الاستراتيجية الألمانية لمكافحة التطرف وواقع الإسلام السياسي في ألمانيا

الاستراتيجية الألمانية لمكافحة التطرف وواقع الإسلام السياسي في ألمانيا


28/11/2020

عمرو صقر

شهدت ألمانيا نموًا في التطرف الإسلاموي في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، تتحول برلين إلى مدينة كوزموبوليتانية ذات طابع شرق أوسطي ثقافياً واجتماعياً بشكل كبير. يتبع هذا الانتشار الشرق الأوسطي توسع لأنشطة الجماعات الإسلاموية المتطرفة والسلفية التي تستخدم الدين والمساجد لنشر تطرفها وتجنيد عناصر لخدمة أهدافها.

يفرق التعريف الرسمي الألماني للإسلاموية بينها وبين الإسلام ويشير إلى “أنها أيديولوجية سياسية، يشير أتباعها إلى المعايير الدينية للإسلام ويفسرونها سياسياً.” وينبغي الإشارة هنا إلى أن “الإسلام” باعتباره ديناً يحتل مكانة مهمة في جدالات الشأن السياسي الألماني بين مؤيد ومعارض من حيث مدى اندماج وتمثيل المسلمين جزءاً من المجتمع والثقافة في ألمانيا وهل يمكن اعتبار الإسلام جزءاً من دستورها وديمقراطيتها الليبرالية أم لا. هذا الجدال يختلف عن ظاهرة التطرف الإسلاموي التي تكافحه الحكومة والمنظمات المدنية المختلفة. وإلى جانب الجماعات الإسلاموية عادة ما يشمل التعريف الألماني للتطرف أيضاً الجماعات السياسية اليمينية واليسارية المتطرفة التي تحرض على جرائم العنف والكراهية والعنصرية ومعاداة السامية. ومن هنا يتلاشى هذا المقال الخلط بين الإسلام وحياة المسلمين في ألمانيا من ناحية وموضوع الإسلام السياسي والتطرف من ناحية أخرى، في حين يركز علي الخطاب المتطرف ذات الدوافع “الإسلاموية” دون “اليمنية والعنصرية” منها.[1]

ولتحليل دوافع وأسباب ظاهرة التطرف الإسلاموي في ألمانيا يجب رسم خريطة لواقع الجماعات الإسلاموية فيها، والنظر في الاستراتيجيات التي تتبناها الحكومة مع المجتمع المدني لمكافحة هذه الظاهرة والحد من خطورتها.

 أولاً: خريطة الجماعات الإسلاموية الإرهابية والمتطرفة في ألمانيا

اسم الجماعة/الحركة

عدد الأفراد وفقًا لتقديرات عام 2018عدد الأفراد وفقًا لتقديرات عام 2019

التصنيف

حزب الله

1050         1050

تم حظره هذا العام بسبب معاداته للسامية وتخطيطه لشن هجمات على أرض ألمانيا.الإخوان ومنظمة الجالية المسلمة الألمانية المرتبطة بها (DMG)

1040         1350

تسعى الجماعة لتغيير المجتمع على المدى البعيد وفقًا لقيم الشريعة. الجماعة مع ذلك تدخل في إطار المنظمات القانونية الموجودة في ألمانيا.الجماعات السلفية

11300     12150

تعتبرها السلطات حركة أصولية تهدد الديمقراطية والنظام الألماني وأنهم يرون أنفسهم المسلمين الحقيقيين الوحيدين.داعش، القاعدة، القاعدة في المغرب الإسلامي، القاعدة في شبه الجزيرة العربية،

الشباب، تحرير الشام

مجهول       مجهول

محظورحزب الله التركي (الكردي)

400         400

غير محظورجماعة التبليغ

650        650

غير محظورةحزب التحرير

350        430

حزب مرتبط بجماعة الإخوان – محظورالمركز الإسلامي في هامبورج (IZH)

مجهول      مجهول

منظمة قانونية مسئولة عن مسجد الإمام علي بهامبورج وعلى علاقة قوية بالنظام الإيراني.مجتمع الفرقان

290         350

منظمة قانونيةالحزب الإسلامي الأفغانستاني

مجهول      100

غير محظورMillî Görüş حركة والمنظمات المرتبطة بها )IGMG(

10000    10000

جماعة إسلام سياسي نافذة تتبنى أفكار رئيس الوزراء التركي السابق أربكان. غير محظورة.حركة المقاومة الإسلامية (حماس)

320          380

“تصنفها بعض الدول على المستوى الدولي كحركة إرهابية، لكن حتى الآن كانت ألمانيا بمثابة ملاذ آمن لها.” – غير محظورة.

بوابة الدين الحق (Die Wahre Religion)بوابة إنترنت إسلامية باللغة الألمانية تم حظرها في نوفمبر 2016 بعد توزيعها منشورات محضورة وتجنيدها أشخاص لصالح داعش.

أخرون

1160       1160

ثانياً: الاستراتيجية الألمانية لمكافحة التطرف والإرهاب

يمثل المركز المشترك لمكافحة الإرهاب في ألمانيا (GTAZ) الجهة المنوطة بالتجميع المبكر وتحليل وتقييم المعلومات المتصلة بالإرهاب في ألمانيا، وهو منصة تعاون بين السلطات الفيدرالية وسلطات الولاية تجمع خبرات جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة حيث يتكون من: (مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية – المكتب الاتحادي لحماية الدستور- المخابرات الفيدرالية – الشرطة الاتحادية – مكتب الشرطة الجنائية الجمركية – مكافحة التجسس العسكري – المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين – ممثل النائب العام – 16 مكتب تحقيق جنائي بالولاية – 16 مكتب دولة لحماية الدستور) مع التعاون الدولي والأوروبي بين الجهات الأمنية.

إلي جانب ذلك، تلعب مراكز الأبحاث والجامعات والمجتمع المدني دوراً هاماً في تنفيذ برامج الوقاية والمشورة وإعادة التأهيل من خلال البحث العلمي والانتشار على لفضاء الإلكتروني أو المبادرات المجتمعية المختلفة خاصةً التي تخاطب الشباب والمراهقين نظراً لتأثرهم السريع بعمليات التطرف. كما تتبني هذه البرامج خططاً لإدراج البيئات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والأصدقاء في عملية مكافحة التطرف عبر الملاحظة اليومية للأفراد الذين تبدو عليهم علامات التطرف. إضافةً إلى ذلك، ينضم وزير الداخلية الألماني مؤتمراً سنوياً لنقاش مستقبل الإسلام في ألمانيا وعلاقته بالدولة والسياسة.

وترى وجهة النظر الألمانية أنه على الرغم من الهزيمة العسكرية للدولة الإسلامية المزعومة، فإن خطر الهجمات ذات الدوافع الإسلامية في ألمانيا لا يزال مرتفعاً بالإضافة إلى المحاولات والخطط التي يتم إحباطها منذ عام 2016. وتتبع الحكومة الألمانية خطة مكونة من ثلاث محاور للتعامل مع الجهاديين العائدين الحاليين والمستقبليين تقوم على: التحقيقات الجنائية والملاحقات القضائية، ومنع المغادرة وإجراءات مكافحة التطرف بموجب القانون الإداري، والجهود المجتمعية لمكافحة التطرف.

ثالثاً: دوافع وأسباب التطرف والإرهاب

يُعرف مكتب الشرطة الجنائية التطرف بأنه “التحول المتزايد للأشخاص أو الجماعات إلى طريقة متطرفة في التفكير والتصرف والاستعداد المتزايد للدعوة و/أو الدعم و/أو استخدام وسائل غير مشروعة، بما في ذلك استخدام القوة، لتحقيق أهدافهم.” ومن أكثر الأساليب المستخدمة في عملية تجنيد المتطرفين رواجاً تقديم الحلول الحياتية البسيطة لهم، مثل قواعد السلوك الخاصة بالملابس أو الروتين والاتصال اليومي. وبمرور الوقت، يشعرون بأنهم جزء من مجموعة ذات هدف مشترك.

في عام 2017 صدر تقرير لمكتب مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية لتحليل خلفية وعملية التطرف بين الأشخاص الذين غادروا ألمانيا للسفر إلى سوريا أو العراق بناءً على دوافع إسلامية. وبناء على هذا التقرير، فإن جماعة داعش قد طلبت من هؤلاء الأشخاص، والذي يمثل الألمان منهم نسبة 60% إلى جانب أشخاص ذوي أصول أخرى، البقاء في أماكنهم والمهاجمة هناك. يرصد التقرير أن ثلث هؤلاء المجاهدين قد عادوا إلى ألمانيا ومن بينهم نسبة داخل السجن، وثلث أخر ما زال في سوريا، والثلث الأخير بين قتيل أو في مكان غير معلوم.

لا تزال السلفية -السياسة والجهادية- في ألمانيا أهم قوة دافعة وراء التطرف والإرهاب حيث يشير التقرير إلى أن ما يقرب من 96٪ من الجهاديين ممن تتوفر معلومات مفصلة عن توجههم الأيديولوجي من الأصول السلفية التي ارتفعت أعدادها بمقدار 850 شخصًا في عام 2019، وتضم الآن ما مجموعه 12150 شخصًا على مستوى البلاد بزيادة ثلاث أضعاف عن العام 2011. الجماعة السلفية في ألمانيا تشهد ما يطلق عليه “مرحلة الدمج”، حيث دفع كل من سقوط “خلافة” داعش والحظر المفروض على الجمعيات الإسلاموية المختلفة فكرة تقوية وخلق شعور بالانتماء لمجتمع واحد.

ومن الناحية الديموغرافية تشير التقارير إلى ارتفاع نسب التطرف في المدن الكبري حيث تنشط هذه الجماعات التي ترمي لتهديد لنظام الأساسي الديمقراطي الحر، وأن معظم المتطرفين من المتحولين دينيًا. كما أنه لدي النساء ميل أكبر للتطرف عن الرجال حيث يسعن إلى تأمين حياة مستقرة عبر الزواج الإسلامي. ويرى رئيس مكتب الشرطة الجنائية أن تظهر أن الغالبية المطلقة من المهاجرين في ألمانيا لا يرتكبون أي جرائم جنائية، ولكن أيضاً أن عدد الجرائم الجنائية التي يرتكبها المهاجرون ترتفع خاصةً التي تتعلق بالسرقة والممتلكات والتزوير. بيد أنه يمكن القول إن التطرف في ألمانيا ليس مرتبطاً بملف اجتماعي ديموغرافي قابل للتطبيق للجهادي، “فالعرق أو البلد الأصلي أو الجنس أو العمر أو حالة العلاقة أو الخلفية التعليمية أو التورط الإجرامي السابق متنوع للغاية بحيث لا يمكن استنتاج قاسم مشترك مقبول عالميًا.”

رابعًا: تقييم وخاتمة

يبدو أن التعريف الألماني للجماعات الإرهابية والمتطرفة يتحدد بمدى انخراط هذه الجماعات في تلك الأنشطة فقط على المستوى المحلى ولا يتم النظر بشكل كبير على المستوي الدولي لأنشطة هذه الجماعات في بلدان أخرى أو الشبكات الإرهابية التي ترعاها. المثال الواضح على ذلك هو موقف ألمانيا المتساهل مع جماعة الإخوان المسلمين -الحجر الأساس للفكر المتطرف. في هذا الإطار يجب النظر أن السماح بهذه المساحة يعطي للجماعة القدرة على إعادة التنظيم وشن الهجمات في الخارج حسب أولوياتها. سيأتي وقت ما توجه فيه الجماعة ضرباتها في الداخل الألماني علي مستويات مختلفة أو تحاول التغيير من قيم وتوجهات الجالية المسلمة المقيمة في ألمانيا على المدي البعيد مثلما نجد في حالة مركز مروه الشربيني للثقافة والتربية بدرسدن الذي سيطر الإخوان عليه للترويج لأجنداتهم السياسية والدينية.

كما أن الاستراتيجية الألمانية تفتقر إلى التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين والدوليين بهدف إقامة إجراءات متكاملة، فنجد أن بعض الهجمات الإرهابية عادة ما ترتكب بواسطة أشخاص لهم سجل إجرامي عبروا الحدود. ومن جانب أخر، تفتح ألمانيا الباب على مصراعيه لقوى كتركيا وإيران للتأثير على النشاط الإسلامي وخدمة أجنداتها. يجب وقف هذا النفوذ وإعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية وفق الاتجاه المعتدل وإدماجها في سياق سوسيوسياسي جديد يًعتبر فيه المسلمون في ألمانيا جالية مستقلة تساهم في قوة المجتمع ككل، وليست أداة في يد أي طرف من الأطراف.

[1] للمزيد حول التطرف اليميني والعنصري انظر: عمرو صقر، ما بعد ميركل: مستقبل الحكم والديمقراطية في ألمانيا، مجلة الديمقراطية (مؤسسة الأهرام، القاهرة، العدد 78-أبريل 2020): 190-195.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية