الجاسوس إيلي كوهين: إسرائيل تفشل في مواجهة "الهجّان"

إسرائيل

الجاسوس إيلي كوهين: إسرائيل تفشل في مواجهة "الهجّان"


19/09/2019

بثّت شبكة "نتفليكس"، الشهر الماضي، مسلسلاً بعنوان الجاسوس "the spy"، تناول قصّة "إيلي كوهين"؛ الشاب اليهودي المصري المولد، الذي دفع به جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"  بهدف اختراق النخبة العسكرية والسياسية السورية الحاكمة، بين عامَي 1961 و1965.

الاستخبارات الإسرائيلية رأت في كوهين مشروع جاسوس جيد فتمّ إعداده كي يعمل في مصر لكنّ عدِّلت الخطة فذهب إلى دمشق

من خلال مشاهدة المسلسل القصير، الذي لم يزد عدد حلقاته عن ستّ حلقات، يظهر تأثّر جدعون راف، المؤلِّف والمخرج الإسرائيلي، بالمسلسل المصري "رأفت الهجّان"؛ الذي أُنتج في ثمانينيات القرن الماضي، وأحدث ضجّة عالمية، ولاقى شهرة في العديد من الدول العربية، وغيرها.
إلا أنّ محاكاة "راف" خرجت مشوّهة، فنياً ودرامياً، فلم يصل مستوى مسلسله إلى "رأفت الهجّان"؛ لا من ناحية التعاطف مع شخصية البطل، والالتصاق به، أو من جهة تشابك الأدوار، والبناء الدرامي المحكم، مع أنّ هناك هوّة زمنية بين العملين، كانت تسمح لــ "راف" باستخدام التطور الهائل في الإخراج التلفزيوني، والمونتاج، وطرائق السيناريو، وكتابة النصّ.

 

عقدة السفارديم
يبدأ المسلسل عام 1961؛ حيث يظهر "إيلي" كموظف حسابات عادي في أحد المتاجر في تل أبيب، لا يشعر بقيمته، ولا باهتمام المجتمع الإسرائيلي بذاته، فقدّم نفسه مرات للعمل في المخابرات الإسرائيلية، إلا أنّها لم تكن متحمّسة لتوظيفه.

محمد حسنين هيكل أكد أنّ أحد ضباط الاستخبارات المصرية كشف كوهين الذي كان تحت المراقبة قبل خروجه من مصر

يشير المسلسل، على نحو سريع وغير واضح، في سياق حديث يدور بين إيلي وزوجته اليهودية، نادية، العراقية الأصل، إلى تبرّم الزوج من عدم إدراك المجتمع الإسرائيلي، لدوره النضالي السابق، كعربي يهودي في مصر في منتصف الخمسينيات.
لم يظهر المسلسل الدوافع الحقيقية، لمخاطرة كوهين، الذي كان يعاني كغيره من اليهود الشرقيين "السفارديم" من نظرة اليهود الغربيين "الأشكنازيم" لهم، باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، فرغب بقوة في إثبات ذاته، وتحقيق مكانة تليق بمهاراته في الدولة العبرية، على الأقل أن يصبح سفيراً لدولته، أو رئيساً لها، لكن تمّت التضحية به في النهاية، من قبل القادة السياسيين، مقابل ضربة توجَّه إلى الجيش السوري، وهو ما أشارت إليه زوجته فيما بعد لوسائل الإعلام الغربية.
كوهين المصري
كان من الطبيعي أن يبدأ المؤلف قصة "كوهين" منذ أن كان شاباً في مصر، لا أن يبدأ قصته منذ تجنيده للعمل في سوريا، عام 1961، إلا أنّه لم يفعل، مع أنّ قصة إيلي في مصر تستحق إلقاء الضوء عليها؛ إذ إنّها تعدّ في عرف المجتمع الصهيوني، نضالاً يستحق الشكر والتقدير، إلا أنّ ذلك كان سيلقي الضوء أيضاً على خطأ ارتكبه "الموساد"، بما أنّه اختار شخصاً له ملف لدى الاستخبارات المصرية، كونه سقط في قضية تجسس وإرهاب قبل ذلك، كما أنّ ذلك كان سيظهر "إيلي" على أنّه شخص فشل مرتين، واحدة في الخمسينيات في مصر، والأخرى في سوريا، وهو ما حاول المؤلّف والمخرج عدم تسليط الضوء عليه.

اقرأ أيضاً: علي كوراني.. جاسوس زرعه حزب الله في مانهاتن الأمريكية
في الإسكندرية ولد كوهين، عام 1924، وسط عائلة غذّت فيه روح التطرف والتمرّد على المجتمع، والميل نحو تحقيق حلم الدولة الصهيونية، فانضم إلى منظمة "الشباب اليهودي الصهيوني".
وبعد انتهاء حرب 1948، شعر بالفخر تجاه الكيان الوليد، وأخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين.
عام 1949؛ هاجر أبواه وثلاثة من أشقائه إلى "إسرائيل"، بينما بقي هو في الإسكندرية، لاستكمال نشاطه السري؛ حيث عمل تحت قيادة، إبراهام دار، الذي أطلق على نفسه "جون دارلينج"؛ وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين، الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسّس، ومساعدة اليهود على الهجرة وتجنيد العملاء.

 


شكل "دارلينج" شبكة للاستخبارات الإسرائيلية بمصر، نفّذت سلسلة من التفجيرات استهدفت المنشآت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية، بغية توتير العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
ألقي القبض على أفراد الشبكة، عام 1954، في حادثة عرفت حينها بفضيحة "لا فون"، وبعد انتهاء التحقيق، تمكّن إيلي كوهين من إقناع المحققين ببراءة صفحته، إلى أن خرج من مصر عام 1955؛ حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز الموساد، ثم أعيد إلى مصر، لكنّه كان تحت عيون الاستخبارات المصرية التي لم تنسَ ماضيه، فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي على مصر، في تشرين الأول (أكتوبر) 1956.
كوهين الإسرائيلي
بعد الإفراج عنه، هاجر إلى "إسرائيل"، عام 1957، حيث استقر به المقام محاسباً في بعض الشركات وانقطعت صلته بالموساد لفترة من الوقت.
لم يكن من المنطقي، إذاً، أن يتمّ تجنيد "كوهين" للعمل كجاسوس، بإمكانه تقمّص شخصية عربية مسلمة، يكون بإمكانها التوغّل في مستويات عالية من السلطة.

 

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أول جاسوس بريطاني أعدمه "داعش"
لكنّ الاستحبارات الإسرائيلية رأت في كوهين مشروع جاسوس جيد، فتمّ إعداده في البداية كي يعمل في مصر، لكنّ الخطة ما لبثت أن عدِّلت، ورأى الموساد أنّ أنسب مجال لنشاطه التجسسي؛ دمشق.
بدأ إعداده كي يقوم بدوره الجديد، ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه على التكلم باللهجة السورية؛ لأنّه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية؛ حيث كان طالباً في جامعة الملك فاروق.
المسلسل برّر اختيار "كوهين" للمهمة؛ بأنّ مدير الموساد، ورئيس الأركان، يستعجلان إرسال جاسوس إلى دمشق، التي لا يعرفون ما يجري فيها، فبدلاً من إعطاء ضابط الاستخبارات المسؤول فرصة عامين لإنجاز المهمة، اختصرت في 6 أشهر فقط، وهو ما أراد المؤلف أن يدسّه في العمل، حتى يلقي بلوم غير مباشر على من كان السبب في الاستعجال، الذي جاءت عواقبه وخيمة.

 

تعاطف غير كافٍ
في مشهد بين كوهين وضابطه المسؤول، يسأله الأخير: هل أنت على استعداد لأن تتخلى عن زوجتك؟ هل أنت على استعداد لأن تضحّي بنفسك من أجل "إسرائيل"؟ فيجيب "كوهين" بعد تردّد: نعم.
لم يلهب المشهد الروح الوطنية، كما تفعل الدراما العربية في مثل هذه المواقف، ولم يستطع المؤلف أن يقنع المشاهد بأنّ سبب إرسال كوهين إلى دمشق هو إيقاف الاعتداءات التي كان يقوم بها الجيش السوري ضدّ المستوطنين اليهود بالقرب من الحدود، فسجل الجمعية العامة للأمم المتحدة مليء باعتداءات الجيش الإسرائيلي وطيرانه على سوريا والدول العربية المجاورة.
إلا أنّ إظهار المسلسل أنّ الحكم في الدولة بسوريا في ذلك الوقت كان لمن يستطيع احتلال مبنى الإذاعة، يقترب من الحقيقة ومن الواقع البائس التي كانت تحياه الأمة العربية في ذلك الوقت، بينما كانت إسرائيل تتمتع بنظام ديمقراطي يكفل لها الاستقرار والقوة في مواجهة أعدائها العرب.

اقرأ أيضاً: بالتفاصيل.. قصّة الجاسوس العراقي الذي اخترق داعش
فعل الموساد كما فعلت الاستخبارات المصرية مع رأفت الهجان، لكن بعد 7 أعوام من تجنيد "الهجّان"، إلا أنّ سيناريو الاستخبارات المصرية كان أكثر إحكاماً ودقة.
أرسل الموساد "كوهين" إلى الأرجنتين؛ باعتباره سورياً مسلماً يحمل اسم، كامل أمين ثابت، هاجر وعائلته إلى الإسكندرية، ثم سافر عمه إلى الأرجنتين، عام 1946، حيث لحق به كامل وعائلته، عام 1947، وفي عام 1952، توفَّي والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية كما توفّيَت والدته بعد ستة أشهر، وبقي كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.
قبلها كان كوهين قد تدرّب على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي، والكتابة بالحبر السرّي، كما راح يدرس في الوقت نفسه كلّ أخبار سوريا، ويحفظ أسماء رجالها السياسيين، والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة، مع تعلّمه للقرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي.
الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين

ثابت في الأرجنتين
في 3 شباط (فبراير) 1961، غادر كوهين إسرائيل إلى زيوريخ، ومنها حجز تذكرة سفر إلى العاصمة التشيلية، سانتياغو، باسم كامل أمين ثابت، لكنّه تخلف في "بوينس إيرس"؛ حيث كانت هناك تسهيلات معدَّة سلفاً كي يدخل الأرجنتين دون تدقيق في شخصيته الجديدة.

اقرأ أيضاً: "لا حصانة لإيران" مقابل "لا أمان لإسرائيل"؟
وفي الأرجنتين؛ حاول المؤلف أن يدخل بعض مشاهد الإثارة المفتعلة، التي لم تثبت صحتها، مثل التخطيط للتقرب من الجنرال أمين الحافظ، الذي لم يكن رئيساً لسوريا وقتها، لكنّه كان من المرشحين لذلك، وكيف اقتحم كوهين مكتبه ليصور مستندات خطيرة تخصّ السياسة العسكرية السورية، واستطاع كوهين بمعاونة عميلة للموساد قتل أحد أفراد طاقم الحراسة للأمين، والذي اكتشف أمر كوهين مبكراً، وإخفاء الجثة قبل أن يخبر أحداً.
وبمساعدة بعض العملاء تمّ تعيين كوهين في شركة للنقل، وظلّ لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية، كرجل أعمال سوري ناجح، فكوَّن لنفسه هوية لا يرقى إليها الشكّ، واكتسب وضعاً متميزاً لدى الجالية العربية في الأرجنتين، باعتباره رجلاً وطنياً شديد الحماسة لبلده.
تشويه العرب
لا ينسى المسلسل، في كلّ حلقة من حلقاته، أن يفتعل مشاهد مشوَّهة للعرب، على الطريقة الهوليودية، فيظهر زوجة أمين الحافظ وهي تتحرش بكوهين، على مرأى ومسمع من زوجها، وهي المبالغة التي يعرف كلّ عربي أنّه لا يمكن تمريرها.
وفي محاولة دخول كوهين إلى سوريا عبر الأراضي اللبنانية، محملاً بأجهزة تنصت، يستطيع كوهين، تمرير حقائبه بعد أن كادت تفتَّش، وذلك بعد أن منح ضابط الجمارك ساعته باهظة الثمن.

اقرأ أيضاً: هل زرعت إسرائيل عميلاً في صفوف حزب الله؟
وفي الشهور الأولى تمكّن كوهين، أو كامل، من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش والمسؤولين الأمنيين وقيادات حزب البعث السوري، عن طريق حفلات جماعية، كما يظهر في بعض مشاهد المسلسل.
وفي أيلول (سبتمبر) 1962؛ صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان، فتمكّن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة تصوير دقيقة مثبتة في ساعة يده أنتجتها الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية.
وفي عام 1964، زوّد كوهين قادته في تل أبيب بتفاصيل وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة، وفي تقرير آخر، أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز "ت-54" وأماكن توزيعها، وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من "إسرائيل" في حالة نشوب الحرب، وازداد نجاح كوهين، خاصّة مع إغداقه الهدايا على مسؤولي حزب البعث السوري.
أكذوبة الرجل الخارق
لم يأتِ المسلسل بجديد في كلّ هذه الأمور، التي كتبت عنها الصحف العربية، إلا أنّه أظهر قادة الجيش السوري وضباطه، على أنّهم غارقون في الفساد، كما أظهر كوهين كـ "سوبر مان" استطاع أن يخترق التحصينات العسكرية السورية في الجولان حتى وصل إلى السلك الشائك، ليخبر مزارعاً إسرائيلياً بأنّ عليه التوجّه إلى قائد الكتيبة، ليخبره بأنّ هناك هجوماً وشيكاً من قبل الجيش السوري بعد ربع ساعة، وهو ما أدّى إلى أسر المجموعة السورية المهاجمة.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع إسرائيل إيقاف العمليات الفردية في الضفة الغربية والقدس؟
وبعد أن رُشِّح كوهين لتولي منصب نائب وزير الدفاع السوري، بحسب المسلسل، ذهب بنفسه إلى "إسرائيل" ليقابل ليفي أشكول، ومعه نخبة من قادة الموساد، ليخبره بأنّ محمد بن لادن استجلب ماكينات ضخّ مياه لتوضع عند بحيرة طبريا، حتى تمنع الماء عن إسرائيل، فعندها يقرّر القادة الأمنيون أنّهم سيقومون بقصف تلك الماكينات، حتى لو تعرض كوهين للشكّ من أجل مصلحة "إسرائيل".
عام 1965، بعد 4 أعوام من العمل في دمشق، تمّ كشف كوهين، وهناك عدد من الروايات المتناقضة التي تتحدث عن ذلك، أما المسلسل فقد تبنى رواية الحكومة السورية في ذلك الوقت.
السقوط المدوي
سقط كوهين، اليهودي ذو الأصول المصرية، بينما لم يسقط "الهجّان"، المسلم المصري، وإن حاول المؤلف اعتبار سقوط كوهين وإعدامه مشهداً يستحق الاحترام، مع أنّ المجتمع العبري يحبّ النصر والنجاح أكثر من البطولة والتضحية.
هناك روايات عديدة في قضية سقوط كوهين، إلا أنّ المسلسل انحاز لرواية الحكومة السورية؛ فعندما كانت تمرّ أمام بيت كوهين سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السوري، وعندما ضبطت رسالة وجِّهت من المبنى الذي يسكن فيه، حوصر المبنى على الفور، وقام رجال الأمن بالتحقيق مع السكان، ولم يجدوا أحداً مشبوهاً فيه، ولم يجدوا من يشكّون فيه في المبنى، إلا أنّهم عادوا واعتقلوه بعد مراقبة البثّ الصادر من الشقة.
اكتشفه محمد وداد بشير، وهو مسؤول الإشارة في الجيش، الذي كان يعلم أنّ السفارات تبثّ وفق تردّدات محددة، واكتشف وجود بثّ غير مماثل لهذه التردّدات، فداهم سفارة أو سفارَتين، بعد الإذن بذلك، ثمّ رصدوا الإشارة مجدداً، وحددوا المكان بدقة وداهموا البيت، وقبضوا عليه متلبساً، وحاول أن يتناول السمّ، لكنّهم أمسكوه قبل ذلك.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستعين بالخنازير لمعالجة جنودها المصابين بأمراض نفسية وعقلية
هناك رواية أخرى تقول: إنّه كان يسكن قرب مقرّ السفارة الهندية بدمشق، وإنّ العاملين بالاتصالات الهندية، رصدوا إشارات لاسلكية تشوش على إشارات السفارة، وتمّ إبلاغ الجهات المختصة بسوريا، التي تأكّدت من وجود رسائل تصدر من مبنى قرب السفارة، وتمّ رصد المصدر، وبالمراقبة تمّ تحديد وقت الإرسال الأسبوعي للمداهمة وتمّ القبض عليه متلبساً.
لكنّ كثيراً من المحللين يرون أنّه من الصعب تصديق هذه الرواية؛ مبررين ذلك بأنّ العثور على شقة في العاصمة دمشق بجهاز رصد الموجات بالإمكانيات المتواجدة في ستينيات القرن الماضي، شبه مستحيل.
 الجاسوس المصري رفعت الجمال (رأفت الهجّان)

الهجّان يسقِط كوهين
وكانت رواية مصرية زعمت أنّ الجاسوس المصري رفعت الجمال (رأفت الهجّان) تعرّف إلى كوهين عندما رآه بملابس مدنية وسط مجموعة من الضباط السوريين، من ضمنهم الفريق (آنذاك) أمين الحافظ، في إحدى الصور، أثناء زيارتهم لبعض المواقع في الجبهة السورية، ليتذكّر الجمّال أنّه كان مسجوناً معه في مصر، فسارع بإبلاغ السلطات المصرية، التي بدورها أبلغت القيادة السورية بأمر الجاسوس.
أما الكاتب الصحفي المصري الراحل، محمد حسنين هيكل، فقد صاغ رواية أخرى، زعم من خلالها أنّ أحد ضباط الاستخبارات المصرية هو من كشف كوهين، الذي كان تحت المراقبة لنشاطه الصهيوني قبل خروجه من مصر في نهاية عام 1956، بعد رصده ضمن المحيطين بأمين الحافظ، في صور وصلت القاهرة خلال تفقده مواقع عسكرية بالجبهة السورية.

اقرأ أيضاً: هل ثمة جدوى من المقاطعة العربية للانتخابات الإسرائيلية؟
الرئيس السوري الأسبق، أمين الحافظ، نفى الرواية المصرية عدة مرات، آخرها في حواره المسجل بالعاصمة العراقية بغداد، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2001، ببرنامج "شاهد على العصر"، والذي أوضح فيه أنّ الكاتب والإعلامي العربي، عبد الهادي البكار، ذكر في كتابه "أسرار سياسية عربية"؛ أنّه من اخترع الرواية المصرية حول اكتشاف رأفت الهجان لجاسوسية كوهين؛ إذ قال البكّار في كتابه: "أنا وغسان كنفاني، الكاتب والصحفي الفلسطيني، لفقنا حكاية زيارة كوهين للجبهة السورية لحرمان نظام البيطار، رئيس الوزراء السوري حينها، من شرف اكتشافه".
لكن في عام 2004، نشر الصحفي الإسرائيلي، يوسي ميلمان، مقالَين (بالعبرية والإنجليزية)، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ذكر فيهما أنّ الرواية المصرية باتت الأصدق، بعد مقابلة السيدة فالتراود بيتون، أرملة الجمّال، بصحيفة "كايرو تايمز"، التي أكّدت فيها المعلومات المتداولة حول كشف الجمّال لكوهين بالرواية المصرية.
وما دعم الرواية المصرية أكثر؛ تكذيب نادية كوهين، أرملة الجاسوس الإسرائيلي، الروايات السورية الخاصة برصد موجات الإرسال، في مقابلتها مع صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، في نيسان (أبريل) 2018، موضحة أنّها ليست حقيقية، وأنّه لم يتم كشفه بمحض الصدفة؛ إذ كشفت قول زوجها لها في زيارته الأخيرة أنّه صار تحت المراقبة في سوريا، وأنّه على الأرجح تمّ الإيقاع به، ولذلك فإنّ لقاءه الأخير بها كان وداعياً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية