"الانقلاب الأبيض" في الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي: ما دور أردوغان؟

"الانقلاب الأبيض" في الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي: ما دور أردوغان؟


09/08/2021

تتجه بوصلة الإدانة لتركيا وأطراف محلية أخرى في تصعيد الصراع الحزبي داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر الأحزاب الكردية الحاكمة في إقليم كردستان العراق، بعد حزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني. ومنذ قرابة الشهر، شهدت مدينة السليمانية، معقل سلطة الاتحاد الوطني، توتراً أمنياً كادَ يجعل من المدينة مسرحاً لمواجهة مسلّحة بين قطبَي الحزب المتنازعَين. 

وتشير مجمل الأحداث الجارية إلى الدور التركي في تغذية الانقسام الحاصل، عبر دعم أنقرة لـ بافل الطالباني، الذي أعلنَ من جانبٍ واحد، فضّ الشراكة القيادية مع ابن عمّهِ لاهور شيخ جنكي، والسيطرة على الرئاسة المنفردة، في خطوةٍ وصفها الأخير بـ "الانقلاب الأبيض".   

اقرأ أيضاً: كردستان العراق تحبط مخططات إرهابية لداعش خلال عيد الأضحى... اعترافات

وفي شباط (فبراير) 2020، انتُخب بافل جلال طالباني ولاهور شيخ جنكي طالباني، لرئاسة مشتركة للاتحاد الوطني، في خطوة هي الأولى من نوعها، شهدتها الأحزاب الكردية، حيث تمّ الاتفاق بين الطرفين على أن يسيّر نجل مؤسس الحزب، بافل طالباني الشؤون السياسية، بينما تُترك الملفات الأمنية لشيخ جنكي.

وشهدت مدينة السليمانية، الأسبوع الماضي، انتشاراً مسلحاً لمجموعة تابعة للقيادي لاهور شيخ جنكي، وتبادلت إطلاق النار مع قوات الأسايش (الأمن الكردي) وسط المدينة، لكنّ تدخّل الرئيس العراقي وعضو الحزب، برهم صالح، حال دون تطور الأحداث. 

نزاعات حزب العائلة الطالبانية
برحيل مؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني، الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، عام 2017، أصبحت عائلتهُ هي المهيمن الرئيس على مختلف المفاصل الحزبية، مع استبعاد واضح لمختلف القيادات والكوادر التاريخية فيه، ويعدّ الاتحاد الوطني حزباً علمانياً ذا ميول يسارية مقارنةً بنظيره الديمقراطي الكردستاني ذي الأصول العشائرية، علماً بأنّ الأول تأسّس بعد انشقاق طالباني عن الثاني، في حزيران (يونيو) 1975. 

بافل طالباني بالزي العسكري بعد إعلان نفسه الرئيس الأوحد للاتحاد الوطني الكردستاني.
وعن مآلات الاتحاد الوطني، يقول سامان نوح، وهو كاتب متخصص بالشؤون الكردية: "جوهر مشكلة هذا الحزب، هو غياب المؤسسات داخله"، مضيفاً لـ "حفريات"؛ "خلال السنوات الماضية، عقب مرض الرئيس جلال طالباني، سارت الأمور نحو ترسيخ حكم العوائل، سواء عائلة بافل طالباني أو ابن عمّه لاهور شيخ جنكي". 


بافل طالباني يعلن نفسه الرئيس الأوحد للاتحاد الوطني الكردستاني .. والسليمانية تشهد مواجهة مسلحة تمّ وأدها بتدخّل من الرئيس العراقي برهم صالح 

وأشار إلى أنّ حكم العوائل الكردية للأحزاب العريقة قادَ إلى "تغييب القيادات القديمة بشكلٍ كامل" ووضعها في مواقع أشبه بالاستشارية والهامشية. 

وفي حياة الرئيس المؤسّس، سيطرَ الأبناء بافل وقوباد طالباني، وأمهما القيادية في الحزب، هيروا إبراهيم أحمد، على القرار السياسي، بينما أنيطت إدارة التشكيلات الأمنية إلى ابن العم، لاهور شيخ جنكي، الذي عزّز من أتباعهِ في المفاصل التي تحت سيطرته. 

بداية "الانقلاب الأبيض" 
هيمنة الأسرة الطالبانية على الحزب أدّت إلى محاولة أبناء المؤسس، السيطرة على مجمل المفاصل الحزبية التي يشاركهم إياها أبناء العمومة الطالبانية، تحديداً الرئيس المشترك، لاهور شيخ جنكي؛ إذ أصدرت رئاسة إقليم كردستان، أمراً ديوانياً يقضي بإعفاء شخصيات محسوبة على شيخ جنكي، من إدارة أجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في السليمانية، وجاء ذلك بترتيب بين نائب رئيس حكومة الإقليم، قوباد الطالباني، وشقيقهِ بافل الطالباني من جهة، ورئيس الإقليم، نجيرفان بارزاني، من جهةٍ أخرى.    

القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبد السلام برواري، لـ "حفريات": حزبنا لا شأنَ لهُ بالخلافات، لكننا مع أيّ حوار يجمع الأطراف المختلفة، ومستعدون لإجراء هذا الحوار 

وأفضى ذلك، إلى تحريك قوات مسلحة، ووضع القوات التابعة للاتحاد الوطني من الجانبين في حالة تأهب قصوى، قبل أن تنجح مبادرات عاجلة من شخصيات متنفذة في الاتحاد وخارجه في الحدّ من التصعيد وتجنّب حدوث اشتباك مسلح وشيك بين هرمَي الحزب الواحد.

وقد رفضت قيادات في الاتحاد الوطني الكردستاني الإدلاء بأيِّ تصريح بشأنِ ما حصل، إلا أنّ "حفريات" تمكّنت من محاورة النائب والقيادي في الحزب، جمال شكور، الذي قال إن حزبهُ "تعرض لهزاتٍ كثيرة وانشقاقاتٍ عدة في السابق، وأصبحت هناك اتجاهات متعددة، لكنّه بقي هو الاتحاد الوطني الكردستاني، صامداً كما كان"، مبيناً أنّ "مجمل الانشقاقات لم تؤثر فيه أو عليه على مدار عملهِ السياسي".

ولدى سؤالهِ حيال مرجعية قراره الحزبي بين بافل الطالباني ولاهور شيخ جنكي، قال "أعتذر لستُ مخوّلاً بالتصريح حول هذا الموضوع". 

الرئيس المشترك: أردوغان قال إنّ لاهور انتهى  

وفور إعلان بافل الطالباني نفسه الرئيس الأوحد للاتحاد الوطني الكردستاني، اعتبر لاهور شيخ جنكي، ما حصل أنّه "مؤامرة عثمانية" في دلالة تشي بجهة الفاعل الإقليمي في الأزمة الحزبية المتفاقمة في السليمانية. 

بافل طالباني في اجتماع سابق للاتحاد الوطني الكردستاني

وفي اجتماع لاحق مع عوائل شهداء البيشمركة (قوات مسلحة كردية)، أوضح جنكي، تفاصيل ما يحدث، وقال: "شرعيتي أُخِذت من مؤتمر الاتحاد الوطني الكردستاني، وسأستمرّ في منصبي إلى حين انعقاد المؤتمر".
وتابع: "ما يحدث حالياً خطة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وتركيا وأزلامهم داخل الاتحاد الوطني"، لافتاً إلى أنّه "قبل أسبوع أبلغني خميس الخنجر بأنّ أردوغان قال إنّ لاهور انتهى".  

اقرأ أيضاً: الأمن العراقي يحبط عملية لتهريب مساجين في إقليم كردستان.. من يقف خلفها؟

وخميس الخنجر، هو سياسي سنّي، مقرَّب من تركيا وقطر، ويعمل على الساحة السياسية السنّية منافساً لرئيس البرلمان، محمد الحلبوسي. 

وإثر تلك الاتهامات، أكّد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبد السلام برواري، لـ "حفريات"؛ "حزبنا لا شأنَ لهُ بذلك، لأنّها مسألة حزبية داخلية تخصّ الاتحاد الوطني، كما أنّنا مع أيّ حوار يجمع الأطراف المختلفة، ومستعدون لإجراء هذا الحوار". 

وأضاف: "الديمقراطي الكردستاني أوعز لكلّ كوادرهِ ومؤسساتهِ الإعلامية بألّا تتناول ما حصل ولا تعلّق عليه، لأنّنا والاتحاد الوطني شركاء في حكم كردستان، ومن مصلحتنا الاستقرار الحزبي لشريكنا، من أجل التوافق وحلّ أزمات الإقليم". 

المحاصرة الإقليمية والمحلية لـ "لاهور جنكي" 

لم تكن سيطرة بافل الطالباني على الأجهزة الأمنية الخاضعة لإدارة غريمهِ الحزبي لاهور شيخ جنكي، لولا دعم عدة أطراف محلية ودولية، في مقدّمتهم حكومة أربيل وحكومتَا أنقرة وطهران؛ إذ يؤكد المراقبون أنّ الحكومات الثلاث تفضّل التعاطي مع إدارة مرنة للاتحاد الوطني الكردستاني. 

المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني الكردستاني الذي أعلن الرئاسة المشتركة للحزب بين بافل طالباني ولاهور شيخ جنكي

ويرى سامان نوح؛ أنّ "جناح بافل طالباني استفاد من أخطاء جناح لاهور شيخ جنكي، والتهم الموجهة للقريبينَ منهُ بشأن استغلال السلطة، لتحقيق مصالح شخصية، فضلاً عن الدعم الإقليمي، وقبول الحزب الديمقراطي الكردستاني لسيطرة بافل طالباني على إدارة مفاصل حزبه"، عازياً ذلك إلى "تبني جنكي لخطاب متشنج ضد الديمقراطي الكردستاني، والأخير أصبح المستفيد من هذا الإبعاد". 

وبشأن المكاسب التركية من هذه العملية، أوضح أنّ "تركيا مستفيدة أيضاً من إبعاد لاهور شيخ جنكي عن قيادة الحزب؛ كونهِ داعماً بشكل أو بآخر لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يدير الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا، كما أنّ خطابهُ مع حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، خطاب ناعم وليس متشدداً، بالتالي، ترى تركيا أنّ التنسيق مع لاهور شيخ جنكي أمر صعب، ولا يخدم مصالحها، وأنّ التخلص منه مقابل تقريب بافل طالباني أمر جيد لها".  
ويضيف الكاتب الكردي: "الدور الإيراني ما يزال غير واضح، لكنّ إيران بوصفها دولة إقليمية من الأفضل أن تتعامل مع الجناح السهل المتمثل في جناح بافل الطالباني". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية