التسريبات الأخلاقية تعمّق جراح التونسيين

التسريبات الأخلاقية تعمّق جراح التونسيين


20/06/2021

تشهد الساحة السياسية في تونس جدلاً حول تسريبات صوتية نُشرت في الآونة الأخيرة، حول مشكلات عائلية وفضائح أخلاقية لبعض السياسيين، في إطار الحروب السياسية المتواصلة، التي عرفها البلد من جملة عشرات التسريبات والتسجيلات الصوتية، والتي شكلت مصدر قلق وإزعاج للأطراف السياسية حكماً ومعارضةً، خصوصاً بعد وصول ائتلاف الكرامة، اليميني المتطرف والحليف الداعم لمشروع حركة النهضة الإسلامية، البرلمان أواخر 2019.

وتتباين المواقف بين مؤيّد للتسريبات ورافض لها؛ حيث يرى الشق الأوّل أنّ بعض الأطراف السياسية تسعى لتوظيف المعطيات الشخصية الخاصة بهدف تشويه خصومها السياسيين وضربهم، بشكل منافٍ لأخلاق العمل السياسي وقواعده، إلا أنّ مدافعين عن حقّ المواطن في معرفة ما يدور في قصور الحكم وما يتعلّق بالشخصيات العامة، يؤيّدون نشرها.

 انتهاك خصوصية المجالس

ومنذ دخوله البرلمان، فجّر راشد الخياري، النائب الإسلامي المستقيل من ائتلاف الكرامة، تسريبات صوتية نشرها تباعاً، واستهدفت في مجملها سياسيين يعارضون مشروع ائتلاف الكرامة وحركة النّهضة، خاصّةً أنّ العملية تعدّ خرقاً للقوانين في البلاد التي تشهد أصلاً أزمة سياسية حادّة، فضلاً عن أنّها اقتحمت الحياة الشخصية لعددٍ منهم.

ينصّ الفصل 24 من الدستور التونسي على أن "تحمي الدولة الحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرّية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية، لكلّ مواطن الحرية في اختيار مقرّ إقامته.."

وقد نشر الخياري مؤخراً جملةٍ من التسريبات الجديدة استهدفت هذه المرة البرلماني المعارض فيصل التبيني، وتتعلّق بمكالمات هاتفية ومحادثات جمعته بامرأة، ووضعته أمام قضية أخلاقية، لكنّ الرجل أكّد أنّه تمّ استدراجه عبرها.

تسريبات أشعلت منصات التواصل الاجتماعي في تونس وشغلت الرأي العام لعدّة أسابيع، ورغم تراجع الحديث عنها، إلا أنّ الحرب التي اشتعلت بين النائبين التبيني والخياري، ما تزال متواصلة إلى اليوم، على موقع فيسبوك.

ويقول في هذا الشأن، سليم بوخذير، الصحفي ورئيس تحرير الكاميرا والقلم، المختص في صحافة التدقيق؛ أنّ التسريبات ظاهرة ليست بالجديدة، وتنقسم إلى نوعين؛ أولاً تسريب المعطيات عن الحياة الشخصية، وأبرز مثال على هذا النوع هي "صحافة الباباراتزي"، وهي ظاهرة موجودة في الصحافة الأوروبية، خاصة في  الصحافة البريطانية، وهناك نوع ثان من التسريبات وهو تسريب المعطيات أو المعلومات أو الوثائق ذات الصلة بالشأن العام للمجموعات أو المجتمعات أو الدول.

 سليم بوخذير

ويرى أنّ النوع الأول من التسريبات فيه إخلال صريح بأخلاقيات المهنة والرسالة الإعلامية النبيلة، لأنّ به خرق للحياة الشخصية للمواطنين، حتى إن كانوا من المشاهير، أما النوع الثاني من التسريبات فلا يخلّ بمواثيق المهنة الصحفية وأخلاقيتها، لأنّه يندرج تحت إطار واجب أساسي للصحفي وهو إنارة الرأي العام، وفيها من المعلومات ما يخصّ الشأن العام، سواء كان ذلك بواسطة مصادر تعلن نفسها أو مصادر ترفض الكشف عن هويتها.

اقرأ أيضاً: هل تتجه تونس لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة؟

ويؤكّد بوخذير أنّ تسريبات الخاصة بمحادثات النائب فيصل التبيني، فيها إخلال واضح بأخلاقيات المهنة الصحفية وفيها انتهاك للحياة الشخصية، وهي ممارسة منحطة لا علاقة لها بالأخلاق، وقد عُرف عن النائب الخياري نشر تسريبات صوتية لشخصيات سياسية وإعلامية وازنة في البلاد،  أثارت أغلبها جدلاً واسعاً، ما دفع كثيرين في تونس إلى التساؤل عمَن يسانده، ملمّحين إلى وقوف شخصيات مشبوهة وراءه.

 هذا وينصّ الفصل 24 من الدستور التونسي على أن "تحمي الدولة الحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرّية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية، لكلّ مواطن الحرية في اختيار مقرّ إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته".

أشهر التسريبات والفضائح

ومن أبرز التسريبات والقضايا التي سلّط الوسط السياسي عليها؛ الادّعاءات التي صدرت عن الخياري، عبر فيديو مباشر نُشر على حسابه في فيسبوك، اتّهم فيه الرئيس بتلقّي دعم وتمويل خارجي (جهات أمريكية) لتعزيز حظوظ وصوله إلى قصر قرطاج في انتخابات 2019.

وكان الخياري قد سرّب منذ أشهر، مكالمة هاتفية بين رئيسة ديوان رئيس الجمهورية، نادية عكاشة، والإعلامية مي القصوري، حول التدخّل في تعيين رئيس الحكومة، وقد نفت القصوري ذلك، أو أن يكون الصوت الذي في التسريب هو صوتها.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يبحث عن مخرج لأزمة البلاد.. ماذا قال؟

وكُشف سعي كتلة الخياري لإسقاط رئيس البرلمان راشد الغنوشي، في إطار العرائض التي نُشرت حينها، من أجل سحب الثقة من الغنوشي، ونشرها صوتياً على مواقع التواصل الاجتماعي.

وليست هذه المرة الأولى التي تنشر فيها تسريبات لمحادثات أو مراسلات بين سياسيين؛ فقد سبق أن تمّ نشر تسريبات تتعلق بمدير الديوان الرئاسي؛ رئيس حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق، في فترة حكم الراحل الباجي قائد السبسي، التي كشفت عن خلافات داخل حزب "نداء تونس"، وكان لها دور في تفكيكه.

وشمل ملفّ التسريبات، حينها، المدير التنفيذي لحزب "النداء" حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الراحل الباجي القائد السبسي، وكذلك رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي.

 كما لم يسلم رئيس البرلمان، زعيم "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، من التسريبات، إذ سُرِّب كلام له يتحدث فيه عن الجيش التونسي وكيفية ضمانه.

وتُحمّل أوساط سياسية تونسية حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الداعم للحكومة، برئاسة هشام المشيشي، مسؤولية نشر هذه التسريبات، خاصّةً أنّها استهدفت مباشرة إعلاميين وسياسيين مناهضين لها ولسياساتها على غرار التبيني والإعلامية والمحامية مي القسوري.

وما تزال التسريبات تمثّل مصدر قلق لعديد من السياسيين؛ بسبب محاولات توظيفها لخدمة مصالح سياسية ضيقة، خاصّةً منها تلك المتعلقة بفضائح جنسية، تعلقت بعديد النواب، مثل ما حصل مع النائب فيصل التبيني، أو النائب المستقيل عن قلب تونس، زهير مخلوف، أو النائب ياسين العياري، وهي تسريبات تمّت فبركتها لنيل من السياسيين، بحسب وصف أصحابها.

النائب فيصل التبيني لـ"حفريات": التسريبات عني سببها مؤامرة تقودها حركة النهضة لضرب خصومها السياسيين وإسكاتهم، وأتهم زعيم الحركة راشد الغنوشي، بالوقوف وراء هذه القذارات

تعليقاً على هذه التسريبات، يرى الناشط السياسي فيصل عليمي، في تصريح لـ "حفريات"؛ أنّ هذه التسريبات زادت من تعميق الأزمة السياسية في البلاد، لأنّ الكفاءات صارت تنفر من الحياة السياسية، كان أنّ بعض النساء عزفن عن المشاركة بسبب انتهاك خصوصية المكالمات وأسرار المجالس، داعياً إلى "أخلقة" الحياة السياسية ووضع حدٍّ لهذا الوضع المتعفّن، بحسب وصفه.

ورأى العليمي أنّ المواطن التونسي العادي لم يعد يكترث إلى برامج الأحزاب في معاركها الانتخابية، وليس له إلمام بأبسط المعلومات الرئيسة عن مجريات الحياة السياسية في البلاد،  لكنّه لا يفوّت الفرصة لمعرفة فضائح أو أخبار السياسيين؛ لذلك سارعت الأحزاب السياسية لتخصيص مساحات لمثل هذه "الفضائح"، مشيراً إلى أنّ إزاحة الأخلاق عن السّياسة، سيفتح الباب على مصراعيه لزيادة معدل العنف السياسي بالبلاد.

من جهة أخرى، يرى العليمي أنّ كلّ من ينخرط في تسيير الشأن العام عليه أن يتوقع مسبقاً أن تكون حياته الخاصة جديرة بالتحقيق والنقاش العام، معتبراً أنّ المخاوف الحقيقية تكمن وراء الأهداف التي كانت وراء هذه التسريبات والفضائح.

تشويه الخصوم بهدف البقاء في السلطة

ويرى مراقبون في الشأن السياسي؛ أنّ حركة النهضة وحليفها ائتلاف الكرامة يعملان وفق إستراتيجية إعلامية، لتنفيذ مخططها بنشر غسيل خصومها وأعدائها السياسيين، كسلاح ذو حدين؛ أولاً عبر استغلال فضول الرأي العام، الذي يحاول معرفة سلوك السياسيين، وثانياً: استغلال تكالب وسائل الإعلام لكسب أرباح مادية و زيادة نسبة التصفح والمشاهدة.

اقرأ أيضاً: تجدد التظاهرات في تونس ومطالبات بفتح تحقيقات بخروقات أمنية... تفاصيل

وقد أكّد ذلك النائب فيصل التبيني، الذي رأى، في ردّ على الانتقادات، أنّ ما حدث له سببه مؤامرة تقودها حركة النهضة لضرب خصومها السياسيين وإسكاتهم، متهماً زعيم الحركة، راشد الغنوشي، بالوقوف وراء هذه القذارات، بحسب وصفه.

من جانبه، يصف النائب عن حركة الشعب (قومية)، بدر الدين القمودي، التسريبات التي طبعت الحياة السياسية في تونس، بـ "اللاأخلاقية" والمرفوضة، لأنّها تمسّ الحياة الشخصية للأشخاص، مشدّداً على أنّها مدانة بكل المقاييس.

بدر الدين القمودي

وقال القمودي، في حديثه لـ "حفريات"، إنّ السياسيين لهم أيضاً حياتهم الخاصة، وإنّ مثل هذه الممارسات ستربك العمل السياسي، الذي يشهد صراعات شديدة، لافتاً إلى أنّ الخصوم السياسيون الأضعف عادةً ما يمارسونها لتشويه خصومهم، وهي آلية صراع سياسي قذرة.

ويعطي الدستور التونسي مجموعة من الحصانات لأعضاء مجلس نواب الشعب، من أجل أن يمارسوا أعمالهم، دون أية قيود تحدّ من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية، بالشكل الذي يبعدهم عن أيّ تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم من متابعة أعمالهم على أكمل وجه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية