الانسحاب الأمريكي من أفغانستان... ما المآلات والتحديات المستقبلية؟

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان... ما المآلات والتحديات المستقبلية؟


21/04/2021

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في 14 نيسان )إبريل(2021 بأنّه سيسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 أيلول (سبتمبر) 2021 موجة عارمة من ردود الفعل السياسية بين مؤيد ومعارض في العاصمة واشنطن، وفي عدد من العواصم ذات العلاقة بالشأن الأفغاني.

وقد جاءت المعارضة الأعنف لقرار بايدن من جون بولتون الصقر الجمهوري المثير للجدل  ومستشار الأمن القومي السابق الذي أقاله دونالد ترامب من منصبه. 

ففي مقالة نشرتها مجلة الفورين بوليسي في نيسان (إبريل) 2021، وصف بولتون "إعادة القوات إلى الوطن بأنّه حلم، وليست استراتيجية، والانسحاب الكامل من أفغانستان هو خطأ فادح مكلف وفشل في القيادة"، وأنّ قرار بايدن بسحب القوات العسكرية المتبقية للولايات المتحدة من أفغانستان يتسم بالضعف، ويعتمد على السياسة الداخلية أكثر من اعتماده على استراتيجية الأمن القومي.

الرئيس الأمريكي جو بايدن

ويضيف بولتون في نقده الحاد أنّ "الرئيس بايدن يبدو مثل سلفه دونالد ترامب؛ لأنّ بايدن ينفذ سياسة ترامب مع تعديلات طفيفة فقط، وقد أشارت التغطية الإعلامية لإعلان بايدن إلى دعم شعبي واسع النطاق لإعادة القوات إلى الوطن. لقد سئم الشعب الأمريكي من الاشتباكات العسكرية الأجنبية، أو هكذا يخبرنا النقاد؛ لقد سئموا من أفغانستان، وسئموا من العراق، وسئموا من سوريا، وسئموا من الإرهاب، وسئموا من الشرق الأوسط، فقد تعبوا. ويتفق الأكاديميون، ويتفق الديمقراطيون بالإجماع تقريباً، وحتى بعض الجمهوريين يوافقون على ذلك، لكنهم كلهم  مخطئون"، لماذا؟

 

الخلاصة التي يريد بولتون أن يصل إليها ويحاول إقناع الأمريكيين بها هي: واشنطن لم تخلق التهديدات، والانسحاب لن يجعلها تختفي

 

لأنّ الهدف الأساسي للأمن القومي الذي يجب على جميع قادة الولايات المتحدة السعي وراءه، عند بولتون، "هو تحديد المصالح الاستراتيجية لبلدهم، وكيفية حمايتها، يجب على السياسيين بعد ذلك تبرير الكيفية التي يقترحونها للدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية وحشد الموارد اللازمة، عندما لا يشرح القادة الحقائق الصعبة، فإنّ عزيمة الجمهور تبرز، والتي يستخدمها السياسيون بعد ذلك لتبرير ترددهم في اتخاذ قرارات صعبة. في الواقع، يغير السياسيون الضعفاء السبب في النتيجة، ويفرضون المسؤولية على الناس بدلاً من أنفسهم. تحت حكم ترامب والرئيس السابق باراك أوباما، وربما الآن بايدن، لم يكن الجمهور ضعيفاً، ولكنّ قادته كانوا غير راغبين أو غير قادرين على القيام بعملهم".

وبحسب بولتون، فإنّ أفغانستان تثبت صحة هذه النقطة، إذا عادت طالبان إلى السلطة في كل أو معظم البلاد، فإنّ النظرة العالمية تقريباً في واشنطن اليوم هي شبه اليقين من أنّ القاعدة وداعش وغيرهما ستستأنف استخدام أفغانستان قاعدة للعمليات الإرهابية ضد أمريكا".

الخلاصة التي يريد بولتون أن يصل إليها ويحاول إقناع الأمريكيين بها هي: واشنطن لم تخلق التهديدات، والانسحاب لن يجعلها تختفي.

جون بولتون

على العكس تماماً من مقاربة بولتون، يردّ مايكل مكينلي السفير السابق في أفغانستان 2014-2016، في مقالة له في مجلة الفورين أفيريز في 19 نيسان (إبريل) قائلاً: "يمكن للولايات المتحدة الانسحاب دون أن تبتعد (walking a way) عن الأوضاع في أفغانستان".

ويدّعي مكينلي أنه "كان من الممكن اتخاذ قرار سحب الجيش الأمريكي من أفغانستان منذ أعوام من الآن، لن يكون هناك وقت مثالي أبداً، لكن الوقت قد حان، واتخذ الرئيس جو بايدن خياراً صعباً، ولكنه صحيح في لحظة التحولات التاريخية في الحقائق الجيوسياسية العالمية".

اقرأ أيضاً: هل ستصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهاب مرة أخرى؟

ويفند مكينلي الحجج التي تعارض الانسحاب قائلاً: "إذا كان على الولايات المتحدة، كما يجادل الكثيرون، البقاء في أفغانستان إلى أجل غير مسمى لمنع حدوث أحداث 11 سبتمبر أخرى، فمن المنطقي أن نسأل لماذا لا نزيد من وجودنا في مناطق أخرى تعاني من الفوضى مثل؛ الساحل والصومال والعراق، وجميعها أقرب كثيراً إلى الولايات المتحدة، وفروع القاعدة وداعش في هذه الأماكن أقوى بكثير من فلول الإرهاب في أفغانستان؟  

مكينلي: كان من الممكن اتخاذ قرار سحب الجيش الأمريكي من أفغانستان منذ أعوام من الآن، لن يكون هناك وقت مثالي أبداً، لكن الوقت قد حان

وإذا كانت الحجة هي أنّ قوات الأمن الأفغانية ما تزال غير قادرة على كبح جماح طالبان بعد 20 عاماً واستثمار ما يقرب من 100 مليار دولار في تنميتها، ألا يجب أن يكون السؤال: لماذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على التزامها الكبير بتمويل القوات المسلحة الأفغانية، ما لا يتبع ذلك هو أنّ الجنود الأمريكيين يجب أن يظلوا الضامنين لأمن البلاد، على حساب الولايات المتحدة، مليارات إضافية كل عام وأرواح الأمريكيين.  

اقرأ أيضاً: هل تستعيد طالبان سيطرتها على أفغانستان؟

ولعل الحجة بدلاً من ذلك هي أنّ الوجود العسكري الأمريكي ضروري لدعم عملية المصالحة في أفغانستان، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك هو لماذا بعد 20 عاماً ما يزال القادة الأفغان غير قادرين على إيجاد أرضية مشتركة للاتحاد ضد طالبان، وهي القوة التي يمقتها معظم الأفغان؟ إنّ الأفغان هم من يقرّرون ماذا يفعلون، بوجود القوات الأمريكية أو بدونها.  

ويختم مكينلي مقاربته مؤكداً "أنّ 20 عاماً من مشاركتنا القتالية لم تؤدِّ إلى حل عسكري في أفغانستان، ومن غير المرجح أن تفعل 10 أعوام أخرى، يجب ألّا تكون واشنطن تحت أوهام: إذا بقيت القوات الأمريكية، فسيتم استهدافها، وكذلك الوجود الدبلوماسي الأمريكي الأوسع. أولئك الذين ينتقدون الآن قرار الرئيس بالمغادرة سيسألون بدلاً من ذلك لماذا اختار البقاء؟ كما فعلوا عندما زادت الخسائر الأمريكية في الماضي. لا تستطيع الولايات المتحدة أيضاً فرض اتفاق سياسي على أفغانستان، بغضّ النظر عن عدد المحللين الذين يقترحون أنها تستطيع ذلك. فشلت واشنطن في منع دول المنطقة من التصرف كمفسدين، وهو أمر ستستمر في فعله".

اقرأ أيضاً: في أي اتجاه تراجع إدارة بايدن نهجها في أفغانستان؟

ورغم ادعاء "وول ستريت جورنال في 18 نيسان (إبريل)" أنّ خطة الانسحاب تتعارض مع توصيات كبار القادة العسكريين لبايدن، الذين كانوا يخشون أن تقوّض الأمن في البلاد، فقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست" في 17 نيسان (إبريل) تصريحات مدير وكالة المخابرات المركزية وليام جيه بيرنز، الذي‎ ‎أخبر المشرّعين‎ الأمريكيين ‏"أنّ الرحيل العسكري سيقلل من قدرة الحكومة الأمريكية على اكتشاف التهديدات المتطرفة والرد ‏عليها، بما في ذلك تنظيم داعش، وقال: "بصراحة هناك خطر كبير بمجرد انسحاب ‏الجيش الأمريكي وجيوش التحالف".

 وبرّر وزير الخارجية أنتوني بلينكين قرار الانسحاب في برنامج "هذا الأسبوع" على شبكة  ABC قائلاً: " لقد انتقل التهديد الإرهابي إلى أماكن أخرى، ولدينا بنود أخرى مهمّة جداً على جدول أعمالنا،  بما في ذلك العلاقة مع الصين".

اقرأ أيضاً: فتح ملف أعداد الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان... ما الجديد؟

لقد تجلى الاهتمام بهذا الحدث والجدل حوله في وسائل الإعلام الأمريكية المكتوبة في الصحف والمجلات مثل: الفورين بوليسي، والفورين أفريز، والوول ستريت جورنال، والواشنطن بوست،... وغيرها، التي أفردت له الكثير من التغطية والتحليل الذي يعكس أهمية الحدث، وحالة الاستقطاب السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، ولم يستطع الرئيس بايدن التخفيف منها حتى الآن.

وبعد 20 عاماً من الانتشار في هذا البلد الذي مزقته الفوضى والإرهاب، حين دخل الأمريكان المستنقع الأفغاني، عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001م، وهو يصارع الفوضى والإرهاب وانتشار تجارة المخدرات، وسيتركونه -على الأرجح- وهو يغرق في المستنقع نفسه. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية