الجرافيتي تقي الدين سباتين لـ "حفريات": ريشتي تقاوم بشاعة الاحتلال

الجرافيتي تقي الدين سباتين لـ "حفريات": ريشتي تقاوم بشاعة الاحتلال


22/07/2021

أجرى الحوار: إبراهيم محمد

يحاول الفنان الفلسطيني، تقي الدين سباتين، التعبير عن عنصرية الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته، بالرسم على جدار الفصل العنصري، الذي يمر من أراضي مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية، لتكون هذه الجداريات معرضاً مكشوفاً في الهواء الطلق لجدارياته التي تدين الاحتلال الإسرائيلي، ليضرب جذور الفنّ المقاوم عميقاً في تاريخ النضال الفلسطيني التحرري.

وشيّدت إسرائيل جدار الفصل على امتداد 709 كيلومترات، أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عام 2002، بحجّة الحؤول دون تنفيذ هجمات من فلسطينيين ضدّها، حيث يطلق عليه الفلسطينيون "جدار الفصل العنصري"؛ إذ إنّه يمنع وصولهم إلى القدس، ويقطع أواصر المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها.

سباتين: اخترت الجدار لكونه أحد أكثر العناصر المرئية والملموسة بشاعة في الضفة الغربية

حاورت "حفريات" الفنان الجرافيتي سباتين، من قرية حوسان قضاء بيت لحم، وهو من مواليد عام 1988، وحاصل على شهادة بكالوريوس في الفنون الجميلة من الأكاديمية الدولية للفنون المعاصرة في مدينة رام الله، وله مشاركات في العديد من المعارض الجماعية، ويعدّ معرض "الأرض المقدسة" من أولى المعارض الفنية الشخصية له.

هنا نصّ الحوار:

لماذا اخترت جدار الفصل العنصري على وجه التحديد لرسم الجداريات الجرافيتية؟

اخترت الجدار لكونه أحد أكثر العناصر المرئية والملموسة بشاعة في الضفة الغربية، والذي كان هدفه الترويج لعنصرية الاحتلال من خلال بنائه لهذا الجدار، الذي يلتهم مساحات واسعة من أراضي المواطنين، أما اختياري بيت لحم، رغم مرور الجدار بمناطق واسعة من الضفة الغربية، فكان لتأثير الجدار على هذه المنطقة بشكل كبير، بعد أن قطع الهوية والحضارة والحياة عنها، وعزل التواصل بينها وبين مدينة القدس.

منذ متى تمارس رسم الجداريات؟ وهل تعرضت لمحاولات اعتقال من قبل الجيش الإسرائيلي على خلفية رسم هذه الجداريات؟

بدأت رسم الجداريات على جدار الفصل العنصري في بدايات عام 2017، وتعرّضت للاعتقال الشهر الماضي أثناء رسم إحدى الجداريات التي تتعلق باعتداء الاحتلال الإسرائيلي على الصحفيين، ورسمت عدسة القناص الإسرائيلي وعدسة الكاميرا، وكتبت بدل كلمة "Press" كلمة "Stress"، لإظهار حجم التوتر والضغوط التي تقع على الصحفيين أثناء عملهم، واتُّهمت من قبل الجيش بتخريب أملاك جيش الاحتلال.

كلّ عمل فنّي يمثّل تحدياً للاحتلال الإسرائيلي وعنصريته التي تظهر وجهه القبيح أمام العالم، والاحتلال يحاول بشتى الطرق منع انتشار هذا الفنّ، لعلمه بأثره على الرأي العام

وهنا لا بدّ من التوضيح أنّه عند رسم أيّة جدارية لا بدّ من اختيار المكان المناسب الذي لا يشكّل خطراً على الفنان للقيام بعمله، إضافة إلى ضرورة أن تكون الجدارية واضحة للمارة والعمال، وسائقي المركبات، والسياح الأجانب، وجميع شرائح المجتمع، حتى يتسنى إيصال الرسالة للجميع.

ما هي أبرز الجداريات التي رسمتها؟ وما هي الرسالة التي أردت إيصالها من الجداريتين؛ الأولى المتعلقة بالأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، والثانية للفلسطيني المصاب بمرض التوحّد إياد الحلاق؟

جميع الجداريات التي رسمتُها كانت تعبّر عن حالة أو قضية معينة تتعلق بانتهاكات الاحتلال بحقّ الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية والقدس، أو حتى في قطاع غزة، وخلال التصعيد الإسرائيلي الأخير بحقّ سكان حيّ الشيخ جراح، وسلوان وغزة، والداخل الفلسطيني المحتل، رسمت عدة جداريات كانت تحمل في طياتها معاني مهمة، وتوضح عنصرية الاحتلال التي يرتكبها بحقّ الشعب الفلسطيني أينما وجد.

سباتين: بدأت رسم الجداريات على جدار الفصل العنصري في بدايات عام 2017

أما بخصوص جداريتَي فلويد والحلاق؛ فالأول كان يصرخ بأنّه لا يستطيع أن يتنفس أثناء وضع الشرطي الأمريكي قدمه على رقبته، وهي طريقة عنصرية تشبه إلى حدّ ما العنصرية الإسرائيلية المتمثلة بجدار الفصل الذي يخنق الفلسطينيين، وكأنّه مشيَّد على رقابهم وليس على الأرض، بعد أن فصل حياة الفلسطينيين، أما بخصوص الشهيد إياد الحلاق فهو فلسطيني معاق يعاني من مرض التوحّد، أعدمته قوات الاحتلال بإطلاق النار عليه بشكل مباشر، وقد أردت من الجداريتين إيصال رسالة بأنّ العنصرية موجودة في كلّ مكان في العالم، وليس في الولايات المتحدة فقط.

ما هي الجدارية التي قمت برسمها وتحمل في نفسك أهمية ومكانة خاصة؟

كلّ الجداريات التي رسمتها تتناول موضوعات لا تقل أهمية عن الأخرى، لكن هناك جدارية للتعبير عن العدوان الأخير على غزة، وتظهر جندياً إسرائيلياً يرتدي قناعاً أبيض بعد أن خلع خوذته، وفي يده سلاح، ومقابله طفل يحمل وعاء بداخله سمكة، وفي هذه الرسمة، يخلع الجندي خوذته والقناع الزجاجي، ليظهر تحتها وجهه الحقيقي، وهو قناع منظمة "KKK" العنصرية، وفيها حاولت إظهار عنصرية الاحتلال وتشبيهه بهذه المنظمة، التي ارتكبت جرائم إرهابية في أمريكا، وتؤمن بالتفوق الأبيض، واضطهاد الأفارقة، وغير ذلك، في حين أنّ الطفل الذي كان يحمل حوضاً فيه سمكة كان للدلالة على الأطفال الذين استشهدوا خلال الحرب، وما نتج عنها أيضاً من تدمير للبيئة في غزة.

ما هي الرسالة التي تسعى لنقلها للعالم؟ وكيف من الممكن أن تكون هذه الرسالة أداة مهمة للحفاظ على الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية؟

الرسالة أن يعي العالم أنّ الشعب الفلسطيني هو رمز للشعوب المظلومة، ورمز للكفاح والمقاومة، وكذلك التركيز من خلال الفنّ، الذي يلعب دوراً مهمّاً في عمليات التحرّر، ولا تقلّ أهمية عن المقاومة المسلّحة، لدوره في نشر الوعي الثقافي بالعنصرية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحقّ الشعب الفلسطيني؛ لذلك يعدّ الفنّ والثقافة ظلّ البندقية في كلّ معركة، لأنّهما صوت الثورة الذي لا يهدأ.

كيف تجد التضامن والتفاعل، الشعبي والعالمي، مع الجداريات التي ترسمها، رغم وجود العديد من الجداريات العديدة لفنانين فلسطينيين وأجانب؟

هناك، بالتأكيد، تضامن شعبي ودولي مع الجداريات التي أرسمها، وفي أحيان كثيرة تداولت وسائل إعلامية أجنبية، أمثال "CNN" و"AFP"، وغيرها من المواقع والمجلات والصحف الدولية، جداريات كثيرة في أخبارها وعلى صفحاتها، حتى وصل الأمر لوضع جدارية فلويد كوسم لمحاكمة الشرطي الذي قتله، واختيارها من بين العديد من الرسومات التي قام رسامين من حول العالم بأدائها، وربّما اختيرت لأنّ ما وقع على فلويد من عنصرية يقع أيضاً على الفلسطينيين.

وهنا لا بدّ من الإشارة أنّ هذا الفنّ هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية التي لها دور في الوعي المجتمعي، للدفاع عن الأرض والكرامة والحرية المسلوبة ومواجهة العنصرية بمختلف أشكالها.

 هذا الفنّ هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية

هل أقمت معارض فنية للجداريات التي رسمتها؟ وما هي أهمية المعرض في توثيق المشهد الفلسطيني؟

 أقمت معرضاً في مدينة رام الله، عام 2014، وأطلقت عليه اسم "الأرض المقدسة"، وضمّ ما يقارب من 30 لوحة شملت رسوم للطبيعة الفلسطينية الخلابة، استخدمتُ فيها ألوان الأكريليك على القماش، لتظهر للمشاهد وكأنّها لوحات واقعية، وقد عرضت بعض هذه اللوحات في عدة دول أوروبية عبر شاشات عرض في معارض في فرنسا وإسبانيا ولندن.

هل يمكن القول إنّ قيود الاحتلال ومنعه من أداء الرسوم الجرافيتية من خلال إزالة عدد من اللوحات لفنانين فلسطينيين، يبيّن أثر هذا الفنّ في فضح عنصرية الاحتلال وجرائمه؟

هذا بالتأكيد، فكلّ عمل فنّي يمثّل تحدياً للاحتلال وعنصريته التي تظهر وجهه القبيح أمام العالم، والاحتلال يحاول بشتى الطرق منع انتشار هذا الفنّ، لعلمه بأثره الواضح والقوي على الرأي العام؛ لذلك نجد أنّ هناك العديد من الجداريات التي تظهر بها أعلام فلسطين، كالمرسومة في حي سلوان بالقدس والمهدد بالتهجير القسري، والتي أزالها الاحتلال.

كيف ترى واقع الجرافيتي في فلسطين؟ ولماذا يعدّ متنفساً للرسامين حول العالم للتحشيد الجماهيري ونشر ثقافة مقاومة الاحتلال العنصرية؟

الجرافيتي ظهر في فلسطين منذ اندلاع الانتفاضة االأولى عام 1987، وكان الرسامون يبدعون في الجداريات التي تحث على المقاومة، والتي كانت ترسَم على جدران المنازل وداخل الحارات، وهي من الطرق التي كانت تهدف لنشر الوعي بين الشباب، إلا أنّ قوات الاحتلال كانت تعدّ هذا الفن غير قانوني، وتفرض على صاحب المنزل الذي رسمت عليه الجدارية بأن يزيلها باستخدام مواد الطلاء، لتجنّب إثارة الشارع ودفعه على الانتفاض في وجه المحتلّ؛ حيث باءت جميع تلك المحاولات بالفشل، للإيمان الراسخ لدى الشباب الثائر بأهمية وعدالة قضيتهم في مقاومة الاحتلال ودحره عن أراضيهم.

ما هي الخطط المستقبلية التي تسعى إليها للنهوض بهذا الفنّ؟

ما أرنو إليه في المستقبل هو انتشار جدارياتي في مختلف مناطق الضفة الغربية، وليس فقط في بيت لحم، من خلال الرسم في كلّ محافظة، بما يعبّر عن الفئة الفلسطينية الموجودة فيها، وعن تراثها أيضاً، وذلك بالشراكة مع وزارة الثقافة الفلسطينية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية