الجزائر والأزمة الليبية

الجزائر والأزمة الليبية


24/02/2020

بوبي جوش

وسط تعالي الأصوات الدولية المتنافرة بشأن الحرب الأهلية في ليبيا، كان من السهل تجاهل صمت الجزائر، خاصة أن هذا البلد الأكبر في شمال أفريقيا كان جد منشغلاً بشؤونه الداخلية حتى يسهم في الحوار بشأن النزاع المتواصل إلى الشرق.
اليوم، تحاول حكومة جديدة في الجزائر إسماع صوتها وسط هذه الجلبة.
ولنلق نظرة هنا على كل البلدان التي لها مصلحة في الحرب الأهلية الليبية. فكل واحد من الطرفين الرئيسيين – «حكومة الوفاق الوطني» المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر – لديه عدد من الداعمين. ف«حكومة الوفاق الوطني» تتلقى دعماً عسكرياً مهماً من تركيا، ومساعدة مالية من قطر، وبعض الدعم الدبلوماسي من إيطاليا. هذا في حين تشمل قائمة داعمي حفتر كلا من روسيا وفرنسا. كما تتميز ساحة المعركة بتشكيلة متنوعة من المرتزقة والإرهابيين.
كل هذا مزعج جداً للجزائر، التي تواجه عواقب انعدام الاستقرار السياسي في البلد المجاور – تدفق للاجئين، ليس لليبيين فقط ولكن أيضاً للأفارقة من جنوب الصحراء وتسلل الإرهابيين. وقد ارتفعت تكاليف تأمين حدود الجزائر مع ليبيا منذ هجوم إرهابي على محطة للغاز في 2003 أسفر عن مقتل أكثر من 40 من العمال، معظمهم أجانب. ويعتقد أن العديد من الإرهابيين المنتمين إلى «القاعدة» تسللوا إلى البلد من ليبيا.
الجزائر، التي تعتبر نفسها ذات أهمية مركزية في شمال أفريقيا، كانت تاريخياً مرتابة في أي وجود أجنبي في جوارها. وكان النظام في الجزائر سيكون الوسيط المنطقي في النزاع الذي اندلع عقب سقوط معمر القذافي في أواخر 2011.
بيد أن اعتلال صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي لعب دوراً مهماً في شؤون منطقتي المغرب العربي والساحل لوقت طويل، كان يعني أن الجزائر لا تستطيع فرض نفسها على الشؤون الليبية. وحتى في الوقت الذي تدخلت فيه دول أخرى، ضعف سعي الجزائر وراء الصدارة الإقليمية – وكذلك اقتصادها المدعوم بالنفط والغاز والحكومة المستقرة.
والواقع أنه حتى قبل أن ترغم حركة شعبية بوتفليقة على الاستقالة الربيع الماضي، كان أبطال الدراما الليبية يتجاهلون تحذيرات الجزائر بشأن انعدام الاستقرار. فالجزائريون اعترفوا بـ«حكومة الوفاق الوطني»، ولكنهم حاولوا الإبقاء على الحياد، فشجعوا الطرفين المتناحرين على إيجاد حل سلمي. هذه الجهود التي تستهدف الدبلوماسية لم تكن تضاهي الأسلحة والأموال التي ينفقها اللاعبون الآخرون.
وفي الأسابيع الأخيرة، حاولت الحكومة الجديدة في الجزائر العاصمة إعادة تأسيس المساعي الحسنة للبلاد كحَكم إقليمي. وفي هذا الصدد، استضافت الجزائر الشهر الماضي وزراءَ خارجية الدول التي لها حدود مع ليبيا من أجل بحث الوضع. الاجتماع أثمر مناسبة لالتقاط الصور، ولكن سرعان ما غطى عليه بسهولة مؤتمران أكثر أهمية حول ليبيا في موسكو وبرلين.
والحقيقة أن الزعيم الجزائري الجديد الرئيس عبد المجيد تبون لديه أولوياته الآن، وهي معالجة المشاكل التي كانت وراء خروج المحتجين إلى الشارع وولادة «الحراك» العام الماضي، وليبيا ليست واحدة منها. وفي هذا الإطار، أفرج تبون عن كثير من السجناء ووعد بإصلاحات دستورية، وبتطهير الحكومة من عناصر النظام القديم، وباستعادة الأموال المختلسة من قبل شخصيات من النخبة الحاكمة السابقة.
ويمكن القول إن التحدي الأكبر بالنسبة لـ«تبون» هو إعادة إحياء الاقتصاد الجزائري، وهي مهمة لا يساعد عليها انخفاض أسعار النفط. وقد وصف رئيس وزرائه عبد العزيز جراد صحةَ الاقتصاد بـ«الدقيقة»، لافتاً إلى أن الدين العام ارتفع من 26 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 45 في المئة خلال العامين الماضيين.
جراد قد يكون محقاً في أن كل هذا هو «التركة الكارثية» لبوتفليقة، ولكن إصلاح الضرر سيكون صعباً بشكل مضاعف بسبب انخفاض أسعار النفط، ذلك أن عائدات المحروقات التي بلغت 30 مليار دولار خلال الـ11 شهراً الأولى من 2019 مثّلت انخفاضا قدره 14.5 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها قبل عام. كما انخفضت احتياطات النقد الأجنبي بـ10.6 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأخيرة. غير أن خفضاً كبيراً للإنفاق يظل مستبعداً: ذلك جراد لا يستطيع لمس المواد الغذائية، والوقود، والأدوية تجنباً لاضطرابات اجتماعية، وذلك خشية اندلاع موجة أخرى من الاحتجاجات.
وبالنظر إلى هذه الأزمات الداخلية، سيتعين على آمال الجزائر في لعب دور في إنهاء الأزمة التي يتخبط فيها البلد الجار أن تنتظر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية