التنظيمات المسلّحة في دول الساحل تصنع مشهداً دموياً جديداً في النيجر

التنظيمات المسلّحة في دول الساحل تصنع مشهداً دموياً جديداً في النيجر


18/08/2020

في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي استهدف ستة مواطنين فرنسيين من عمال الإغاثة، قبل أيام قليلة، في منطقة كوريه بنيجيريا، غرب أفريقيا، تجدّدت تهديدات التنظيمات المسلحة، والجماعات الإرهابية في دول الساحل، ضدّ الأفراد والمصالح الغربية؛ حيث يعتقد أنّ الهجوم كان "مدبراً ومع سبق الإصرار"، من أجل "استهداف مواطنين غربيين"، وفق ما تبيّن من النتائج الأولية للتحقيقات الفرنسية، حسبما أوضحت وكالة "فرانس برس" الفرنسية.

النيجر ساحة لقوى الإرهاب

وكانت الرئاسة الفرنسية قد كشفت عن مقتل فرنسيين في النيجر، لكنّها لم تعلن عدد الضحايا، بينما حدّدت منظمات مدنية وحقوقية عاملَين في مجال الإغاثة بين الضحايا الفرنسيين.

ومن جانبها؛ قامت الخارجية الفرنسية بتحذير مواطنيها من السفر إلى النيجر، مؤكدة أنّ أغلب مناطق البلاد "شديدة الخطورة"، باستثناء العاصمة، وذلك على خلفية نشاط المنظمات الإرهابية، لا سيما بوكو حرام.

 أغلب مناطق البلاد شديدة الخطورة

ورأى الجنرال دومينيك ترانكان، الرئيس السابق للبعثة العسكرية الفرنسية لدى الأمم المتحدة، أنّ الهجوم المسلح بمثابة "عملية إرهابية" جرى التخطيط لها عن عمد؛ حيث سبقتها عملية جمع معلومات، بصورة دقيقة، وتحديد لهوية المستهدفين، حسبما ذكر للوكالة الفرنسية، بينما كان الهدف من وراء العملية "تنفيذ عمليات القتل على الفور، لتحقيق صدى إعلامي كبير يجعل الكلّ يتحدث عن تلك العمليات، ويتساءل: ماذا تفعل قوة برخان الفرنسية؟ وما الذي تفعله مجموعة دول الساحل الخمس؟".

اقرأ أيضاً: هل تستبدل تركيا النيجر بـ"الجزائر وتونس" في الأزمة الليبية؟

يتفق والرأي ذاته، تيجاني إبراهيم كاتييلا، حاكم تيلابيري، الذي ذكر للوكالة الفرنسية أنّه "حادث إرهابي تقليدي"؛ حيث "قضى 8 قتلى، بينهم نيجريَّان؛ أحدهما مرشد سياحي، والآخر سائق، والستة الآخرون فرنسيون"، وذلك دون تحديد هوية المسلحين أو الجهة التي نفذت الهجوم.

وأضاف: "نحن بصدد معالجة الوضع، وسنقدم مزيداً من المعلومات لاحقاً"، كما قالت نياغالي باغايوكو، رئيسة شبكة قطاع الأمن الأفريقي؛ إنّ "استهداف العاملين في المجال الإنساني جاء بشكل متعمّد، وليس عشوائياً".

من وراء الحادث الإرهابي؟

وفي بيان مشترك لهما؛ ذكرت منظمتا الإغاثة الفرنسية والسويسرية، "أكتد" و"إمباكت إنيشياتيفز"، أنّ سبعة من أطقمهما، وكذا المرشد السياحي، قتلوا في الهجوم، دون تحديد للجنسيات، كما دانت ماري بيير كالي، مديرة منظمة "أكتد"، الحادث الإرهابي، ووصفته بأنّه "مأساة غير مسبوقة على الإطلاق، وجريمة مقززة وبربرية لا توصف"، كما أوضح مسؤول آخر في المنظمة ذاتها؛ أنّ الضحايا الثمانية؛ أربعة رجال، وأربع نساء، تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً.

يتداخل العنف الجهادي الذي تقوده الجماعات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل الأفريقي، بصورة كبيرة، مع نزاعات محلية في ظلّ غياب عملية الاندماج الوطني في هذه الدول

أسئلة وافتراضات عديدة طرحها الصحفي الفرنسي، تانغي بارتيمات، في صحيفة "لوفيغارو"، حول مقتل ستة فرنسيين من العاملين في المجال الإنساني في النيجر؛ إذ رأى أنّ الحادث يبعث بعدة استفسارات وإشكاليات، فيما يتصل بطبيعة وماهية ما جرى، من ناحية، وإلى أيّ حدّ تحوّلت النيجر إلى مسرح لنشاط الجماعات الجهادية، مثل جماعة بوكو حرام، من ناحية أخرى.

وأوضح بارتيمات؛ "لم تتبنَّ أية جماعة الهجوم، حتى الآن، وإن كانت جميع الملابسات والمعطيات تشي بأنّ العملية من تنفيذ إحدى الجماعات الإسلامية، وبينما انطلقت عملية تفتيش واسعة النطاق، بمساعدة جنود فرنسيين من عملية "برخان" بعد الحادث، إلا أنّها لم تفضِ لنتائج محددة وواضحة؛ بسبب الطبيعة الوعرة للمنطقة الصحراوية، ووجود مخابئ وسط الغابات، ما يعيق عملية الوصول إلى أدلة".

فرنسا وآفة الجهاديين

ويشير الباحث السوداني، صلاح خليل، إلى أنّ باريس تعتمد في تعزيز دورها في منطقة الساحل الأفريقي على تحالفات إستراتيجية مع بعض الدول الحليفة لها، خاصة مالى وبوركينا فاسو وتشاد، وكذا من خلال القاعدة الفرنسية التي تتخذ من مدينة أبشي التشادية مقراً لها؛ إذ تلعب باريس دوراً مهماً في التنسيق بين قواتها العاملة في هذه المناطق، وذلك إضافة إلى دور أجهزتها المخابراتية في تبادل المعلومات مع أجهزة هذه الدول، عبر آلية قيادة مشتركة وفعالة.

 جميع الملابسات والمعطيات تشي بأنّ العملية من تنفيذ إحدى الجماعات الإسلامية

ويضيف خليل لـ "حفريات": "منذ آذار (مارس) الماضي، ضاعفت فرنسا قواتها من 4500 إلى 5100 عنصر عسكري، إضافة إلى مضاعفة الجيش الفرنسي لهجماته في مناطق المثلث الحدودي (ليبتاكو في النيجر، غورما في مالي، والحدود بين كلّ من مالي وبوركينا فاسو)، كما شكّلت باريس قوة أخرى، قوامها خمسة آلاف، شملت مجموعة دول الساحل الخمس؛ من بينهم 1700 عسكري فرنسي، و1500 عسكري نيجيري، و1500 عسكري آخرين، من باقي دول الساحل الأخرى، مثل: موريتانيا، وتشاد، وبوركينا فاسو".

اقرأ ايضاً: هذا ما قاله وزير الخارجية التركي عن ليبيا من النيجر

يتداخل العنف الجهادي الذي تقوده الجماعات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل الأفريقي، بصورة كبيرة، مع نزاعات محلية، في ظلّ غياب عملية الاندماج الوطني في هذه الدول، ما أدى إلى مقتل 4 آلاف شخص في كلّ من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، العام الماضي، وفق تقارير حقوقية وصحفية أجنبية.

الإرهاب والمصالح في أفريقيا

رغم أنّ العمليات التي تنفذها جماعات الإسلام السياسي في هذه المنطقة ضدّ المصالح والرعايا الفرنسيين، تأخذ طابعاً متزايداً وعنيفاً، بحسب الباحث السوداني، فإنّ الحكومة الفرنسية ما تزال تتمسك بمصالحها هناك، في ظلّ المنافسة الكبيرة مع العديد من الدول، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تمثل تهديداً للمصالح الفرنسية في هذه المنطقة.

توقّع مصدر أمني (لم يكشف هويته) للصحف الفرنسية أنّ المصالح الفرنسية في غرب أفريقيا قد تكون هدفاً لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي

وإلى ذلك، توقّع مصدر أمني (لم يكشف هويته) للصحف الفرنسية؛ أنّ المصالح الفرنسية في غرب أفريقيا قد تكون هدفاً لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وذلك بسبب مقتل زعيمه، عبد المالك دروكدال، في حزيران (يونيو) الماضي، على يد القوات الفرنسية.

كما أبرزت دراسة حول وضع التنظيمات الجهادية في غرب أفريقيا، أعدتها مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، مقرّها واشنطن، أنّ الهجمات الإرهابية قد تضاعفت، في غضون الأعوام الخمسة الأخيرة، إلى نحو ثلاثة أضعاف، بيد أنّها شهدت تراجعاً، عام 2017؛ إذ بلغت، بين عامَي 2012 و2017 نحو 358 اعتداء، مقابل 132 هجوماً، بين عامي 2007 و2011.

وبحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فقد استهدفت الاعتداءات، في المقام الأول، مواقع تجمعات الأجانب، مثل الفنادق والمطاعم، ومنشآت الطاقة والمعادن والبنية التحتية، إضافة إلى هجمات طالت سياحاً ومقيمين أجانب، ومؤسسات حكومية ودولية، كالسفارات والقنصليات.

وحصيلة الاعتداءات التي نفذتها التنظيمات المسلحة، في القارة الأفريقية، ضدّ المصالح الغربية، خلال العقد الأخير، تصل إلى نحو 490 هجوماً.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية