الانقسامات تعصف بليبيا: ما مصير حكومة الدبيبة؟

الانقسامات تعصف بليبيا: ما مصير حكومة الدبيبة؟


23/10/2021

كان من المفترض أن تكون السلطة الانتقالية التي تشكّلت في ليبيا مطلع العام الجاري، باب الأمل لإنهاء الانقسام بين الفرقاء الليبيين، وربما استبشر البعض خيراً حين فازت القائمة التي تضمّ شخصيات من خارج القوى السياسية التي لها يد أو دور في المشهد السياسي المنقسم، ولكن كانت العلامات واضحة على المصير الذي ينتظر هذه السلطة، حين تغافلت بعثة الأمم المتحدة عن التحقيق في اتّهامات دفع الرشاوى من قبل محسوبين على أحد أبرز أعضاء القائمة الفائزة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، عبد الحميد الدبيبة، لضمان فوز قائمته في مقابل قوائم كان لها ثقل سياسي وعسكري كبير.

لم يعد خافياً أنّ الصراع بين القطراني والدبيبة يعبّر عن الصراع بين إقليمَي برقة وطرابلس، وهو صراع آخذ في التزايد بين المواطنين المنتمين لكلّ إقليم

ولم تمضِ أشهر حتى ذهبت آمال الليبيين بإنتهاء الانقسام على يد السلطة الجديدة أدراج الرياح، بعد انحياز رئيس الحكومة إلى مجموعة الإخوان المسلمين وميليشيات المنطقة الغربية، ودخل في قطيعة مع مدينة بنغازي، التي لم يزرها حتى الآن، فضلاً عن سعي الدبيبة لتمكين أسرته والمقربين منه من مفاصل الدولة الليبية، وتهميش إقليم برقة (المنطقة الشرقية) وإقليم فزان (الجنوب) تنموياً، مقابل صرف اعتمادات أكبر للمنطقة الغربية، وهو ما دفع مجموعة إقليم برقة في الحكومة، بقيادة النائب الأول لرئيس الحكومة، حسين القطراني إلى إصدار بيان حمل انتقادات شديدة لعبد الحميد الدبيبة، ودعا إلى احترام الاتفاق السياسي، ومنح إقليم برقة الحقوق المنصوص عليها، وإعادة هيكلة الحكومة، وحذّر البيان من خطوات تصعيدية أخرى ما لم يستجب الدبيبة للمطالب.

غضب مسؤولي برقة

في العاشر من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، صدر بيان حمل توقيع "مسؤولي برقة بحكومة الوحدة الوطنية"، بعد اجتماع بقيادة النائب الأول لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، حسين أعطية القطراني، وبحضور الوزراء والوكلاء وعمداء البلديات في إقليم برقة، وجاء في البيان: "إنّ رئاسة حكومة الوحدة الوطنية لم تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق السياسي والمبادئ الحاكمة لخريطة الطريق من توحيد للمؤسسات، والتوزيع العادل للمقدرات بالطرق القانونية الصحيحة بين الأقاليم".

النائب الأول لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، حسين أعطية القطراني

واتّهم البيان رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، بالانفراد بالقرار داخل الحكومة، وعدم تحديد صلاحيات نوابه، والتعدي على صلاحيات الوزراء، وتحقيق مكاسب شخصية، وإعادة المركزية الإدارية، فضلاً عن اتّهامه بتزكية الخلافات والانقسام السياسي، "رئاسة حكومة الوحدة الوطنية لم ترتقِ إلى مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية، ووقعت في مسالك الإدارة الديكتاتورية الفردية والحسابات الشخصية وإضعاف العمل المؤسسي والتنفيذي".

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل يتكرر سيناريو حكومة الوفاق مع حكومة الدبيبة؟

وطالب الموقّعون على البيان الذي تلاه القطراني بعدة مطالب منها؛ إعادة المؤسسات والوحدات الإدارية المركزية التي كانت قائمة ببرقة فوراً، والتوزيع العادل للثروة، والتأكيد على فتح المقاصة الإلكترونية بين البنوك، وتسمية وزيرَين للدفاع، ولوّح القطراني إلى ضرورة قيام رئيس حكومة الوحدة الوطنية باتخاذ كافة الإجراءات لمعالجة ما تم ذكره وبصورة عاجلة، وحتى "لا نتخذ أية إجراءات تصعيدية يتحمّل رئيس الحكومة مسؤولية تبعاتها الخطيرة أمام الشعب الليبي ووحدته وأمام المجتمع الدولي".

اقرأ أيضاً: الدبيبة والاخوان.. جمعة اسقاط البرلمان

ولم تصدر تعليقات من الدبيبة حول بيان مجموعة برقة، بينما حضر اجتماع مع رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، للتباحث حول البيان، بناء على دعوة الأخير، وجاء في بيان عن الاجتماع؛ أنّه جرت مناقشة أفضل الوسائل، لرفع مستوى الخدمات، وتأمين حاجات المواطنين في مختلف أنحاء البلاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين. ودعا المنفي جميع الأطراف، للحفاظ على سير العملية السياسية، وفق خارطة الطريق ومخرجات الحوار السياسي الليبي، بما يساهم في عبور المرحلة الراهنة، نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها.

وكان بيان ممثلي برقة قد ثمّن جهود البعثة الأممية، وجرى تسليم نسخة من البيان إلى البعثة، والتي ردّت بالدعوة إلى تفادي التصعيد، "أحيطت البعثة علماً بالإشكاليات الوارد ذكرها في البيان وتدعو حكومة الوحدة الوطنية إلى السعي في معالجتها دون تأخير".

المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي

وناشدت البعثة كلّ الأطراف الليبية "للدخول في حوار مباشر وبّناء، بغية إيجاد حلول لجميع المخاوف المستجدة ومواصلة الالتزام بخارطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي".

أسباب الخلافات

وفي تصريح لاحق، قال القطراني: "بداية الخلاف عندما أعلن الدبيبة تدشين مشروعات "عودة الحياة"، دون تخصيص ميزانيات، وتهميش إقليم برقة، وبسبب ذلك بدأ الخلاف، والذي تصاعد بعد سحب الثقة من حكومة الدبيبة.

ويقول المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي؛ تصريحات نائب رئيس الحكومة جاءت نتيجة انحراف السيد الدبيبة بحكومته عن المسار السياسي، والاتفاق الموقع في جنيف والذي على أثره جاءت هذه الحكومة، وانفراده بكلّ القرارات دون الرجوع والمشاورة لمجلس الوزراء، وكذلك تعيين أقاربه ومساعديه في كلّ المؤسسات والهيئات والسفارات في الخارج، وأيضاً اصطفافه الواضح مع طرف دون طرف آخر، وعدم صرف مرتبات أفراد الجيش والأمن الداخلي وهيئة الأوقاف في شرق ليبيا وجنوبها.

المحلل السياسي الليبي هيثم الورفلي لـ "حفريات": تصريحات نائب رئيس الحكومة جاءت نتيجة انحراف السيد الدبيبة بحكومته عن المسار السياسي، والاتفاق الموقع في جنيف

وأضاف الورفلي لـ "حفريات": القطراني حاول، أكثر من مرة، عدم إثارة هذه المواضيع، وذلك لعدم خلق أزمة، وعودة الانقسام السياسي، وحذّر الدبيبة سرّاً أكثر من مرة، ولكن كان لزاما عليه أن يخرج ويقوم بهذه الخطوة في العلن، وذلك إثر التهميش والاقصاء المتعمد لسكان برقة، وعدم صرف أي مشاريع لهم، في حين أنه صرف أكثر من 48 مليار دينار في غرب البلاد.

وفي السياق ذاته، طالب النائب الأول لرئيس الحكومة، حسن القطراني، وزراء الحكومة بعدم إحداث أي تغييرات في المراكز الإدارية في المؤسسات والهيئات، وذلك لحين الفصل في البيان الصادر عنه، وذلك رداً على عدّة قرارات للدبيبة أقال فيها رئيس الشركة القابضة للاتصالات، وأرسل القطراني خطابات رسمية إلى مؤسسات عامّة يطلب منها عدم تنفيذ قرارات الحكومة لحين الفصل في الخلاف الجاري، ومنها المؤسسة الوطنية للنفط.

اقرأ أيضاً: مليون عامل مصري إلى ليبيا لإعادة الأعمار... هذا ما قاله الدبيبة

ولا يخفى على أحد أنّ الصراع بين القطراني والدبيبة يعبّر عن الصراع بين إقليمَي برقة وطرابلس، وهو صراع أخذ في التزايد بين المواطنين المنتمين لكلّ إقليم، والذي وصل حدّ التراشق والاتّهامات، والمطالبة بالانفصال عن الآخر، وهو أمر كان على الدبيبة النأي بنفسه عنه، وفق المهمة التي أوكل بها، وهي تحضير البلاد للانتخابات العامة، لا الشروع في خطط ومشاريع تتطلب أعواماً لتنفيذها، وكأنّه يعلن صراحةً عن رغبته في الاستمرار في منصبه، وهي رغبة لم تعد خافية على أحد.

تبعات الصراع

ولا يبدو أنّ مجموعة برقة تتجه للانفصال عن حكومة الدبيبة، وتأسيس سلطة موازية قبل الانتخابات، المقرر موعدها في 24 من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، حتى لا يُتهمون بعرقلة الانتخابات، وكان بيان القطراني قد شدّد على إجراء الانتخابات في موعدها، وهو أمر تتفق فيه كافة المكونات السياسية والعسكرية في برقة، بخلاف مساعي الدبيبة والإخوان المسلمين لتأجيل الانتخابات.

تأخر اعتماد مرتبات الجيش الوطني كانت أحد أسباب خلافات القطراني والدبيبة

وفي هذا السياق، يتخوّف مراقبون ليبيون من عقد مؤتمر "مبادرة استقرار ليبيا" التي دعا إليها المجلس الرئاسي، والتي تأتي في توقيت حرج، فعلى الرغم من النوايا الطيبة للمبادرة، إلا أنّ ما ترفعه من مطالب؛ مثل فكّ تجميد الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، بهدف استثمارها في عملية الإعمار، قبيل أيام من فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، يُفهم على أنّه وسيلة للمماطلة، وكسب شرعية للسلطة الانتقالية، وهو ما تفطن له وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، نيلز أنين، في تصريحه الذي أيّد فيه المؤتمر، مع التأكيد على انسحاب القوات الأجنبية، وإجراء الانتخابات المقبلة.

ومن غير المحتمل تصعيد الخلاف بين القطراني والدبيبة قبل عقد الانتخابات العامّة، ويبدو أنّها خطوات استباقية لوقف نزيف المال العام، وتذكير الدبيبة بمهمة حكومته الانتقالية، ويقول هيثم الورفلي: القطراني لن يقدم حالياً على تشكيل حكومة موازية في شرق البلاد، لأنّه يعي جيداً أنّ قراراً كهذا غير مجدٍ دولياً، خاصة أننا على بعد 75 يوماً من الانتخابات، ولن يلقى ترحيباً دولياً، وتُفهم تحركاته على أنّها تهديدات وتلويحات للسيد الدبيبه بأنّه لو استمر في هذا العبث فسيكون السبب الرئيس لأيّة أزمة وانقسام قد يحدث.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية