التهديد الإرهابي في أمريكا محليّ وأبيض وأيديولوجي

التهديد الإرهابي في أمريكا محليّ وأبيض وأيديولوجي


كاتب ومترجم جزائري
13/10/2021

ترجمة: مدني قصري

بعد مرور عشرين عاماً على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ، يجب على الولايات المتحدة أن تواجه الحقائق: الخطر الرئيس الذي ينتظرها لا يأتي من المتطرفين المنتسبين إلى ما يسمّى "محور الشرّ"، لكن من الإرهابيين المولودين والمتعلمين في حضنها، الذين يتمّ تجنيدهم أحياناً في هذا الجيش، الذي يتم إرساله إلى أركان العالم الأربعة لمحاولة بناء دول وفق صورتها الأسطورية.

اقرأ أيضاً: اليمين الشعبوي ينتعش على وسائل التواصل الاجتماعي

في عددها الصادر في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، ذكرت "The Conversation"؛ أنّ "حوالي خُمس الأفراد العسكريين يقولون إنّهم لاحظوا علامات أيديولوجية تفوّق وهيمنة البيض  (supremacism(1، أو العنصرية داخل القوات المسلحة، مثل الاستخدام غير المقيد للشتائم العنصرية، والخطاب المعادي للسامية، وحتى المتفجرات المرتّبة عمداً على شكل صليب معقوف". ووفق تقرير صادر عن مايكل جيرمان، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، نشرته صحيفة "The Guardian"، في عددها الصادر في 27 آب (أغسطس) 2020، فإنّ تطبيق القانون يتسلل أيضاً على أيدي أتباع أيديولوجية تفوق البيض وهيمنتهم إلى أكثر من اثنتَي عشرة ولاية.

بالنسبة إلى الشرطة؛ هذه الأيديولوجية ليست نظرية بحتة، لقد تجسّدت بقسوة في جرائم قتل، مثل تلك التي حدثت  عام 2020 في مينيابوليس ضدّ جورج فلويد، 40 عاماً، وأتاتيانا جيفرسون (28 عاماً)، وفي عام 2019، في فورت وورث، ضدّ فريدي غراي (25 عاماً)، وفي بالتيمور عام 2015 ضدّ مايكل براون، البالغ من العمر 18 عاماً، وفي عام 2014 قُتل تامير رايس البالغ من العمر 12 عاماً برصاص شرطي أبيض، بينما كان يلعب بمسدس بلاستيكي في حديقة كليفلاند، وهذه القائمة، للأسف، ليست شاملة.

منذ اللحظة التي تولى فيها السلطة، أخذ جو بايدن الأمور على محمل الجدّ: نرى اليوم ظهور التطرف السياسي، وأيديولوجية تفوق وهيمنة البيض، والإرهاب المحلي، علينا مواجهتهم وسنهزمهم

كلّ هؤلاء الضحايا كانوا من السود، كما يذكّرنا بذلك فرانسواز كوست، الأستاذ في جامعة تولوز جان جوريس: كلّ ما يحدث في الولايات المتحدة له، عاجلاً أم آجلاً، علاقة بإرث العبودية، مع تقسيم السكان بين بيض وسود. كان نظام العبودية فظيعاً وبربرياً لدرجة أنّ السادة والسلطات السياسية سرعان ما أدركوا أنّ الأمر يتعلق بنظام لا مبرر له، لكن كان لا بدّ من تبريره، لأنّه كان لا بدّ من إدامته لأسباب اقتصادية.

تبرير غير المبرر

الأداة التي اختُرع لتبرير غير المبرر، خاصة عندما أرادوا أن يكونوا مسيحيين وأتباع الكتاب المقدس المخلصين، مع كلّ الرجال الذين اعتقدوا أنهم خلقوا على صورة الله، هي هيمنة البيض، وكانت الفكرة في تلك الفترة، أنّ السود جديرون بأن يكونوا عبيداً،  وأنّه لا مبرر للشعور بالذنب لأنّهم ليسوا بشراً مثلنا. وكان هذا الشعور قوياً جداً من الناحية النفسية؛ لأنّه كرّس مسألة الاستعباد باستقطاب "البيض الصغار"، أي البيض الذين لم يكونوا أغنياء بما يكفي لامتلاك العبيد.

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف في فرنسا خطط لقتل المسلمين عبر هذه الطريقة

لذلك تظلّ المسألة العنصرية مسألة مركزية لدراسة الخطر الإرهابي الذي يثقل كاهل الولايات المتحدة؛ فأياً كانت تسمياتها ومطالبتها المتكررة الخاصة باختفاء الدولة الفيدرالية، مصدر كلّ الشرور في عيونهم، فإنّ العنصريين البيض (معظمهم من "البيض الصغار") يعملون بشكل أساسي على إعادة تنشيط النضالات الأساسية لـ  كو كلوكس كلان   (Ku Klux Klan (KKK، سلفهم العظيم في مجال الكراهية العرقية.

من حادثة اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي

أدّت هذه المعارك، في حوالي عام 1870، إلى قيام الولايات الجنوبية بالترويج لقوانين جيم كرو (Jim Crow) التي تعيق ممارسة الحقوق الدستورية للأمريكيين الأفارقة المكتسبة في أعقاب حرب الانفصال. ومنها، على سبيل المثال، من التعديل الثالث عشر الذي ألغى العبودية، والتعديل الرابع عشر الذي منح الجنسية لأيّ شخص مولود أو متجنس في الولايات المتحدة وحظر أيّة قيود على هذا الحق، والقرار الخامس عشر الذي كفل حقّ التصويت لجميع المواطنين الأمريكيين، وهي القوانين التي لم يتم تطبيقها بالكامل إلا بعد عام 1964.

اقرأ أيضاً: بعد مقتل 4 أفراد من عائلة مسلمة.. هل تعلن كندا الحرب ضد اليمين المتطرف؟

إلى هذا الحقد تجاه الأمريكيين الأفارقة، أضافت الأجيال الجديدة من المتعصبين البيض الحقد في حق "اللاتينيين" والمسلمين والآسيويين، وبالطبع ضدّ مجتمع الميم، هو اصطلاح يشير إلى مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي وللمتحولين جنسياً (LGBTIQA +)،. ناهيك عن تكريس معاداة السامية، إرث آخر لـ "كو كلوكس كلان". 

"مقاولو أعمال العنف"

إنهم أعضاء في طائفة المؤامرة، كيو أنون (QAnon)، للقاعدة (The Base)، في إشارة إلى الأساليب التنظيمية والإرهابية لتنظيم القاعدة)، والأولاد الفخورين (Proud Boys) (أولئك الذين كان دونالد ترامب قد دعاهم إلى "الاستعداد" خلال المناظرة الرئاسية الأولى ضد جو بايدن)، أو في حركة الصلاة الوطنية (Patriot Prayer) المؤلفة من المسيحيين الأصوليين.

كلّ هؤلاء الضحايا كانوا من السود، بحسب فرانسواز كوست، الأستاذ في جامعة تولوز جان جوريس، حيث: كلّ ما يحدث في الولايات المتحدة له علاقة بإرث العبودية

 وكما صرّح فيجاس تينولد، المنفذ الإعلامي في (insider)، الباحث في مركز التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير، لـ "Insider"، فإنّ هاتين الحركتين الأخيرتين لديهما "أيديولوجية غامضة للغاية"، يمكننا فقط أن نقول إنّهما مؤيدتان للربّ، مؤيدتان للتعديل الأول (التعديل الذي يضمن حرية التعبير)، يشترك هؤلاء الأفراد جميعاً في الاعتقاد بأنّ "العرق" الأبيض متفوّق على الآخرين، والاعتقاد بأنّ هذه السيادة المفترضة في خطر، فلا شيء ممنوع إذاً للحفاظ عليها.

بالتواطؤ مع هؤلاء القادمين الجدد من اليمين المتطرف، هناك حوالي خمسة عشر مجموعة نازية جديدة، مثل: جبهة عاصفة (Storm Front)، وحزب الطليعة الاشتراكية القومية الأمريكية الذي اتخذ شعار هتلر "الدم والتربة"     " blood  and soil"، أو أيضاً قسم الاتوموافيين (الأسلحة النووية) (Atomwaffen Division) (AWD)، ومقرها الولايات المتحدة، لكن لديها "امتيازات" في المملكة المتحدة وألمانيا ودول البلطيق، هؤلاء الناس مستعدون لأيّ شيء، حتى الشروع في تفجيرات انتحارية.

 في مقال على الإنترنت، في حزيران (يونيو) 2019، قال أحد أعضاء "AWD": إنّ "ثقافة الاستشهاد والتمرد داخل مجموعات مثل طالبان والدولة الإسلامية أمر يستحق الإعجاب به، وتكراره في حركة النازيين الجدد الإرهابية. عام 2018، تم اعتقال مؤسسها وقائدها، براندون راسل، وتمت إدانته بحيازة جهاز تخريب ومواد متفجرة.

اقرأ أيضاً: كيف سيتعامل بايدن مع وصول أقصى اليمين الإيراني إلى الحُكم؟

تضاف إلى هذه القائمة، غير المكتملة، مجموعة عزاب لاإراديون "Incels) "involuntary celibates)، الذين يكرّس سجلُّهم كراهية متشددة ضد النساء، بإلقائهم اللوم على النساء بسبب عزوبتهم القسرية، فإنّ أتباع هذه المجموعة المحبطة، التي تم إنشاؤها عام 1993، والتي تقوم بالتجنيد الدولي عبر الإنترنت؛ لذلك يأخذها مكتب التحقيقات الفيدرالي على محمل الجد، بعد ارتكبها العديد من الهجمات الإرهابية. في أيار (مايو) 2014 قَتل أحدُ أتباعها، إليوت رودجر، ستة أشخاص بسيارة عملاقة، في جزيرة إيسلا فيستا، بكاليفورنيا، وألحق إصابات بأربعة عشر آخرين، رجالاً ونساءً، قبل أن يقدم على الانتحار.

ميليشيات متوافرة وجاهزة

إجمالاً، يقدّر عدد كلّ "رواد أعمال العنف" هؤلاء، على حدّ تعبير عالم السياسة برتراند بديع، بنحو 100000 شخص، وهذا قليل في بلد يزيد عدد سكانه قليلاً عن 328 مليون شخص، لكنّه يكفي لتطوير شبكات اجتماعية ضارة، لإنشاء محاور عبر الإنترنت، مثل MyMilitia، (بعنوان "شبكة باتريوت الأمريكية")؛ فهذه الشبكات تتيح العثور على ميليشيات متوافرة وجاهزة، أو حتى تأسيسها، لإنشاء منصات مثل: (Gab)، و(Discord)، و(Minds)، و(Bitchute)، وفتح منتديات، مثل: (Stormfront) و(IronForge)، لصياغة نظريتها حول "الاستبدال العظيم"، من أجل زعزعة استقرار العمليات الديمقراطية (يشهد على ذلك "الاستيلاء" على مبنى الكابيتول من قبل حفنة منهم)، وإطلاق العنان لأعمال إجرامية كبيرة.

وفق تقرير صدر في 17 حزيران ( يونيو) 2020 ، عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، فقد ارتكب المتطرفون اليمينيون ثلثي الهجمات والمؤامرات في الولايات المتحدة، عام 2019،  وأكثر من 90 ٪ بين 1 كانون الثاني (يناير) و8 أيار (مايو) 2020، كانت هذه الأرقام المقلقة هي التي دفعت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية (DHS) إلى الاستنتاج، في تقرير صدر في تشرين الأول (أكتوبر) 2020؛  أنّ "المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية والعرقية، خاصة المتطرفين العنصريين البيض (ESE)، سيظلون التهديد الأكثر استمراراً وفتكاً في الوطن".

موقف بايدن

منذ اللحظة التي تولى فيها السلطة، أخذ جو بايدن الأمور على محمل الجدّ، قائلاً في خطاب تنصيبه: "نرى اليوم ظهور التطرف السياسي، وأيديولوجية تفوق وهيمنة البيض، والإرهاب المحلي، علينا مواجهتهم وسنهزمهم، في حزيران (يونيو) 2021 ، كان أول رئيس يزور تولسا (أوكلاهوما) في حي غرينوود (الملقب بـ بلاك وول ستريت)؛ حيث قُتل مئات الأمريكيين السود على يد البيض، عام 1921، وفي هذه المناسبة، قال: "بعض ألوان الظلم شنيعة جداً، ومرعبة كثيراً، ومؤلمة للغاية لدرجة أنّه لا يمكن أن تظلّ مدفونة"، مضيفاً: "ما حدث في غرينوود كان عملاً من أعمال الكراهية والإرهاب الداخلي، مع خط عميق ما يزال قائماً حتى اليوم".

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف يتغلغل داخل الأجهزة الأمنية الفرنسية... ما علاقة قانون الانعزالية؟

كما أرسل تقريراً إلى مجلس النواب ومجلس الشيوخ يفيد بأنّ العنصرية العنيفة المتزايدة من قبل العنصريين البيض يمكن أن تتصاعد إلى هجمات جماعية قاتلة ضد المدنيين، وخلال جلسة الاستماع أمام الكونغرس، أكّد وزير الأمن الداخلي، أليخاندرو مايوركاس؛ أنّ الإرهاب المحلي هو أكبر خطر يواجه الولايات المتحدة، مضيفاً أنّ إدارة بايدن جعلت الظاهرة أحد أولوياتها.

وهذا إجراء ضروري بالتأكيد، لكن ألا يجب على أمريكا أن تسأل نفسها أيضاً، لماذا بعد مرور عشرين عاماً على أعظم عدوان على أراضيها، لم يعد الرعب يأتي من السماء، ولكن من الأحشاء؟

الهامش:

(1 ) تفوّق وهيمنة البيض (suprémacism): أيديولوجية عنصرية، تقوم على فكرة تفوق أولئك الذين ينظر إلى بشرتهم على أنها بيضاء من قبل الآخرين أو من قبل أنفسهم على البشر الآخرين.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية