في مصلحة عدم الانتشار النووي، وإذا أصرت إيران على خرقه "ستصل إلى اصطدام خطير مع مجلس الأمن، في حال استمرت القيادات العسكرية الإيرانية بالتهديد والتدخل بالسياسة الخارجية" وفق تقي زاده.

تدخلات إيران في المنطقة، من أهم مبررات الانسحاب الأمريكي

نتيجة تدخلات إيران في المنطقة

يرى جلیل روشندل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شرق كارولينا، في مقالته "هل وصل الاتفاق النووي إلى نهايته"، المنشورة في موقع "راديو فردا"، أنّ تدخلات إيران في المنطقة، من أهم مبررات الانسحاب الأمريكي، وتحشيد الرأي العالمي ضدّ إيران بشكل عام.

يعدّ روشندل دور إيران في المنطقة مجرد أخطاء مكررة خالية من التكتيك والعمق الإستراتيجي والتوازن

للدور الإيراني في المنطقة وجهان متضّادان: الأول أنّها تدعي محاربة الجماعات الإرهابية، لكنّ الوجه الأبرز: هو وجه التدخلات في دول الإقليم، ومنافسة المملكة العربية السعودية في النفوذ والسيطرة على دول الإقليم، ولفت نظر أمريكا إلى أنّ إيران شرطي المنطقة، كما يرى روشندل.

وحول الحالة الراهنة لدور إيران في المنطقة، يعدّ روشندل دور إيران في المنطقة مجرد أخطاء مكررة خالية من التكتيك والعمق الإستراتيجي والتوازن، والآن "تواصل إيران تبادل التهديدات –غير الجدية في أكثرها- خصوصاً التي تصدر من الحرس الثوري، لكن وتيرة التهديدات تغيرت، وباتت إسرائيل أكثر حدّة بشأن إيران، فمع انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ضربت إسرائيل عمق الأراضي السورية، مستهدفة قواعد إيران هناك"، بهذا نكون أمام سيناريوهات جديدة تتجاوز تراشق التهديدات إلى الردّ بالصواريخ، الأمر الذي لن يكون محصوراً خارج الأراضي الإيرانية، وحيث تتواجد قواعد إيران، بل من المحتمل أن تكون الضربات على إيران أيضاً، وفق روشندل الذي يرى محددات وتمظهرات الدور الإيراني في المنطقة تتجه نحو مرحلة أكثر حسماً.

رهان أوروبي

الصحافي والمحلل والسياسي، شهير شهيد ثالث، في مقالته على "بي بي سي" الفارسية، يرى بقاء أوروبا على وفاق مع إيران بصورة مصلحة علاقات اقتصادية تستفيد منها أوروبا؛ لأنّ "أوروبا ليست حكومات تقاطع أو تصادق إيران؛ لأنّ الاستثمارات والمنافع الاقتصادية أولى من أنماط العلاقات بين حكومات الدول من وجهة نظر الأوروبيين الذين سيواصلون العمل مع إيران".

ويصور شهيد ثالث الأنظمة الأوروبية بمثابة سوق مفتوح "لا تستطيع أوروبا أن تغلقه بوجه التعاملات المالية والمصرفية الإيرانية"، ورغم أنّ أوروبا لم تقنع البنوك العملاقة بحسن نية إيران، وبراءتها من مبررات العقوبات الإيرانية عليها، إلّا أنها تحاول الحافظ على مصالحها مع إيران، رغم العقوبات الأمريكية على البنوك، التي أضرت بإيران والمستفيدين الأوروبيين، مثل قضية تورط بنك "ستاندرد تشارترد" البريطاني في انتهاك العقوبات الأمريكية على إيران، وقوانين مكافحة غسيل الأموال الأمريكية في 2012، فقد وافق البنك حينها على دفع غرامة قدرها 340 مليون دولار لتسوية هذه القضية مع إدارة الخدمات المالية في نيويورك.

يصور شهيد ثالث الأنظمة الأوروبية بمثابة سوق مفتوح لا تستطيع أوروبا إغلاقه بوجه التعاملات الإيرانية

إذا واصلت إيران تعاملها مع أوروبا، فمن المرجّح أن ينجم عنه شرخ في العلاقات بين أوروبا وأمريكا، ليكون خيار الحرب التجارية بين الطرفين محتملاً، كما يرجح متخصصون، فأمريكا تنتهج نهج العقوبات على البنوك الأوروبية، وأوروبا ستردّ بما يحفظ معاملاتها المصرفية، الأمر الذي سيضع خيار الحرب التجارية كسيناريو مطروح، ولن تكون إيران في حالة تحسد عليها، وفق الاحتمال الأول الذي يدلي به شهيد ثالث.

الاحتمال الثاني الذي يورده شهيد ثالث: أن تقنع أوروبا الجانب الأمريكي في التراجع عن العقوبات الاقتصادية على إيران ومن يتعامل معها، خلال الستة شهور القادمة، لكن ترامب لن يعلن تراجعه أمام الملأ، وإلا ستكون صورة الولايات المتحدة ملتبسة؛ لأنها أعلنت الانسحاب من الاتفاق النووي وتراجعت بعهدها، وبطبيعة الحال ستخشى الشركات الغربية والشرقية من العمل مع إيران، خوفاً من عقوبات أمريكية.

وحتى الآن، ما تزال إيران خاسرة، وفق ترجيحات شهيد ثالث، رغم طمأنة أوروبا لإيران منذ انسحاب ترامب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية