الجزائر: أزمة مركبة

الجزائر: أزمة مركبة


24/03/2019

آمال موسى

يمكن أن يحصل نفس الشيء في بلدين مختلفين ولكن التداعيات والمعاني والقراءات لا تكون نفسها. هذه الملاحظة يبدو لي أنّها تنطبق على الجزائر بشكل كبير، ذلك أن الحراك الشعبي الذي دخل شهره الثاني ليس من السهل إطلاقاً تبني موقف واضح وصريح وواثق منه، باعتبار أننا أمام بلد كبير ديموغرافياً وجغرافياً، وبلد يعتبر الأقوى مغاربياً ويتمتع بثروات طبيعية وتنوع عرقي وعرف أحداثاً صعبة وتاريخية منذ الاستقلال إلى اليوم.
إننا نتحدث عن حراك شعبي هائل في بلد المليون شهيد والبلد الذي عاش عشرية سوداء أنهكته وخلفت جراحاً في الأسرة الجزائرية. كما أننا نتحدث عن بلد يتمتع فيه الجيش باعتبارية وسلطة مهمة وقوية.
بمعنى آخر فإننا أمام أزمة جزائرية مركبة جداً وتستدعي يقظة مضاعفة كي لا يتم تحويل وجهة الحراك الشعبي إلى تلك الجروح التي لم تندمل بعد.
الواضح أن الأزمة في طريق التنامي والازدياد. فالرفض بصدد التضاعف وهو ما يعني مبدئياً أنه لم تتم إدارة مطالب الحراك الشعبي الأولية بشكل صائب، فكانت النتيجة أن المطالب تغيرت وأصبحت جذرية؛ في البداية رفض الحراك الشعبي ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة ولكن طبيعة الاستجابة لهذا الرفض التي قبلت عدم الترشح ولكن أعلنت تأجيل الانتخابات هي التي مثلت الشرارة التي أدت إلى تغير نوعي في المطالب التي أصبحت تدعو إلى تنحي النظام برمته.
إذن حصل مزيد من التأزم.
طبعاً لا فائدة في التوقف طويلاً عند خطأ الترشح ذاته وأنه كان من المفروض تهيئة البيئة الجزائرية سياسياً لانتخابات يسلم فيها الرئيس بوتفليقة الحكم لغيره، خاصة أن لبوتفليقة اعتبارية خاصة وهو من قاد تجربة المصالحة الجزائرية بنجاح مبهر وعرف كيف يجعل الجزائريين يتجاوزون تجربة صعبة من أجل الأجيال القادمة ومن أجل الجزائر التي توقفت عن الحياة والتقدم عشرية كاملة.
ما نلاحظه الأن أزمة تواصل بين الشعب والنظام وأداء سيئ في إدارة الأزمة. ومن مظاهر ذلك تزايد الحراك الشعبي ومظاهرات يشارك فيها مئات من المتظاهرين. أي أن التصدعات في الأطراف الداعمة للرئيس بوتفليقة بصدد التكاثر منها استقالة ألف من حزب التجمع الوطني الديمقراطي المشارك في الائتلاف، ناهيك عن إعلان حزب بوتفليقة نفسه مساندته للحراك الشعبي مع الدعوة إلى الحوار من أجل الخروج من الأزمة. وحتى الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر نقابة في الجزائر، بدأ يعرف نزيفاً وانشقاقات بسبب مناصرته للرئيس بوتفليقة.
فالوضع بدأ يضيق على الفريق الحاكم، خاصة أن الجولة الدبلوماسية لبعض الدول الكبرى استفزت الحراك الشعبي ورأت فيه تدخلاً أجنبياً مرفوضاً.
نعتقد أن الأمر في الجزائر لا يمكن أن يكون آلياً وسهلاً كما يريد الحراك الشعبي رغم مشروعية مطالبه ونجاحه في استقطاب أطراف مهمة رمزياً داخله، ولكن هناك أخطاراً تحدق بالجزائر في صورة تلبية المطالب بسرعة ودون تهيئة البلاد لذلك، خاصة أن أي فراغ يحدث في الجزائر يعني تضرر المغرب العربي بشكل كبير، ويعني أن الإرهابيين الذين تلاحقهم الجزائر أكثر من أي بلد مغاربي آخر، وهي الماسكة بتفاصيل ملف الإرهاب وأسراره، سيجدون الفرصة سانحة... لذلك فإن المسألة تستدعي تهيئة عملية انتقال السلطة بشكل حذر وذكي ودقيق.
إن أمن المنطقة المغاربية في جزء وافر منه تحت قبضة الجزائر، وأي تهديد بالفراغ أو توظيف الاحتجاجات من طرف المترصدين بالجزائر وبالمغرب العربي وتحديداً الإرهابيين، يعني تهديداً مباشراً لتونس أيضاً مثلاً.
المشكلة أن تفاجؤ النظام بالحراك الشعبي وخاصة باتساعه السريع والكبير، منعه من اتباع خطة اتصالية واضحة ومقنعة، حيث تم الاكتفاء بإعلان تأجيل الانتخابات دون توضيحات وتفسيرات مقنعة وشفافة، ففهم المحتجون أن هناك التفافاً حول مطالبهم.
لم يفت الوقت بعد كي يتدارك الفريق الحاكم برئاسة بوتفليقة الوضع ويصبح طرفاً في عملية التغيير المنشودة، وحفظ الكرامة بعدم التخلي عن الجزائر، من خلال الاستسلام للعناد والرفض المضاد وإعطاء الفرصة لمن يتربصون بالجزائر الشر والإرهاب.
إن الحراك البسيط الذي حصل في 2011 لا يشبه في شيء الحراك الشعبي الراهن. كما أنه بات واضحاً للجميع أن الشعب الجزائري قال كلمته الأخيرة واتخذ قراره، والكرة الآن في شباك الرئيس بوتفليقة الذي كان دوماً عنوان اتفاق الجزائريين وليس من مصلحته أو من مصلحة الجزائر ألا يظل كذلك في الذاكرة.

عن "الشرق الأوسط" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية