الاختلال التأسيسي في تنظيمات "الإخوان"

الاختلال التأسيسي في تنظيمات "الإخوان"


15/09/2021

وحيد عبدالمجيد

تهاوت في السنوات العشر الأخيرة افتراضات نظرية طرحها باحثون ومراقبون منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي بشأن تنظيمات «الإخوان» وحركاتهم في الدول التي توجد بها. طُرح، على سبيل المثال، أنها تنظيمات معتدلة، وتتسم بالمرونة وتنحو إلى العملية (البراجماتية)، وترغب في المشاركة وليس في الهيمنة والاحتكار. لم ينتظر مَن تعاملوا مع افتراضات محض نظرية اختبارها في الواقع لتبين حقيقتها. لكن ما أن اختُبرت عملياً حتى ثبت عدم صحتها، وسقطت واحداً بعد الآخر، ليس في مصر فقط حيث منشأ ما تُسمى «الجماعة الأم» بالنسبة إلى تنظيمات «الإخوان»، ولكن في بلدان أخرى أيضاً. وحتى «حركة النهضة» في تونس، التي بدا في مرحلة سابقة أنها ربما تكون مختلفةً عن غيرها، أو بالأحرى أكثر قدرةً على المناورة، لم تتمكن من اجتياز الاختبار العملي رغم فُرصٍ عدة أُتيحت لها لتصحيح مسارها على مدى عشر سنوات تصدّرت فيها المشهد الحزبي والبرلماني.
وإذ تبدو أزمة تنظيمات «الإخوان» على هذا النحو واضحةً ومشتركةً بينها، وإن تفاوتت درجاتها، لا يتيسر تفسيرها من دون العودة إلى أصلها. فقد عانت هذه التنظيمات من اختلال في بنيتها منذ بدايات كل منها، لأن تجربة «الإخوان» في مصر صارت مُلهمةً لها. ورغم تعدد أساليب هذا الاستلهام، كان الاختلال التأسيسي قاسماً مشتركاً بينها، لأنها أُسست على الطريقة التي اتُبعت في بلد المنشأ حيث تتبع كلها «الجماعة الأم» وتُقدم البيعة لمن يُطلق عليه المرشد العام، فيما يُسمى زعيم كل منها مراقباً عاماً. ومن الطبيعي أن نجد تباينات في مستويات الاختلال التأسيسي، التي بدت أقل نسبياً في التنظيمات التي أُنشئت بعد عدة عقود على إنشاء الجماعة في مصر عام 1928، كما كان الحال مثلاً في «حركة النهضة» التي أُسست عام 1972 أي بعد 44 عاماً.

غير أن جوهر الاختلال التأسيسي يبقى عاماً ومشتركاً، وخاصةً فيما يتعلق بهيمنة حلقة صغيرة قوية (أوليجاركية) وقادرة على التحكم في مفاصل التنظيم إما من البداية، أو عبر استخدام أدوات نفوذ تملكها من أجل إحكام سيطرتها وتهميش مَن يختلف معها أو إقصائه أو دفعه إلى الابتعاد. ومن أهم أدوات النفوذ التي استُخدمت في مختلف تنظيمات «الإخوان» اثنتان، الأولى هي ربط الأثرياء ورجال المال والأعمال، سواء كانوا أعضاء في التنظيم أم متعاطفين معه، بالحلقة الضيقة فيه لاستخدام قوتهم المالية في دعم سيطرتها. وأدى ذلك إلى انتشار الانتهازية والمحسوبية في أوساط هذه التنظيمات على نحو أضعفها من داخلها، في الوقت الذي كانت تبدو قوية، بل الأقوى، في بعض البلدان.
أما الأداة الثانية فهي تعميق ثقافة السمع والطاعة، وإساءة استغلال الحراك الاجتماعي الذي ازداد في البلدان التي عملت بها خلال العقود الماضية لهذا الغرض، وخاصة في جانبه المتعلق بانتقال أعداد كثيرة من السكان من الريف إلى الحضر. فقد حمل هؤلاء معهم ثقافتهم الريفية التي جعلتهم أكثر قابليةً لطاعة تعليمات الحلقة الضيقة المهيمنة على هذا التنظيم أو ذاك من دون أدنى تفكير.
وعندما يصح تحديد اتجاه أي تنظيم منوطاً بقلة نشأت في بيئة مغلقة لا مجال فيها لتفاعل خلّاق وتراكم خبرات، يصبح العقل السياسي في هذا التنظيم محدوداً، ويزداد ضموره مع الوقت بقدر ما تُرسخ هذه القِلة هيمنتَها. وحين يحدث هذا في تنظيم ديني هو بطبعه مغلق، يصبح أثر الاختلال التأسيسي الذي يُنتج هيمنةَ القِلّة أقوى وأشد، وتغدو القدرة على معالجة هذا الاختلال أضعف. وهذا هو حال تنظيمات «الإخوان» ومصدر علتها التي لا علاج لها.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية