الاستعمار الإيراني للعراق أخطر اشكال الاستعمار

الاستعمار الإيراني للعراق أخطر اشكال الاستعمار


13/01/2022

زكي رضا

بعيدا عن العاطفة مع التحلّي بشيء من المنطق والنظرة الحيادية للعراق اليوم، نستطيع أن نقول ولحدود بعيدة من أنه أي العراق يرزح تحت حكم استعماري شرس. واستعمار العراق اليوم ليس استعمار بالشكل المتعارف عليه من حيث استعمار دولة لأخرى لنهب ثرواتها، أي ليس كما الاستعمار القديم الذي كان يعمل على الاستيطان في البلد المحتل ونهب ثرواته، على الرغم من أنّ هذا الأمر قابل للنقاش في العراق اليوم. أمّا كون الاستعمار بالعراق اليوم هو استعمار حديث، كما كان الاستعمار الأوربي لبلدان العالم المختلفة في آسيا وأفريقيا خصوصا بعد الثورة الصناعية، لإيجاد أسواق لتصريف منتجاتها والبحث المستمر عن الخامات الرخيصة، فالأمر لا يخلو هو الآخر من اسئلة قابلة هي الأخرى للنقاش في حالة بلدنا.

ولم تُستعمر دولة على مدى التاريخ، الّا وكانت تنظّم مقاومة مسلّحة بشكل أو بآخر ضد المحتلين الغزاة، ولم يتخلف الشعب العراقي في مواجهة الاحتلالين البريطاني أثناء ثورة العشرين، ومقاومة المحتلين الأميركان بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 عن هذه الشعوب في نضالها الوطني. ولو راجعنا تاريخ مقاومة الشعوب للمحتلين، فسنرى إنها حققت، وعلى رغم قوافل الضحايا، نصرا عليها في آخر المطاف. وفي الحقيقة فأنّ مقاومة المحتلين عسكريا وعلى الرغم من كثرة الضحايا والخسائر في هذا الطريق، هو أسهل أشكال النضال. فالشعوب التي قدمّت عشرات أو مئات الآلاف من القتلى في سبيل نيل حريتها ودُمّرت مدنها كما فيتنام مثلا، لم تخسر أهم معاركها وهما المعركتين الفكرية والثقافية. وعدم خسارتها هاتين المعركتين، فتح الطريق أمامها للاستقلال الحقيقي والسير قدما في بناء بلدها.

هل العراق اليوم دولة مستقلّة؟ أو دعونا طرح السؤال بصيغة أخرى، هل العراق دولة محتلة؟

نظريّا وبعد ترتيبات خروج القوّات الأميركية المحتلّة من البلاد، يعتبر العراق دولة مستقلة. كما وأنّ عضويته في منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، وكذلك عضويته في المنظمات الإقليمية والدولية المختلفة تشير الى ذلك دون أدنى شك. لكنّ هل العراق عمليّا هو دولة مستقلّة، أو أنّه لا زال يرزح تحت حكم استعماري غير الاستعمار الأميركي؟

من خلال الواقع السياسي غير المستقر بالبلاد، وضعف الاقتصاد العراقي وانهيار البنى التحتية وتخلّف القطّاعات الإنتاجية أو انهيارها بالأحرى، فأنّ البلاد هي تحت رحمة استعمار يتّخذ العراق سوقا لتصريف منتجاته بتواطؤ محلّي. وهذا الشكل من الاستعمار هو شكل من أشكال الاستعمار الحديث والذي بدأ بعد الثورة الصناعية في أوربا مثلما قلنا قبل قليل، ومن الممكن مواجهة هذا الشكل من الاستعمار في حالة وجود إرادة سياسيّة متحررّة من عقد الماضي، وقيادات تحترم شعبها ووطنها وتعمل على رفعتهما.

الّا أنّ المشكلة الكبرى تكون في مواجهة الشعوب لاحتلال غير عسكري، أو لنقل احتلالا غير مباشر. خصوصا إن كان المحتلّون يمتلكون أدوات تشكيل منظومة فكرية ثقافية اجتماعية في جزء من البلاد وفرضها على كامل البلاد لوجود حاضنة اجتماعية لهذه المنظومة. وهذا الشكل من الاحتلال هو ما يواجهه شعبنا اليوم، إضافة الى العامل الديني المذهبي والقومي والتغييرات الديموغرافية التي تضرب البلاد.

لقد استثمرت إيران وجود المعارضة الإسلامية فيها أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعلاقاتها مع القيادات الكردية وتطلعاتها القومية بشكل كبير جدا. واستطاعت أن تبني لها في قيادات هذه الأحزاب وجماهيرها لحدود معيّنة، شبكات استخبارية تعمل لصالحها وتأتمر بأوامرها خصوصا عند القوى الشيعية. وما أن رحل النظام البعثي بعد الاحتلال الأميركي عن السلطة، حتى ملأت إيران بوكلائها الفراغ السياسي، في ظل جهل وتخلّف أميركي بطبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية، وخصوصا عند شيعة العراق مع إيران. وقد وافقت القوى الكردية على المشروع الإيراني في إدارة العراق من خلال قبولها بنظام المحاصصة الطائفية القومية، وأبتلع سنّة العراق الطعم أيضا ليصبح العراق اليوم مستعمرة إيرانيّة، من حيث القرار السياسي والتبعية الاقتصادية بفتح أسواقه للبضائع الإيرانية وغيرها من البلدان الإقليمية. لكن هل هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجهه بلدنا وشعبنا؟

أنّ الخطر الأكبر للاحتلال الإيراني للعراق ليس احتكارها للقرار السياسي اليوم على الرغم من خطورته، وليس من تعداد ميليشياتها الولائية وغير الولائية التي لا تستطيع الخروج عن الإجماع الشيعي برعاية إيران، وليس كون العراق سوقا لبضائعها وبقية بلدان الجوار، بل يكمن الخطر باستعمار شعبنا فكريا وثقافيا ومذهبيا. فإيران اليوم تفرض ثقافتها الدينية الطائفية على العراق من خلال مراكزها الثقافية والدينية ومدارسها المنتشرة في محافظات الجنوب حيث المدن الشيعية وخصوصا مدينة البصرة الحدودية، كما تقوم وعن طريق أذرعها العسكرية بالتغييرات الديموغرافية في بلدات محيط بغداد ومحافظتي ديالى وصلاح الدين، بل أنها قامت بغزو فكري ثقافي لبلدات مسيحية في سهل نينوى! كما قامت وتقوم وعن طريق التسهيلات المقدّمة لها من قبل السلطات العراقية بتجنيس عشرات الآلاف إن لم يكن أكثر من الإيرانيين بالجنسية العراقية لسببين، أولهما هو التغيير الديموغرافي بالبلاد، والآخر هو أنّ المتجنسين هؤلاء لهم ثقل انتخابي وميليشياوي وتجسّسي وتخريبي.

من خلال الغزو الفكري والثقافي والمذهبي الإيراني للعراق، فأنّ الاستعمار الإيراني للبلاد يعتبر استعمارا طويل الأمد وذا آثار تفوق ضرر كل أشكال الاستعمار الحديث منه والقديم. ولنخرج من هول كارثة هذا الاستعمار، فإننا بحاجة لنهضة فكرية ثقافية في ظل حكم سياسي رشيد، وقد يمتد تعافينا من آثار هذا الغزو لعقود، خصوصا وأنّ نسبة الوعي انحسرت كثيرا أمام شيوع مفاهيم الجهل والتخلف وخصوصا الدينية منها، والتي تغذّيها إيران عن طريق وكلاؤها بشكل منظّم ومدروس.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية