الجزائر وخطر "الإسلام السياسي"

الجزائر وخطر "الإسلام السياسي"


01/02/2020

عبدالله جمعة الحاج

بانتخاب رئيس جديد، ثم بعد ذلك، وفاة أحمد قائد صالح، دخلت الجزائر مرحلة جديدة من تاريخها الحديث. وفي الوقت نفسه، فإن استمرار المظاهرات والاحتجاجات والخروج إلى شوارع المدن الكبرى، خاصة الجزائر العاصمة يزيد المشهد الجزائري تعقيداً، ويشير كثيراً إلى أن تنظيمات عدة تنتمي إلى التيار الإسلامي والإسلام السياسي هي التي تقف وراء كل ما يحدث، وتؤجج الحالة لكي تذهب باتجاه الفوضى التي يراهن عليها الإسلام السياسي وقادته ومنظروه، خاصة «الإخوان المسلمين» في العالم العربي ضمن ما يعرف في أدبياتهم الحديثة بـ «الفوضى الخلاقة».
الإسلام السياسي في الجزائر ليس بظاهرة جديدة، فقد ظهر باكراً أثناء وجود الاستعمار الفرنسي، لكنه لم يكن مرتبطاً بالتطرف والعنف. كان إسلاماً سياسياً غير عنيف ويعود إلى الأيام الأولى للاحتلال الاستعماري، وربما إلى ما قبل ذلك، وهو حديث يطول شرحه، لكن أحداث خطيرة منذ أكتوبر 1988 حولت الأمر إلى شيء آخر جديد.
المظاهرات الدموية التي اندلعت آنذاك، والتي خرج أثناءها الآلاف من الشباب الجزائري إلى الشوارع لكي يتظاهروا ضد ما شهدته البلاد من تدهور اقتصادي وحاجات مجتمعية لا يمكن الوفاء بها كالتعليم، والخدمات الصحية المناسبة، والبطالة بسبب النقص في عدد الوظائف المتاحة، والنقص في خدمات الإسكان التي توفرها الدولة، هذا بالإضافة إلى تفشي أنماط من الفساد التي لم تشهد لها الجزائر من قبل مثيلاً، أدت إلى تحول نمط الإسلام الإصلاحي والوسطي السائد إلى حركة سياسية وجدت لها من يغذيها وينفخ فيها.
لقد ظهر جيل جديد من الشباب الجزائريين المؤدلجين والناشطين سياسياً على أسس دينية إسلامية. وشُحن هؤلاء الشباب بفكر يقوم على لزوم إصلاح الدولة والمجتمع لا يقوم فقط على الحراك الاجتماعي السلمي وعلى التعليم، ولكن عبر الضلوع المباشر في العملية السياسية - شتى الوسائل الممكنة والمتاحة، ولو كان ذلك عن طريق العنف، وهو تطور خطير أدى إلى ما أدى إليه من عنف شديد في أعقاب انتخابات عام 1991، التي سرعان ما ألغيت بعد أن تبين بأن عناصر من التيار الإسلامي قد تفوز بها فوزاً كاسحاً.
ومع استمرار المظاهرات الحالية وتكرارها جمعة بعد أخرى، تنشأ مخاوف من عودة الإسلام السياسي إلى الساحة بقوة، فقادته وعناصره قد يكونون هادئين في هذه المرحلة، لكنهم يعملون دون شك للعودة إلى الساحة والواجهة عندما تحين لهم الفرصة المناسبة، فهدفهم الاستراتيجي هو الوصول إلى السلطة السياسية، ومن بعدها الثروة وإنْ طال الزمن.
فبالعودة إلى فكر الناشطين منهم من الأجيال الجديدة كسعيد مخلوفي على سبيل المثال، نلاحظ بأنهم أكثر عداءً للدولة الوطنية وأكثر عنفاً وتطرفاً.
«سعيد مخلوفي» الذي كان ضابطاً في الجيش الجزائري نشر في عام 1991 كراسة أسماها «العصيان المدني: أُسسه وأهدافه ووسائله وطرق ممارسته»، ووزعت على نطاق واسع في مساجد القطر الجزائري إلى أن منعت الحكومة تداولها يقول فيها بأن «الديمقراطية، هي مجرد وسيلة تستخدمها الدولة لكي تثني الشعب عن تحقيق تطلعاته، وبأن وجهة نظر الأغلبية لا يمكن أن تؤخذ في الحسبان عندما يتم التحضير لإقامة الدولة الإسلامية».
ما تحتاجه الجزائر الآن هو العودة إلى الهدوء خوفاً من تطور الأوضاع إلى ما هو أسوأ، ويستطيع الرئيس الجديد أن يعمل في هذا الاتجاه عن طريق القيام بإصلاحات اقتصادية سريعة، لكن يجب أن تكون فعالة لكي تصل نتائجها إلى المواطن الجزائري سريعاً وبشكل مجزي ينزع فتيل الاحتجاجات القائمة حالياً، فهذه المظاهرات الصاخبة تحدث لأن المواطن الجزائري يريد الإصلاح على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي الذي ينعكس عليه في حياته ومعيشته ومستقبل أبنائه وليس لكي يحمل أصحاب الإسلام السياسي إلى السلطة.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية