التراجع المستمر لحرية الصحافة والتعبير... كيف أصبحت تركيا دولة "غير حرّة"؟

التراجع المستمر لحرية الصحافة والتعبير... كيف أصبحت تركيا دولة "غير حرّة"؟


01/07/2021

في عام 2013، وبالتزامن مع القمع الذي ووجِهَت به الاحتجاجات على إزالة منتزه غيزي، صنفت منظمة "فريدم هاوس" تركيا على أنّها دولة "غير حرّة"، ومنذ ذلك الوقت لم يتم رفع هذا التصنيف عنها، في حين أنّ منظمة "مراسلون بلا حدود"، في تصنيفها لحرية الصحافة حول العالم، تضع تركيا في المرتبة (153) من أصل من (180) دولة، فكيف نزلت تركيا إلى هذه المراتب؟

تصفيات واعتقالات ومحاكمات للصحفيين

وفقاً لإحصاءات العام 2020 الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فقد احتلت تركيا المرتبة الأولى بين الدول الأعضاء في مجلس أوروبا من حيث انتهاكات الحق في حرية التعبير. ويعود تاريخ الانتهاكات بحق الصحفيين إلى ما قبل أعوام حكم حزب العدالة والتنمية، حين قتل عدد من الصحفيين خلال عقد التسعينيات في ذروة الصراع الكردي - التركي، وبلغت الانتهاكات بحق الصحفيين الأكراد ذروتها خلال الفترة ما بين العامين 1990 و1995، مع تسجيل 33 عملية اغتيال تعرّض لها العاملون فيما عُرف حينه بـ"الصحافة الكردية الحرة".

في عام 2013 صنفت منظمة "فريدم هاوس" تركيا على أنها بلد "غير حرّ"، ومنذ ذلك الحين لم يتم رفع هذا التصنيف عنها

وبعد نحو 10 أعوام من حكم حزب العدالة والتنمية، وما أسس له الحزب من سيطرة تدريجية على مؤسسات الإعلام في تركيا وتضييق لمساحة الحرية، بدأت النتائج بالبروز، إذ صنّفت منظمة "لجنة حماية الصحفيين" تركيا في عامي 2012 و2013 بوصفها (أسوأ سجّان للصحفيين في العالم)، وذلك بعد احتجاز (49) صحفياً في العام 2012، و(40) صحفياً في العام 2013. وتزايدت الانتهاكات والتضييقات بحق الصحفيين بشكل خاص في أعقاب احتجاجات منتزه ميدان تقسيم (غيزي) في أيار (مايو) 2013، وبحسب أرقام منظمة العفو الدولية، فقد أدخل في السجن بعد تلك الاحتجاجات أكثر من (120) صحفياً.

مظاهرة مطالبة برفع القيود عن الصحافة في تركيا

ومن ثم تصاعدت موجة التضييقات عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) 2016. وبحسب إحصاءات منظمة العفو الدولية، فإنه في عام 2016 كان ثلث الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي المعتقلين حول العالم يوجدون في تركيا. ووفقاً لإحصاءات "لجنة حماية الصحفيين"، فإنّ تركيا في عام 2016 أصبحت أول دولة تسجن (81) صحفياً خلال عام واحد.

حسب إحصاءات منظمة العفو الدولية، فإنه في عام 2016، كان ثلث الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي المعتقلين حول العالم يوجدون في تركيا

وجاء في تقرير صدر مؤخراً عن منصة "P24" المتخصصة في رصد حال الإعلام والصحفيين في تركيا،  أنه خلال الأشهر الـ4 الأولى من عام 2021، قامت السلطات التركية بمحاكمة ما مجموعه (213) صحفياً، حكم على 20 منهم بالسجن، بمجموع عقوبات بلغ أكثر من (57) عاماً، وبحلول نهاية نيسان (أبريل) 2021، كان ما لا يقل عن (68) صحفياً تركياً داخل السجن. ويُحاكم العديد من الصحفيين الأتراك بتهم الانتماء إلى منظمات غير قانونية مرتبطة إمّا بالأكراد وإمّا بحركة غولن، ويُحاكم آخرون بتهم الإساءة إلى الدين والرئيس.

إغلاق وسائل إعلامية والاستيلاء على أخرى

في عام 2013 ومع اندلاع الاحتجاجات ضد إزالة متنزه غيزي في إسطنبول، بدأت  الحكومة التركية حملة استيلاء وإغلاق لوسائل الإعلام التي ساندت الحراك المناهض، بما في ذلك القيام باستبدال المسؤولين عن التحرير في تلك المؤسسات بآخرين متوافقين مع توجهات الحكومة. وشهد العام 2013 إغلاق (156) منصة إعلامية.

كاريكاتير ينتقد الإجراءات التركية بشأن تقييد حرية التعبير على منصة "تويتر"

وجاءت الحملة الأشدّ في العام 2016، وتحديداً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) من ذلك العام، حين قامت السلطات التركية في الأشهر الـ6 التالية بإغلاق (150) وسيلة إعلامية، وهو ما تمّ في إطار حالة الطوارئ المفروضة في البلاد، وكانت قرارت الإغلاق مُرْفَقة بتهمة الانتماء إلى الإرهاب، ومن بين هذه المؤسسات الإعلامية المغلقة محطات إذاعية، وتلفزيونية، وصحف.

التأطير القانوني

في العام 2007 أقرّ البرلمان التركي القانون رقم (5651) المُخصّص لتنظيم استخدام الإنترنت، وهو القانون الذي تم الاستناد إليه لاحقاً في عمليات حجب المواقع وإغلاقها، ومن أهم القوانين التي تم الاستناد إليها كذلك في عمليات قمع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب.

في العام 2005 جرت محاكمة الروائي أورهان باموق بسبب إثارته تساؤلات تتعلق بـ "الإبادة الأرمنية"

وتعتبر المادة (299) من قانون العقوبات التركي من أكثر المواد التي يتم توظيفها في عملية التضييق على الصحافة، وهي تنصّ على تجريم إهانة الرئيس التركي، وقد كانت هذه المادة جزءاً من قانون العقوبات التركي منذ عام 1926، ولكن نادراً ما تم الاستناد إليها قبل أن يصبح رجب طيب أردوغان رئيساً للبلاد في العام 2014، إذ إنه منذ ذلك الحين جرى استخدامها على نحو واسع لقمع حرّية التعبير في تركيا.

صنّفت منظمة "لجنة حماية الصحفيين" تركيا في عامي 2012 و2013 بوصفها أسوأ سجّان للصحفيين في العالم

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم للحرّية، فإنه في العام 2019 وحده واجه أكثر من (36) ألف شخص تحقيقات جنائية بتهمة "إهانة" الرئيس أردوغان، وتمّ التحقيق مع أكثر من 100 ألف مواطن تركي، وفتح أكثر من (30) ألف قضية أمام المحاكم بموجب هذا البند.

ومن ثم تبرز المادة (301) من قانون العقوبات وهي مادة، وفقاً لما طرأ عليها من تعديل في العام 2005، جعلت إهانة الهوية التركية أو المؤسسات التركية الرسمية جريمة يعاقب عليها القانون، واستناداً إليها وجهت التهم في أكثر من 60 قضية منذ ذلك الحين، من بينها قضايا شهيرة، مثل قضية محاكمة الروائي التركي أورهان باموق في العام 2005 بسبب إثارته تساؤلات تتعلق بـ "الإبادة الأرمنية".

الرقابة على الإنترنت

ويجري فرض الرقابة على الإنترنت تحديداً فيما يتعلق بالموضوعات الحسّاسة المرفوض طرحها للنقاش العام أو التشكيك بالرواية الرسمية حولها في تركيا، وتتلخص هذه القضايا غالباً في القضايا الكردية، و"الإبادة الجماعية للأرمن"، إضافة إلى الموضوعات المثيرة للجدل المتعلقة بالدين والهوية.

بات هناك سلسلة من بين أوسع الصحف التركية انتشاراً تعرف بتوجهاتها المؤيدة لحزب العدالة والتنمية

ووفقاً لتقرير "الحرّية على الإنترنت" الصادر عن مؤسسة "فريدوم هاوس" لعام 2015، فإنّ أكثر من 60 ألف موقع كان محجوباً في تركيا خلال ذلك العام. وفي العام 2020 جاء في تقرير نشرته صحيفة "أحوال" التركية المعارضة، أنه في عام 2019 جرى حظر الوصول إلى (130) ألف عنوان موقع إلكتروني، و7 آلاف حساب على تويتر، وألف مقطع فيديو على يوتيوب.

اقرأ أيضاً: بيان حقوقي: تركيا من أسوأ الدول في حرية الصحافة

ووفقاً لتقرير الشفافية نصف السنوي الصادر عن موقع "تويتر"، والمنشور في أيلول (سبتمبر) 2017، فإنّ تركيا استحوذت على حوالي 90% من طلبات إزالة المحتوى من إجمالي الطلبات القادمة إلى الموقع من مختلف الحكومات في العالم. ويُشار إلى أنّ السلطات التركية كانت قد حجبت موقع "تويتر" لمدة أسبوعين، وموقع "يوتيوب" لمدة شهرين في عام 2014.

وهكذا، أصبحت تركيا تنزل أكثر فأكثر في تصنيفات حرّية الرأي والتعبير والصحافة، وقد باتت البلاد تصنف بكونها "غير حرّة"، وذلك في ظل غلبة وسيادة الرأي والصوت والرواية الواحدة، وهو ما ترسّخ أكثر مع الخوف المتزايد من قبل الصحفيين المستقلين والمعارضين من السجن والغرامات وتهديدات الفصل من الوظيفة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية