الترميم يعيد الروح لمقام الخضر في غزة أثرياً وثقافياً

فلسطين

الترميم يعيد الروح لمقام الخضر في غزة أثرياً وثقافياً


27/10/2019

للمحافظة على الأماكن التاريخية والأثرية من الطمس والتهويد؛ استطاعت مؤسسات أهلية في قطاع غزة، بتمويل من الوكالة السويدية للتنمية الدولية (SIDA)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، ومؤسسة "وولونيا" البلجيكية، تحويل مقام الخضر، أو ما يُعرف بــ "القديس هيلاريون"، في مدينة دير البلح، وسط مدينة غزة، إلى مكتبة ثقافية وعلمية للأطفال، وذلك بعدما ترك المقام لفترات زمنية طويلة مكبّاً للنفايات ومرتعاً للمشعوذين والدجالين.

اقرأ أيضاً: مرضى قطاع غزة لم تقتلهم إسرائيل بالرصاص بل بالمنع من العلاج

ومقام الخضر بدأت حكايته كمصلَّى صغير، يتواجد أسفله دير للقديس هيلاريون، الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي، ولأعوام عديدة مورست الطقوس تحت قبابه الثلاث التي تعتليه، طلباً للرزق والأمنيات، لتتحول جدرانه المتهالكة إلى مركز أثري علمي وثقافي، يرتاده الأطفال مستمتعين بتاريخ المكان العريق الذي يجمع ديانتين في آنٍ واحد.

ووفق إحصائية صادرة عن وزارة السياحة والآثار، عام 2017، فإنّ عدد المباني الأثرية في البلدة القديمة بغزة بلغ 117 موقعاً ومعلماً أثرياً، منها؛ 94 بيتاً، و8 مساجد، و15 كنيسة وقصراً، ومقابر، وحمامات، ومدارس، ومبان أثرية أخرى.

مكتبة مقام الخضر

دير مسيحي قديم
أحمد أبو عاذرة، مدير دائرة الآثار في وزارة السياحة والآثار، يقول إنّ "مقام الخضر يتكوّن من طابقين اثنين، وتبلغ مساحته 450 متراً، وهو أقدم دير ما يزال قائماً في فلسطين، وتمّ تشييده في الفترة بين عامَي (278-372م)، ويضمّ المقام مخطوطات يونانية وأعمدة رخامية كتبت عليها نصوص باللغة الإغريقية، وتم بناء المقام من الحجارة الجيرية والرملية، التي كانت منتشرة في العهد البيزنطي آنذاك".

اقرأ أيضاً: السلفيون في غزة: إيمانهم العنف وعقيدتهم زرع العبوات الناسفة

ويضيف أبو عاذرة، في حديثه لـ "حفريات": "الطابق السفلي من المقام كان يضمّ المحراب المسيحي، ويعتلي المقام المصلَّى الإسلامي، وهو مؤشر يدل على انحسار التواجد المسيحي في تلك المرحلة، حيث فرّ المسيحيون من قادة الرومان، قبل أكثر من 1800 عام، ونتيجة ما يعتري المقام من تشققات وتصدعات كبيرة في جدرانه أدّت إلى انهيار أجزاء كبيرة منه؛ حيث تمّ العمل على ترميمه لتجنّب تصدعه وانهياره بالكامل للمحافظة على هذا المعلم الأثري والتاريخي الكبير".

ترميم المقام
وبيّن أنّ "أعمال الترميم تركزت على صيانة مداخل ومخارج المقام، وبناء جدرانه وأعمدته الآيلة للسقوط، وتمّ استخدام الصلصال والحجر الرملي ليتلاءم مع الحقبة الزمنية التي جرى بناء المقام فيها؛ حيث شهدت مرحلة الترميم صعوبات كبيرة؛ بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي دخول المواد الخام اللازمة، وبعد ضغوط من قبل بعض المؤسسات الدولية سمحت إسرائيل بإدخال المواد اللازمة، بعد شهر من البدء بأعمال الترميم، ليتمّ العمل على استكمال عمليات الترميم بالمقام للمحافظة على مكانته التاريخية والثقافية والحضارية".

للاحتلال الإسرائيلي دور بارز في منع استيراد المجلات والكتب العلمية والثقافية لتزويد مكتبات الأطفال في غزة

ويوضح أبو عاذرة؛ أنّ "الترميم تمّ ضمن خطة ممنهجة للحفاظ على المعالم التاريخية في غزة وتوظيفها في خدمة المجتمع، والتوعية بالأهمية الثقافية والتراثية لها؛ حيث بلغت تكلفة الترميم أكثر من 76 ألف دولار أمريكي، تكفّلت بها جمعية "نوى"، ومركز عمارة التراث "إيوان"، بعد أن تمّ استئجار المقام من وزارة السياحة والآثار لمدة 5 أعوام، حتّى يصبح مؤهلاً لإنشاء مكتبة تخدم أطفال قطاع غزة، وتكون منارة للعلم لتشجيعهم على القراءة والمطالعة".

وتابع: "وزارة السياحة والآثار تدعم أيّة مشروعات من شأنها توثيق التاريخ الحضاري والثقافي الفلسطيني؛ فقطاع غزة به مواقع ومعالم أثرية وتاريخية عريقة، لم تلقَ اهتماماً واسعاً، وهي في حاجة إلى مثل هذه المشروعات لإعادة إحيائها من جديد وحفظ قيمتها التاريخية والثقافية، وهي الطريقة الأفضل لبناء مجتمع مثقف وخلق بيئة إبداعية جديدة من خلال تكاثف الجهود الرسمية والأهلية لإبراز المعالم التاريخية والأثرية المهمشة، والاستفادة منها في تنمية المعارف المتنوعة".
تتضمن المكتبة أكثر من أربعة آلاف كتاب

الإهمال والسرقة
ولفت أبو عاذرة إلى أنّ "دائرة الآثار تعمل على تنظيم عدة مهرجانات ومعارض ثقافية داخل المواقع الأثرية في قطاع غزة، بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، كانت من بينها إقامة مهرجان الخضر الأول للثقافة والفنون، داخل المقام، الذي تخللته مجموعة كبيرة من العروض الثقافية والمسرحية الهادفة بمشاركة فنانين فلسطينيين، قاموا بإلقاء أبيات من الشعر والعزف على الآلات الموسيقية المتنوعة، وبحضور سيدات يعملن في الغزل على آلات النول التقليدية".

وتابع: "غالبية المواقع الأثرية في قطاع غزة تعاني من الإهمال والتهميش؛ لعدم وجود الإمكانيات والمعدات المحلية اللازمة للتنقيب عن الآثار، وإعادة ترميم ما تمّ العثور عليه من مواقع ومعالم أثرية مهمّة، إضافة إلى استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في منع وصول الجهات الدولية والمعنية المختصة بالتنقيب عن المواقع الأثرية منذ الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، من أكثر من 12 عاماً".

ويشير أبو عاذرة إلى أنّ "المواقع الأثرية لم تخلُ من أعمال التخريب والحفر من قبل لصوص الآثار للتنقيب والبحث عن القطع الأثرية وتهريبها لخارج قطاع غزة، بطرق مختلفة؛ وذلك لطمس المعالم الثقافية والحضارية الفلسطينية، وهو ما دفع بأعداد محدودة من المواطنين للبحث عن القطع الأثرية لبيعها والاتجار بها، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، واستغلال أوضاعهم المعيشية لتشجيعهم على القيام بهذه الممارسات والسلوكيات اللاأخلاقية".

تشجيع الأطفال على القراءة
بدورها، تقول ميساء العكلوك، منسّقة مكتبة الأطفال بمقام الخضر، لـ "حفريات" إنّ فكرة إنشاء مكتبة مقام الخضر "تأتي نتيجة النقص الحادّ في أعداد المكتبات التي تهتم بأدب الأطفال في قطاع غزة، والتي يعاني جميعها من ضعف الدعم والتمويل، وعدم قدرتها على ملاحقة الإصدارات الحديثة؛ وذلك لتشجيع الأطفال على ارتياد هذه المكتبات بصورة مستمرة، في ظلّ التطور التكنولوجي السريع، الذي دفع الأطفال للاستغناء عن مطالعة الكتاب الورقي".

غالبية المواقع الأثرية في قطاع غزة تعاني من الإهمال والتهميش؛ لعدم وجود الإمكانيات والمعدات المحلية اللازمة للتنقيب عن الآثار

وتتضمن المكتبة أكثر من أربعة آلاف كتاب، تتناسب مع رغبات وأهداف الأطفال في غزة، والذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 15 عاماً، "للمساهمة في تنمية أفكارهم الإبداعية والانطلاق بها نحو المستقبل، كي يتم بناء جيل واعٍ مدرك لطموحاته ومقاصده المستقبلية، خاصّة أنّ أطفال قطاع غزة يعانون ظروفاً صعبة وغير عادية".

وتشير العكلوك إلى أنّ المكتبة تشهد إقبالاً كبيراً من قبل القرّاء الأطفال في قطاع غزة، "وذلك لتعزيز شخصيتهم وتوسيع ثقافتهم المعرفية وإبراز هويتهم الثقافية، للبحث والاطلاع عن كلّ ما هو جديد في مجال المؤلفات والإصدارات والقصص العلمية التي تتعلق بالأطفال، وتتناسب مع فئاتهم العمرية، وتوعيتهم بعراقة المكان الذي يتواجدون به ليبقى راسخاً في عقولهم".

وتبيّن أنّ "المكتبة تفتح أبوابها لمدة أربع ساعات يومياً، إضافة إلى احتوائها العديد من الأنشطة التدريبية التي تهدف إلى تطوير مهارات الأطفال في العديد من المجالات المتنوعة؛ كرواية القصص للأطفال، وإقامة المسابقات الثقافية، لجذبهم لارتياد المكتبة بصورة مستمرة، وتشجيعهم على القراءة وحبّ المطالعة".

المكتبة تفتح أبوابها لمدة أربع ساعات يومياً

عقبات كبيرة
وعن مكتبات الأطفال الموجودة في قطاع غزة، توضح العكلوك؛ أنّه "قبل إنشاء مكتبة مقام الخضر كانت هناك مكتبة أطفال واحدة في قطاع غزة، وهي مكتبة عبد المحسن القطان، كما أنّ جميع المكتبات بغزة هي مجاميع للكتب فقط؛ لعدم احتوائها على الكتب والإصدارات المتخصصة في المجالات المتعددة".

اقرأ أيضاً: الأدوات الخشنة على حدود غزة هل تعود للخدمة من جديد؟

وتدعو إلى تعزيز ثقافة الأطفال المعرفية من خلال البحث عن الكتب والمجلات المصورة، التي تتعلق باهتماماتهم وتعزز هويتهم الثقافية والمعرفية، وضرورة دعوة المدرسين للقيام بتشجيع الأطفال في داخل المدارس على ارتياد المكتبات باستمرار، فضلاً عن "حثّ الأسر أطفالها على القراءة من خلال توفير مكتبة منزلية صغيرة لهم، تضمّ الكتب والمجلات التي يبحثون عنها لتشجيعهم على حبّ القراءة والمعرفة".

وعن أبرز العوائق التي تواجه مكتبات الأطفال في غزة، تقول العكلوك: "الاحتلال الإسرائيلي له دور بارز في منع استيراد المجلات والكتب العلمية والثقافية لتزويد المكتبات بها، إضافة إلى عدم وجود مؤلفين متخصصين بأدب الأطفال، وما يتم الحصول عليه من كتب متنوعة يجري نقله وترجمته من مصادره الأصلية، والتي في معظمها تخاطب ثقافات تختلف عن ثقافاتنا في البلاد العربية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية