البؤساء الجدد: المهاجرون في قبضة العنف الإعلامي والإسلام السياسي

البؤساء الجدد: المهاجرون في قبضة العنف الإعلامي والإسلام السياسي


04/05/2020

عام 2017؛ تسلّمت وزارة الهجرة الفرنسية 100 ألف طلب للهجرة، معظمهم من أفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما أثار حفيظة اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، وفي مقدمتهم؛ إريك زمور، وهو شخصية بارزة في الإعلام الفرنسي، ويشتهر بعدائه للمهاجرين، وخطاباته الأقرب إلى النازية، رغم أنّ أجداده من يهود الجزائر الذين هاجروا إلى فرنسا وقت الاحتلال الفرنسي لبلاد المغرب العربي.

إريك زمور

تطهير عرقي جديد
في أيار (مايو) 2019؛ عرض فيلم "البؤساء"، للمخرج الفرنسي من أصول أفريقية، لادج لي، لأبوين مهاجرين من مالي، والذي أثار ضجة كبيرة بين جماهير النقاد والمشاهدين، ممن تلقوا الفيلم بحفاوة، بينما رآه آخرون مبالغة درامية، ثمّ لقي الفيلم احتفاء كبيراً بعد عرضه في القاهرة، تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، في إطار بانوراما الفيلم الأوروبي؛ إذ يتطرق لقضية باتت حديث الإعلام الفرنسي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، ألا وهي قضية "اللاجئين"، خاصة الأفارقة، ويترك المشاهد أمام تساؤلات حول الهوية والاندماج والعنف المؤسسي الأوروبي، تجاه الملوّنين؛ حيث يستهل المخرج فيلمه، بتجمع الشباب والمراهقين من العرب والأفارقة في ساحة برج إيفيل، احتفالاً بفوز فرنسا بمونديال 2018، ثم ينتقل سريعاً إلى أبطال الحدث، وهم ثلاثي من ضباط الشرطة، أحدهم من أصول أفريقية، أمّا الآخران فهما من البيض، أحدهما شرطيّ فاسد، والآخر حمل الوجه الطيب لضابط الشرطة؛ إذ يعملون جميعاً في وحدة مكافحة الجرائم، ويجوبون الشوارع في لقطات أشبه بفيلم تسجيلي، بحثاً عن أيّ مظهر ينافي القانون من وجهة نظرهم.

ما يثير الريبة والتساؤلات هو العداء الذي تنتهجه فرنسا، بل وكلّ أوروبا، ضدّ المهاجرين الأفارقة والعرب بشكل خاص

بنى المخرج سرديته على التوحش الذي تواجه به الشرطة الفرنسية اللاجئين الأفارقة والمهاجرين العرب والمسلمين، ولذلك نجد حضوراً لجماعات الإسلام السياسي التي تسيطر على مناطق وأحياء العرب والأفارقة المسلمين، وتقدّم لهم الظهير الاجتماعي، كبديل عن العنف الشرطي، فأمير جماعة الإخوان المسلمين في الفيلم، رجل أفريقي قويّ البنيان يدعى صلاح، خرج لتوه من المعتقل، واعتزل العمل الجهادي، ثم افتتح مطعماً للمأكولات الشعبية، لكن ما يزال يحكم قبضته على المنطقة وسكانها، الذين يلجأون إليه طلباً للحماية، وتلجأ إليه الشرطة أيضاَ إذا تعثّرت في القبض على أحد المجرمين، وفي مشهد آخر يضعنا المخرج أمام دعاة الجماعة، الذين يلتفون حول الأطفال والمراهقين ويحثونهم على الصلاة، والالتزام بمواعيدها وحضور دروس المسجد، ويخبرونهم بأنّهم موجودون لحمايتهم، فهم يرجون أن يكبر هؤلاء الصغار ليكونوا جنود الله في أرض الفرنجة، ثمّ تأخذنا كاميرا لادج لي في جولة قرب الأزقة وداخل الشقق السكنية لهؤلاء المغتربين في المدينة، لنتساءل: هل هذه حقاً فرنسا؟

بوستر فيلم "البؤساء" للمخرج الفرنسي من أصول أفريقية، لادج لي

توغّل الإسلام السياسي
يحاول المخرج أن ينقلنا إلى قلب الشوارع الضيقة المكتظة بالقمامة، والمحاطة بأسلاك شائكة، أشبه بغيستابو في الحرب العالمية الثانية، وكأنّه يقول: هذا ما منحته فرنسا للمهاجرين، الذين وجدوا أنفسهم بين قبضة شرطة غاشمة، وتجنيد ناعم من قبل تيارات الإسلام السياسي، التي تغذّت على الفقر والتهميش، ووجدت بيئة عمل مناسبة لتحقيق أجندتها، فاستقطاب الصغار والمراهقين للمساجد، سيجدي نفعاً في بيئة تدفعهم دفعاً إلى الهاوية، وتحدث الناقد، الأستاذ أمير العمري، الذي شاهد الفيلم في عرضه الأول بمهرجان "كان"، لـ "حفريات"، قائلاً: "يقدم لنا المخرج سردية عن بؤساء جدد، فهم ليسوا ببؤساء هوغو في القرن التاسع عشر، بؤساء اليوم هم الأفارقة المسلمين، ويوضح الفيلم أنّ سوء التفاهم يمكن أن يقع بين الشرطة والأهالي نتيجة اختلاط الجدّ بالهزل، أو بسبب ممارسات بعض الأولاد غير الناضجين، وإذا كان يدين استخدام العنف من جانب الشرطة، فهو يدين في الوقت نفسه، نزق وحماقة الأطفال الذين يعلنون الحرب على الشرطة ويلجأون إلى العنف المضاد".

ويستطرد: "يقدم الفيلم صورة تتخذ شكل ثورة مسلحة تستخدم فيها أسلحة نارية صنعها الأولاد، ومطاردات داخل المجمعات السكنية الأسمنتية البشعة التي يقطن فيها هؤلاء، وهي من بين المشاكل التي تعيق عملية "الإدماج" التي تطالب بها الدولة المهاجرين، فهي أقرب إلى سجون جماعية مكتظة بالنزلاء أو مخيمات للعزل الاجتماعي، ونماذج السود في الحي الهامشي سلبية ونمطية وتخفي الكثير وراء الأقنعة الخارجية، بينما لا تفتقر نماذج الشرطة لوجود شرطي شريف على شاكلة "ستيفان"، الذي يتمكن من نزع فتيل التوتر في اللحظة الأخيرة"، يستدعي الفيلم بشكل كبير، حادثة قتل الشرطة لاثنين من المهاجرين، عام 2005، والتي اشتعلت إثرها أعمال عنف وشغب في أنحاء العاصمة باريس، ضمّت آلاف المحتجين من العرب والأفارقة وبعض الفرنسيين الفقراء، وتمّ إحراق سيارات الشرطة كردّ فعل من المواطنين على عنف الشرطة، ارتفعت فيها الأصوات بمطالب اقتصادية تندّد بالفقر والبطالة، اللذين يعاني منهما معظم أبناء جالية المهاجرين.
فرنسا تنهب أفريقيا
في أحدث صراع بين باريس وروما على أزمة الهجرة، في كانون الثاني (يناير) 2019، اتهم السياسي الإيطالي اليميني، ماتيو سالفيني، فرنسا بنهب ثروات أفريقيا، متحدثاً عن الإرث الاستعماري الذي تحمله أفريقيا عبئاً على مسيرتها التنموية، كما وجّه خطابه إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قائلاً: إنّه "المقاربة المنافقة لتدفق اللاجئين من شمال أفريقيا، إلى جنوب أوروبا"، واستمر مهاجماً للسياسية الفرنسية تجاه أفريقيا: "إذا كان هناك مهاجرون بالآلاف من أفريقيا، فهذا لأنّ فرنسا التي تدعي قيم الحرية ما تزال تستعمر بلدان أفريقيا اقتصادياً"، وتطرق في رسالته الهجومية التي أنشأت أزمة دبلوماسية بين البلدين إلى الشأن الليبي، والذي بسببه يتدفق آلاف اللاجئين ويموت أغلبهم غرقاً، فقال: "مصالح فرنسا النفطية في ليبيا تحتّم عليها أن تستمر الحرب، حتى تستطيع نهب أكبر كمية ممكنة من نفط الليبيين، ثم يأتي اللاجئون إلى بلدان جنوب أوروبا، فترفضهم فرنسا التي تسبّبت في تشريدهم"، فيما عجز الرئيس الفرنسي عن الردّ على سالفيني، سوى بكلمات فضفاضة، مفادها؛ أنّ تصاعد اليمين الشعبوي في إيطاليا وأوروبا بشكل عام، أشبه بحالة من الجذام تعانيها القارة، دون أن يدرك أنّ اليمين الشعبوي يتصاعد في بلاده أيضاً، ويغلق الحدود أمام حشود اللاجئين.

لكن ما يثير الريبة والتساؤلات هو العداء الذي تنتهجه فرنسا، بل وكلّ أوروبا، ضدّ المهاجرين الأفارقة والعرب بشكل خاص، رغم وجود جاليات كبيرة من جنسيات أخرى، وكذلك ديانات غير المسيحية، فلا نجد خطابات تعاديهم بقدر ما تعادي الأفارقة والمسلمين، وهو ما تطرق إليه مخرج عربي يعيش في فرنسا، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، متحدثاً لـ "حفريات": "الجالية اليهودية هي التي تسيطر على الإعلام الفرنسي، بشكل تام، وتعرف أنّها أقلية، وهناك حرب سرية بين اليهود والجاليات الأخرى، خاصّة الجزائرية؛ لأنّها الأكثر عدداً من باقي الجاليات، هذه حقائق يدركها كلّ مواطن يعيش على أرض فرنسا، لذا الإعلام اليهودي / فرنسي يدفع إلى نوع من الحرب الأهلية بين الفرنسيين العادييين الذين لا يدركون هذا المطبّ، ضدّ الأجانب بكلّ أشكالهم، وهنا الإسلام والأفارقة غير مرغوب فيهم، لكن لا شيء عن الهنود ولا عن الصينيين ولا على الأجانب من اليابان وأمريكا، وكل أوروبا الشرقية، إنّه صراع من أجل البقاء لأنّ الديموغرافيا الفرنسية متدهورة جداً؛ أي أنّ هناك جيلاً سيأخذ البلد، واليهود لا يريدون من يشاطرهم في هذا، خاصة من الأفارقة والمسلمين".

اقرأ أيضاً: كيف يعزز الإنترنت التطرف اليميني؟
ورغم التواجد الأفريقي والعربي القوي في فرنسا، إلّا أنّنا لا نجد لهم أيّة وسائل إعلامية تعبّر عنهم، ولا جرائد إلكترونية أو مطبوعة، ولا حتى مؤسسات تجارية كبرى خاصة بهم، بل على النقيض؛ فإنّ القنوات التلفزيونية في فرنسا، تفتح أبوابها أمام اليهود المعادين للمهاجرين، وعلى رأسهم إريك زمور، كما تمتلك الجاليات اليهودية في فرنسا، العديد من المصارف البنكية، والقنوات الإعلامية والمؤسسات الربحية، تحت مظلة المؤسسة الأم "كريف"، والتي تعدّ الأب الروحي لليهود في فرنسا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية