الانتخابات الرئاسية السورية: عرس ديمقراطي أم مهزلة لتكريس الاستبداد؟

الانتخابات الرئاسية السورية: عرس ديمقراطي أم مهزلة لتكريس الاستبداد؟


26/05/2021

"عرس ديمقراطي"، أم "مهزلة تهدف إلى تكريس الحكم الاستبدادي للرئيس بشار الأسد"، هكذا يتساءل موقع "بي بي سي" في سياق تغطيته لمجريات الانتخابات الرئاسية السورية التي تجري مرحلتها الثانية في الداخل، اليوم الأربعاء، بعدما انطلقت مرحلتها الأولى في 20 الجاري بالنسبة للمواطنين السوريين في الخارج.

ومن المؤكد أن تؤدي الانتخابات إلى نجاح الرئيس السوري، رغم توجيه المجتمع الدولي تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضده، ومع ذلك، لم تمنعه هذه الاتهامات من ترشحه للانتخابات الرئاسية الحالية التي سبق أن فاز فيها في 2014 بنسبة 88 بالمئة من الأصوات على حساب مرشحين اثنين لم يملكا أي حظوظ لتولي الحكم آنذاك.

منشورات ألصقت على الطرقات والشوارع، واحتوت عبارات من قبيل: "لا تنتخبوا ساجن النساء والأطفال" و"لا تنتخبوا من هجّر نصف سكان سوريا" و"لا تنتخبوا عميل إيران المدلل"

على المستوى الدولي لا تحظى هذه الانتخابات، سوى بدعم أنصار النظام السوري، إقليمياً ودولياً، وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران، في وقت عبّرت فيه دول غربية عدة، بجانب أمريكا،عن رفضها لتلك الانتخابات، ووصفتها بأنها غير شرعية، ولا تمثل الشعب السوري، نظراً لظروف إقامتها في ظل غياب البيئة الآمنة والمحايدة، واستثناء نحو 13 مليون سوري، موزعين بين نازح ومقيم ضمن المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، ومناطق سيطرة الإدارة الكردية شمال شرقي سوريا، واستبعاد المعارضين المقيمين في الخارج.

انتخابات في ظل اقتصاد مدمر

ويأتي تنظيم الانتخابات الرئاسية الثانية منذ بداية النزاع السوري في 2011، في سياق أزمة يشهد فيها اقتصاد هذا البلد المدمر تدهوراً كبيراً. وأودت الحرب بحياة مئات الآلاف من المواطنين، وأدت إلى هجرة الملايين، فيما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ 80 بالمئة من السوريين يعانون من الفقر.

لا تحظى هذه الانتخابات، سوى بدعم أنصار النظام السوري، إقليمياً ودولياً، وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران

ويرى حلفاء النظام السوري، وعلى رأسهم روسيا وإيران، أنّ الانتخابات الرئاسية السورية، تمثل إنجازاً كبيراً، وقد انتقد البلدان مراراً مواقف الدول الغربية، وعلى رأسها واشنطن، والتي ترى أنّ تلك الانتخابات لا تمثل السوريين تمثيلاً حقيقياً، وأنها لن تعترف مطلقاً بنتائجها، وكانت روسيا قد اعترضت على رفض الأعضاء الغربيين، في مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، نتيجة الانتخابات الرئاسية في سوريا، خلال جلسة للمجلس في 28 نيسان (أبريل) الماضي.

لماذا يرفضون الانتخابات؟

ويرتكز رفض المعارضة السورية والكثير من الدول الغربية لهذه الانتخابات وما ستسفر عنه، إلى أساس قانوني، عبّرت عنه المعارضة، كما عبر عنه دبلوماسيون غربيون في عدة مناسبات؛ حيث رأوا أنّ الانتخابات لا تتم وفق الشروط المنصوص عليها، في القرار 2254، والذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع، في العام 2015 لوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا.

اقرأ أيضاً: هذا موقف أكراد سوريا من الانتخابات الرئاسية

وينص القرار على صياغة دستور جديد لسوريا، تجري وفقاً له الانتخابات، بما يسمح بحرية ترشح المعارضين، وهو ما لم يتم حتى الآن، ومن ثم فإنّ المعارضة السورية والأطراف الغربية، تعتبر أنّ الانتخابات الحالية غير قانونية، لأنها خالفت نص القرار بصياغة دستور جديد للبلاد، في حين يستند النظام السوري في إجرائه للانتخابات لدستور البلاد، الذي أقر في البلاد عام 2012، والذي تعتبره المعارضة السورية "غير شرعي"، بسبب الظروف التي أُقر بها، خاصة إجراءات الاستفتاء عليه، وطريقة وضعه وتفصيله بالقياس مع متطلبات رئاسة النظام الحالية، على حد قول المعارضة.

جمهورية وراثية

ويقول المحلل السياسي خطار أبو دياب إنّ "النظام السوري هو عبارة عن جمهورية وراثية تتناوب على ترأسها عائلة الأسد. وبالتالي فإنّ الانتخابات الرئاسية ما هي إلا إخراج عبثي يوهم بوجود آليات ديمقراطية في البلاد ويرسخ استمرارية ذلك".

المحلل السياسي خطار أبو دياب

وأكد أبو دياب في تصريحات لموقع "فرانس 24": "سنوات الحرب أرهقت سوريا وقسّمتها إلى مناطق متعددة تخضع إلى تأثير خارجي على غرار ذلك الذي تمارسه إيران وروسيا وتركيا، دون أن ننسى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الجهاديين. لذا يظل الوضع غير مستقر والأزمة الاقتصادية تتعمق يوماً بعد يوم. رغم كل هذا، لا يهم بشار الأسد سوى التمسك بالسلطة وضمان الاستمرارية".

وينافس بشارَ الأسد في الانتخابات الرئاسية، مرشحان؛ الأول هو النائب السابق عبد الله سلوم عبد الله، ومحمود مرعي المحسوب على المعارضة الداخلية المقبولة من النظام.

اقرأ أيضاً: حراك جديد لهيئة تحرير الشام يثير مخاوف السوريين لهذه الأسباب

"أريد أن أغيّر هيكل النظام السوري، ليمر من دكتاتورية شمولية إلى نظام ديمقراطي". هذا هو البرنامج "الجريء" لمحمود مرعي، عضو حزب الجبهة الديمقراطية السورية، المعارضة  لنظام دمشق، والذي وصف نفسه خلال حوار أجراه مع وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية بـ "المرشح الحقيقي" القادر على "وضع حد للنزاع السوري". وأضاف هذا الرجل الذي يعيش في بلاده والذي لم يحظَ  باعتراف من طرف المعارضة المتواجدة في المهجر: "فوزي أو فشلي في الانتخابات رهن الشعب السوري".

ويبلغ محمود مرعي، 67 عاماً، وهو أب لخمسة أطفال، وأكد أنه سجن ست سنوات في المعتقلات السورية بسبب انتقاده للنظام السياسي السوري. وأضاف أنّ هدفه "رفع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على بشار الأسد وأنصاره".

الصمت الانتخابي

كل ما يلزم "الانتخابات الرئاسية" من تنظيم وتقاليد تمّ في الانتخابات السورية، فقد أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية السورية "بدء الصمت الانتخابي وتوقف كل أشكال الدعاية الانتخابية للمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية"، ابتداء من صباح أمس الثلاثاء.

محمود مرعي، عضو حزب الجبهة الديمقراطية السورية

وأوضحت اللجنة في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية "سانا" أنه عملاً بأحكام المادة 58 من قانون الانتخابات العامة لعام 2014 وتعليماته التنفيذية توقف الدعاية الانتخابية قبل 24 ساعة من التاريخ المحدد للانتخاب الذي سيجرى في السادس والعشرين من الشهر الحالي، وعليه فإنّ وقف الدعاية الانتخابية يبدأ الساعة السابعة من صباح اليوم (أمس) الثلاثاء.

وأوضح عضو اللجنة القضائية العليا للانتخابات القاضي مخلص قيسية في تصريح لـ"سانا" أنه مع بدء الصمت الانتخابي تتوقف المهرجانات الخطابية والاحتفالات الشعبية الخاصة بالمرشحين، ولا يجوز لأي شخص أن يقوم بعد توقف الدعاية الانتخابية بنفسه أو بوساطة الغير بتوزيع برامج أو منشورات أو غير ذلك من وسائل الدعاية الانتخابية.

"أريد أن أغيّر هيكل النظام السوري، ليمر من دكتاتورية شمولية إلى نظام ديمقراطي". هذا هو البرنامج "الجريء" للمرشح محمود مرعي، عضو حزب الجبهة الديمقراطية السورية

وبالنسبة للمراكز الانتخابية، أكد قيسية أنها أصبحت جاهزة بشكل كامل في جميع المحافظات استعداداً ليوم الانتخابات الرئاسية؛ حيث تم تزويد جميع المراكز بالمستلزمات اللوجستية من صناديق ومطبوعات وحبر سري، إضافة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا من تباعد مكاني وتوفير الكمامات والمعقمات.

وبين قيسية أنّ اللجان الفرعية في المحافظات قامت بالتنسيق مع الجهات الإدارية بتحديد المراكز وفقاً للتوزع السكاني والبيئة الجغرافية لكل منطقة، بما يسهل على المواطنين الوصول إليها لتأدية حقهم بالانتخاب بكل يسر وشفافية.

إذاً، كل ما يلزم لتمرير المسرحية العبثية يتم الآن، من أجل تكريس هيمنة الحاكم الأوحد الذي يرغب أن يظل رئيساً ولو على أكوام الجماجم والمدن المدمرة.

وسبق الصمت الانتخابي احتجاجات واسعة في أرجاء متفرقة من سوريا. وكانت جهات "مجهولة" قد نشرت ملصقات ومنشورات في مناطق متفرقة بدرعا حذرت الأهالي من المشاركة بالانتخابات المقررة اليوم.

وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ المنشورات ألصقت على الطرقات والشوارع، واحتوت عبارات من قبيل: "لا تنتخبوا ساجن النساء والأطفال" و"لا تنتخبوا من هجّر نصف سكان سوريا" و"لا تنتخبوا عميل إيران المدلل" و"لا تنتخبوا صاحب البراميل المتفجرة"، "انتخاب الطاغية يعني الموت لأبنائكم".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية