التنظيم الدولي للإخوان يتوق إلى تونس بعد خسارة السودان

التنظيم الدولي للإخوان يتوق إلى تونس بعد خسارة السودان


10/08/2019

محمد أبوالفضل

اكتسبت حركة النهضة في تونس حضورا سياسيا جيدا بما أبدته من مرونة في التعامل مع كثير من القضايا الجدلية، وحرصت على الإيحاء بأن هناك مسافة تفصلها عن جماعة الإخوان وغيرها من الحركات المنتمية لتيار الإسلام السياسي الفضفاض، اقتناعا بخصوصية التجربة التونسية، ومحاولة للقفز على جملة من المشكلات الدقيقة، وأبرزها السقوط السريع والمدوي للجماعة في مصر، والذي اعتقدت قيادات التنظيم الدولي أن القبض على السلطة في السودان قلل من تهميشها، وتحولت الخرطوم لملاذ آمن لكثير من القيادات الهاربة من مصر، وبؤرة يتجمع فيها إسلاميو المنطقة بأطيافهم المختلفة.

يأمل الإخوان في الهيمنة على مفاتيح القرار الرسمي في تونس، والاستفادة من التطور اللافت في انفتاح المجتمع المدني هناك، الذي يبدي قطاع كبير فيه عدم ممانعته في التعامل مع الإسلاميين، طالما التزموا بالقانون ومحدداته الصارمة، وحدث تجاوب أو انجذاب على هذه القاعدة التي مكنت حركة النهضة من زيادة وتيرة التسلل إلى قاع المجتمع عقب مشاركتها الفعالة في الانتخابات البلدية العام الماضي، وعزمها على رفع عدد مقاعدها في البرلمان القادم، ثم التطلع إلى أعلى هرم السلطة من خلال الدفع بعبدالفتاح مورو، نائب رئيس الحركة، ورئيس البرلمان المكلف حاليا.

هناك من فهم هذه الخطوة على أنها مناورة مؤقتة وأن مرشح النهضة سيعلن انسحابه، ومن ثمة إفساح المجال لحلفاء من تيارات أخرى، بينما يرى آخرون أن الترشح جاد وله أغراضه السياسية، ويمكن أن تكون حظوظه ليست هيّنة، لأن الحركة لم تقدم على هذه الخطوة من فراغ، ومهدت لها بمشاركات سياسية واسعة الفترة الماضية، وتبديد جزء من الانطباعات القاتمة حول انتهازيتها عبر المزايدة في بعض الملفات ذات الصبغة العلمانية، الأمر الذي خفّف وقع الصدمة في تونس، لكنها لم تفلح في تبديد الهواجس في المحيط الإقليمي، لأن تيار الإسلام السياسي يشد بعضه بعضا، ويتسم بتشابكاته الخارجية.

بين أنقرة والخرطوم
فرض سقوط البشير في السودان البحث عاجلا عن مركز آخر يأوي الإسلاميين، ما جعل النهضة تنقض وعودها بعدم تقديم مرشح رئاسي في سياق تعزيز دور التنظيم الدولي المتراجع.

كما أدت التحديات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية في تركيا إلى الشعور بالقلق خوفا من سحب جزء من رصيد التيار الإسلامي في السلطة، عقب احتدام ضغوط المعارضة على الرئيس رجب طيب أردوغان، واتخذت من علاقته بالتنظيم الدولي تكئة للنيل منه في تسخير جانب من مقدرات تركيا لأتباعه، ومتوقع أن تتصاعد حدة الضربات في هذا الاتجاه.

وتشير الخارطة الإقليمية إلى تغيرات مقبلة تتجاوز محنة الإسلاميين في مصر وأكبر من أزمتهم في السودان، فالتيار الإسلامي في ليبيا على المحك، وأدت الضربات القوية التي يوجهها الجيش الوطني الليبي إلى قصم ظهر الكتائب المسلحة التي يستند عليها، وسيؤدي استمرار الحرب حتى تنظيف ليبيا من الميليشيات والحد من نفوذ القوى الإسلامية المتحالفة معها إلى عدم استبعاد الخروج نهائيا من التوازنات السياسية الليبية مستقبلا.

ناهيك عن المخاوف التي تنتاب فئة عريضة في المجتمع المدني الجزائري من زيادة مساحة جبهة الإنقاذ التي استنفرت قواها الحية للاستحواذ على كعكة السلطة، وسط أزمة متعاظمة، فقدت فيها المؤسسة العسكرية حصة مهمة من هيبتها.

ويفضي كل صعود سياسي للنهضة إلى الشد من عصب التيار الإسلامي في الدول المجاورة. وفي المغرب هناك تجربة عميقة يمتلكها، وينخرط في اللعبة ضمن معادلة محسومة في كثير من مكوناتها، لكن بعض قياداته لا تخفي الرغبة في تعويض الانكماش التدريجي. وإذا استوى نموذج أقرانهم في تونس وحقق مفاجأة مدوية سوف تتنامى الأحلام، وتتبدل الطموحات من الحفاظ على حد مقبول من الحضور المنضبط إلى ما هو أكبر.

شبح المؤسسة العسكرية
مع أن الخارطة النهائية للمرشحين لم تتكشف بعد، غير أن البعض يراهن على تفوق المرشح الرئاسي عبدالكريم الزبيدي، وزير الدفاع المستقيل، باعتباره وريثا “شرعيا” للرئيس الباجي قائد السبسي، وعلى أنه الوحيد القادر على هزيمة مرشح النهضة مورو أو غيره من المرشحين المتدثرين بأثواب سياسية متنوعة وعلى علاقة بالحركة أو على استعداد للتحالف معها.

ويخشى أن يكون الزبيدي الطبيب والسياسي الذي وجدت فيه المؤسسة العسكرية وزيرا يمتاز بالصرامة والمثابرة والنأي بالجيش عن التجاذبات السياسية أن تحسب عليه المؤسسة العسكرية في ظل أجواء إقليمية محتدمة ضدها، وشمّر فيها المجتمع المدني سواعده لمجابهتها بقسوة، وأصبحت من العلامات البارزة في استمرار الأزمة بالجزائر، حيث يريد الحراك الثوري قطع دابر الدور التاريخي للجيش. وباتت من الملامح القوية للانسداد السياسي في السودان، عندما تمسّك تحالف الحرية والتغيير بتقليص نفوذ المجلس العسكري.

ويجتهد الخطاب الإسلامي في العمل على إجهاض الخطاب المؤيد للمؤسسة العسكرية ودورها في حفظ الأمن والاستقرار في خضم موجات عميقة من الصراعات، وترويج مصطلحات صادمة، مثل الهيمنة فترات طويلة وتخريب الأحزاب وإفساد الحياة السياسية، لتخويف المجتمع المدني من نتائج الاندفاع وراء تأييد أي مرشح عسكري. الأمر الذي يقلل من حظوظ الزبيدي، ويكبح الميول الإنسانية والمواءمات الإيجابية والثقة الكبيرة في مؤهلاته السياسية.

يعتقد التنظيم الدولي للإخوان أنه قريب من الحكم في تونس الآن، وأن ثمرتها السياسية نضجت للسقوط في حجره عن طريق النهضة التي يمكن أن تقود للسيطرة على مفاصل القرار في الغرف الثلاث، الرئاسة والبرلمان والحكومة، علاوة على جانب معتبر في الإدارة المحلية، وهي فرصة (في نظره) تاريخية بالمعنى الحقيقي، لأن تعويم عبدالفتاح مورو يستند إلى أنه أحد رجالات النهضة المنفتحين، وله تاريخ من الاجتهادات خالف فيها قيادات الحركة، ما يرفع من نصيبه المعنوي داخل المجتمع المدني، ويبعثر أوراق المرشحين المنافسين.

يعيد تفوق النهضة في الانتخابات الرئاسية (إذا حدث) البريق لفكرة إمكانية التعايش مع التيار الإسلامي، ويؤثر على بعض التوازنات التي أكدت صعوبة القبول بذلك، وربما يوقف القناعات المتزايدة بصعوبة الوثوق فيه، ويجبر دوائر غربية على إعادة النظر في رؤيتها حيال ما يسمى بـ”المعتدلين” والتي تأثرت كثيرا بالسيل الجارف للعمليات الإرهابية التي قامت بها تنظيمات متطرفة في العالم، لأن الأفكار التي انطلقت منها تعود جذورها لجماعة الإخوان.

من غير المستبعد أن يكون التنظيم الدولي قد حصل على ضوء أخضر من قوى دولية لا تزال تتبنى فكرة مشاركة الإسلاميين في السلطة ت.

تمنح هذه المعطيات أهمية كبيرة لانتخابات تونس وتخرجها من إطارها المحلي، وتجعل عملية متابعتها وفهمها على صلة بسياقات إقليمية ودولية، وسوف تكون نتائجها مؤثرة على المدى البعيد، في حالة ارتفاع حظوظ النهضة أو انخفاضها، وقد ترسم معالم طريق جديد للتعامل مع تيار الإسلام السياسي، لمن عوّلوا على تقويضه كمركز للعنف في العالم، ومن رأوا فيه وسيلة لإخماده.

فهل تكون تونس بديلا للسودان، أم تلحق به وتتعزز عملية اقتلاع الإسلاميين من السلطة في المنطقة، لأنهم ليسوا أمناء عليها، وأفكارهم تتجاوز الأبعاد الوطنية الواسعة إلى مكونات إيديولوجية ضيقة.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية