التبرؤ من الإخوان في 2021.. استفاقة أم مناورة؟

التبرؤ من الإخوان في 2021.. استفاقة أم مناورة؟


29/12/2021

أحمد فتحي

تعددت الشهادات لكن النتيجة واحدة وهي أن تنظيم الإخوان الإرهابي بات ينزف من الداخل حتى تحولت جبهاته إلى ما يشبه الشظايا التي تشطره وتفتت فكره.

شهادات من عقر دار الإخوان تأتي في سياق صراع غير مسبوق على المال والنفوذ، يرى خبراء أنها قد تؤشر على انقسام حاد برأس التنظيم سرت عدواه إلى الفروع والقواعد، فيما يعتقد آخرون أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى مناورة لا علاقة لها بمفهوم الصحوة أو المراجعة في إطار فكر التنظيم وتوجهاته.

ولم يحمل العام في طياته انشطار التنظيم لجبهتين متناحرتين فقط، بل كان بامتياز عام "الانقلاب" عليها من بعض المنتمين لها، أو من رموز سلفية لطالما أيدت في وقت سابق تحركات ومواقف الجماعة، في الوقت الذي كانت فيه المحاكم المصرية ساحة لعرض الشهادات.

ويرى مراقبون وخبراء أن هذا التنصل من أفعال الإخوان وأفكارها وجرائمها يأتي على سبيل التكتيك وليس عن قناعة أو مراجعات حقيقية لفكر الجماعة، معتبرين أن تبرؤ عائلات الإخوان أمام ساحات المحاكم من التنظيم إما "استفاقة فردية بعد فوات الأوان نتيجة متغيرات الواقع وما يجري على الساحة طوال السنوات الماضية"، أو رسائل غير مباشرة من قادة الجماعة بالسجون عن طريق ذويهم مفادها بأنهم على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة مقابل إطلاق سراحهم.

واشتعل الصراع في قمة "رأس الإخوان" بين جبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، ومعسكر إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد ونائبه، المقيم في لندن، وكان محركها الأول الصراع على المال والمناصب والنفوذ.

اعتراف بالفشل

من بين الشهادات التي تتوالى يوما بعد آخر خلال العام من داخل عقر الإخوان، جاءت شهادة عائشة الشاطر نجلة القيادي بجماعة الإخوان الإرهابية خيرت الشاطر، والتي أقرت خلال تحقيقات النيابة في 14 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي بـ: "فشل الرئيس الراحل محمد مرسي في حكم مصر".

يشار إلى أن عائشة الشاطر قيد التحقيق في قضية إرهابية أمام محاكمة أمن الدولة العليا، ضمن قائمة من المتهمين بينهم قادة في جماعة الإخوان أبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، وإبراهيم منير القائم بأعمال مرشد الجماعة، ومحمود عزت القائم السابق بأعمال المرشد.

وقالت نجلة الشاطر، وهو نائب مرشد الإخوان وأبرز قادتها، إن مرسي لم ينجح في إدارة شؤون البلاد خلال فترة حكمه وأن أداءه كان ضعيفاً.

وتولى مرسي رئاسة مصر من منتصف عام 2012 حتى منتصف 2013، قبل أن يعزل في ثورة شعبية جارفة.

وأضافت نجلة الشاطر أن مرسي فشل في احتواء المواطنين وفهم متطلباتهم، مؤكدة أنه لم يكن مقنعا للمصريين وفشلت خطاباته في الوصول لعامة الشعب لأنها كانت غير مناسبة.

شهادة نهاية

كما كشفت شهادات واعترافات أخرى من داخل الإخوان أن التنظيم يمر بمرحلة الضعف الشديد، حيث تحدث عصام تليمة القيادي الإخواني، والمدير السابق لمكتب يوسف القرضاوي، عبر حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، عما وصفه بـ" انتهاء وزوال تنظيم الإخوان".

وقال إن "الراصد والمشاهد لأداء الجماعة والتنظيم في الأزمات الأخيرة يجدها بلغت من الشدة والتفاقم ما لم تبلغه الجماعة من قبل".

وأضاف أن الأحداث كشفت عن "خلل وسوس نخر في عظم التنظيم، كنا نكتب عنه من قبل، من أن أي عمل جماعي أو تنظيمي يغيب عنه: المؤسسية والشفافية في اتخاذ القرار، وفي الجانب المالي، وفي جانب الدخول لهذا التنظيم، أو الخروج منه، هي عوامل تؤدي بلا شك إلى انتهائه".

اعترافات تليمة وشهادته بقرب زوال تنظيم الإخوان، جاءت بعد إقرار القيادي الإخواني والمفوض السابق للعلاقات الدولية بالتنظيم، يوسف ندا، عبر مقطع فيديو بثه مؤخرا، بأن ما يحدث داخل التنظيم "فتنة".

كما قال القيادي الإخواني أحمد عبد العزيز، عضو الفريق الرئاسي للرئيس المصري المعزول والراحل محمد مرسي، في مقال نشره مؤخرا موقع تابع لتنظيم الإخوان: "نعاني انهيار تجربتنا في مصر بعد أن بلغت أزمة الإخوان مداها، وليس بعد الحافة التي عليها الجماعة (اليوم) إلا الهاوية".

تبرؤ 

وبموازاة ذلك، شهدت ساحات المحاكم المصرية شهادات وصفت بـ"تاريخية" ضد الإخوان، لأقطاب في الدعوة السلفية تبرأت من الجماعة وهاجمت أفكارها.

ومن أبرز الشهادات حين مثُل القطب السلفي المصري محمد حسان، شاهدا أمام الدائرة الخامسة إرهاب، في أغسطس/ آب الماضي، أثناء النظر بوقائع محاكمة 12 متهمًا في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"خلية داعش إمبابة"

وأدلى حسان بشهادته في القضية بعد أن طلب محامي اثنين من المتهمين الاستماع إليه والشيخ محمد حسين يعقوب في 12 يونيو/ حزيران الماضي، حيث سار المتهمان على نهج أفكارهما وتأثرا بخطاب كليهما الدعوي.

وتنصل القطب السلفي في شهادته من ممارسات الإخوان، قائلا إن "الجماعة رفعت شعار الشرعية أو الدماء"، واعتبرها "جماعة دعوية في بدايتها، تحولت إلى جماعة سياسية، تستهدف كرسي الرئاسة، وتمكنوا من الفوز به وبجميع المناصب، من رئاسة مجلسي الشعب والشوري، ومعظم المحافظات والوزارات والهيئات".

وأضاف: "الإخوان لم تتمكن من التوفيق بين فكر الجماعة الواحدة، وفكر الدولة المتعدد ما أدى إلى فشلهم، فرفعوا شعار الشرعية أو الدماء، وهو ما شاهدناه في مظاهراتهم".

ووصف أي جماعة تستحل دماء رجال الجيش والشرطة باسم الدين والجهاد بأنها "منحرفة وعلى ضلال"، مشيرا إلى أن "المنهج أو الفكر القطبي، نسبةً إلى سيد قطب (أحد أبرز منظري جماعة الإخوان)، هو "أساس الجماعات" المتطرفة.

واعتبر أن "هناك فرقاً كبيراً بين أصول المنهج السلفي وأصول الإخوان، فالأول أصوله الدعوة إلى التوحيد الخالص، والثاني، وهم الإخوان، يهتمون بالدعوة والتربية وإصلاح الدنيا بالدين، لكن هناك تقصيراً عند الإخوان في الدعوة، فهم يركزون على الأمور السياسية".

وفي شهادة لم تقل أهمية من حسان، جاءت أقوال محمد حسين يعقوب، أحد أشهر دعاة السلفية بمصر أمام نفس المحكمة، قبل نحو 3 أسابيع من شهادة الأول، حيث أثارت تفاصيل شهادة يعقوب جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تبرأ الشيخ السلفي من أفكاره التي ظل يدعو لها منذ فترة التسعينيات.

وقال يعقوب ردا على سؤال المحكمة عن جماعة الإخوان: "حسن البنا أسس الجماعة لعمل الخلافة وللوصول للحكم لإعادة الخلافة، ولا يجوز اتباع شخص إلا النبي، ولا اتباع جماعة إلا جماعة النبي" .

وأضاف أن "حكم الانضمام لهذه الجماعات هو الآية القرآنية (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا)، وقال ابن تيمية إنه لا يجوز التعصب لشخص واتباعه مطلقا إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا جماعة إلا جماعة الصحابة، ولا أدري عن أحكامهم ولا أستطيع أن أحكم عليهم".

وكان يعقوب، قسم في شهادته الدعاة، بقوله إن "أبو إسحاق الحويني يخاطب طلاب العلم، ومحمد حسان يخاطب الملتزمين، وأنا أخاطب العوام، وهنا فارق بيننا جميعا".

دوافع 

وفي قراءته لدوافع شهادات التبرؤ من الإخوان، قال هشام النجار، الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، إنه لا يمكن اعتبار تلك الشهادات من منطلق مراجعات جذرية وحقيقية، لأسباب تختلف باختلاف انتماءات هؤلاء والظرف الذي يحيط بهم والتحديات التي تواجههم.

وقال النجار، لـ"العين الإخبارية"، إن "المراجعات طبيعة مختلفة ولابد أن تتوفر فيها مجموعة مكتملة من الشروط حتى يمكن النظر إليها من هذه الزاوية كأن تكون على سبيل المثال صادرة ومجمع عليها من قادة كيان ما، ومؤيدة من القواعد ومرفق بها استشهادات فقهية وفكرية توحي بالتغيير الجذري في الفكر والقناعات ومكتوبة وموثقة ومنشورة، وتحمل استيعاب لنقض كل الأفكار التكفيرية السابقة سواء التي بثها قادة حاليين، أو سابقين منذ حسن البنا إلى اليوم".

وبشأن شهادات قادة في التنظيم والتي تحمل انتقادات لجبهتي الصراع الحالي، أوضح الخبير السياسي أن "هذه الاعترافات مجرد تكتيك يأتي في إطار الصراع الجاري بين جبهتي منير وحسين".

وحول شهادات عائلات الإخوان أمام النيابة، نبه النجار إلى أنها إما استفاقة فردية بعد فوات الأوان نتيجة متغيرات الواقع، وما يجري على الساحة طوال السنوات الماضية، أو قد تكون رسائل غير مباشرة يرسلها قادة الإخوان في السجون عن طريق ذويهم مفادها بأنهم على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة مقابل إطلاق سراحهم.

كما أشار إلى "لجوء دعاة السلفية لاستخدام التكتيك وإظهار التبرؤ من بعض قناعاتهم التي دأبوا على بثها في أشرطتهم ومحاضراتهم، والتي استقى منها بعض الشباب أفكارا ساهمت في انضوائهم بتنظيمات مسلحة تكفيرية مثلما ذكر عناصر بخلية داعش إمبابة، لأنهم كانوا تحت وطأة المساءلة القضائية".

وأردف: "هؤلاء وإن كانوا شهودا في القضية فإنهم في حكم المتهمين بترويج تلك الأفكار والتحريض على كراهية الآخر المختلف في العقيدة والفكر وعلى نظام الدولة والمجتمع بزعم أنها جاهلية لأنها لا تطبق الشريعة".

وأشار إلى اضطرار دعاة السلفية إلى التنصل من تلك الأفكار أمام المحكمة إما خشية العقاب أو أن مجمل التيار والحركة التي انخرطوا فيها وكانت يوما ما في السلطة وقمة المشهد السياسي الآن في مأزق ورموزها وعناصرها بيين مسجونين أو هاربين في الخارج أو مهزومين في الميدان".

عن "العين" الإخبارية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية