الاستيطان.. جريمة ضد الإنسانية

الاستيطان.. جريمة ضد الإنسانية


20/05/2021

نصر محمد عارف

كثيراً ما أتساءلُ: كيف تم تسويق فكرة الاستيطان وبناء المستوطنات وقدوم مستوطنين إليها في العالم المعاصر؟ أليست هذه الفكرة تحتاج أن يسبقها افتراض أو مسلّمة تقول إن فكرة الاستيطان تشترط وتفترض وجود فراغ بشري كامل تام في منطقة جغرافية معينة، وأن هؤلاء المستوطنين جاؤوا لتعمير هذه الأرض والبناء فيها، وإحياء مواتها، ولذلك هم مشكورون ممدوحون مقدرون لأنهم قاموا بتعمير الخراب، وإحياء الموات، ونفع البشرية؟ الحقيقة التاريخية تقول عكس هذا تماماً، وهي أن فكرة الاستيطان وبناء المستوطنات لم تحدث في أرض فراغ، وإنما تمت على أرض كان يعيش عليها بشر منذ آلاف السنين، ولكنهم صاروا ضعفاء غير قادرين على حماية أرضهم، فجاءهم أولئك الذين رفعوا شعارات أخلاقية نبيلة، وهم في الحقيقة غير ذلك، فأطلقوا على القتل، والتهجير القسري، وسرقة الأرض والبيوت، وتشريد البشر مفهوماً جذَّاباً هو الاستيطان، أي بناء الوطن.

حدث هذا مع المهاجرين البيض إلى أمريكا الشمالية الذين قتلوا، في أربعة قرون، أكثر من 112 مليون إنسان من الشعوب الأصلية هناك التي أطلقوا عليها الهنود الحمر، وهم ليسوا هنوداً، وليسوا حمراً، وذلك حسب دراسات موثقة من الأرشيف الأمريكي قام بها الدكتور منير العكش في كتابه «حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية» الصادر 2002.

وهي نفس الفكرة التي طبقتها الجماعات المهاجرة من كل بقاع الأرض إلى فلسطين، فتم طرد أهلها وتشريدهم، والاستيلاء على أملاكهم تحت شعار بناء المستوطنات، وهي ليست سوى عملية سرقة علنية منظمة يحميها قانون لا علاقة له بقيمة العدالة.

وتمَّ من خلال هذا الاستيطان ابتلاع معظم أرض فلسطين، التي كان لها أصحاب يعيشون عليها تم طردهم ليعيشوا في مخيمات في دول مجاورة من أجل أن يقوم هؤلاء الأغراب ببناء المستوطنات.

لقد جاء الوقت الذي ينبغي أن يتحرك فيه الضمير البشري، وأن يعمل على تجريم ظاهرة الاستيطان في بقعة من بقاع الأرض، وأن يصدر قرار من الجمعية العامة يجعل هذه الظاهرة جريمة ضد الإنسانية لأنها تحرم مجموعات من البشر من حق المأوى، وحق التملك وحق الحياة، وتشردهم بدون ذنب إلا أنهم الأضعف، أو أنهم ينتمون لجماعة دينية أو عرقية مختلفة.

الاستيطان كما شهدته دول الجنوب الأفريقي في العصر الاستعماري، وكما تشهده فلسطين في عالم اليوم جريمة متكاملة الأركان، وينبغي أن تأخذ هذه الصفة على المستوى الدولي، وينبغي تطهير العالم من هذه الظاهرة.

عن "الرؤية" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية