"الجماعة الإسلاميّة" الإخوانيّة في باكستان وسياسة الأرض المحروقة

"الجماعة الإسلاميّة" الإخوانيّة في باكستان وسياسة الأرض المحروقة


14/02/2022

تواصل الجماعة الإسلاميّة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في باكستان، جهودها الرامية إلى تشتيت جهود الحكومة، وإثارة الاضطرابات السياسيّة، من خلال تأليب الشارع الباكستاني، عبر توظيف الشعارات الدينيّة، واستغلال الفقراء، والدفع بهم نحو مواجهات متتالية مع الشرطة، من خلال تنظيم تظاهرات واعتصامات شبه يوميّة، وتجاهل تفشي الحالة الوبائيّة في البلاد، من أجل العودة للمشهد السياسي.

توظيف انتهازي لقضية كشمير

اعتاد سراج الحق، أمير الجماعة الإسلاميّة، على التقليل من جهود الحكومة من الناحية الاقتصاديّة، وتجييش العاطلين عن العمل، والدفع بهم نحو مواجهات عبثيّة، ففي بيان أصدره مؤخراً في لاهور، اتهمّ سراج الحق، الحكومة بالخيانة والتفريط في قضية كشمير، وأنّها سقطت أخلاقياً وسياسياً بسبب هذا الأمر، مطالباً باستقالة رئيس الوزراء عمران خان.

وقبل أيام ظهر أمير الجماعة الإسلاميّة في بيشاور، ليحرّض الرأي العام من جديد، عبر توظيف مسألة كشمير مرة أخرى، زاعماً أنّه "على مدار الـ 75 عاماً الماضية، كانت الأمة الكشميرية تتوق إلى الاستقلال، وبينما الجيش الهندي يرتكب إبادة جماعية في كشمير، يرفض عمران خان مواجهة التحدي الهندي، كما فشلت الحكومة في عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير".

اقرأ أيضاً: شطب التمثيل الإخواني بالمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا.. ماذا بعد القرار؟

جدير بالذكر أنّ قضية كشمير، تأتي على رأس أولويات حكومة عمران خان، والذي حذّر أكثر من مرة من تداعياتها، مؤكّدا أنّ "العالم لا يمكنه تجاهل كشمير، وإذا حدث ذلك، فسنكون جميعاً في خطر نشوب حرب نووية".

 

ظهر أمير الجماعة الإسلاميّة في بيشاور، ليحرّض الرأي العام من جديد، عبر توظيف مسألة كشمير مرة أخرى

 

ففي مقال كتبه رئيس الوزراء في صحيفة "نيويورك تايمز"، في وقت سابق، لفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضية كشمير، محذراً من نشوب حرب نووية، قائلاً: "إذا لم يفعل العالم شيئاً، لوقف الهجوم الهندي على كشمير وشعبها، فعندئذٍ سوف تقترب القوتين النوويتين المسلحة أكثر، من المواجهة العسكرية المباشرة".

استراتيجية الاعتصامات

لأكثر من شهر مضى، دخل أنصار الجماعة الإسلاميّة اعتصاماً مفتوحاً في كراتشي، ضد قانون الحكم المحلي في السند، وهدّد أمير الجماعة الإسلاميّة، سراج الحق، مخاطباً المشاركين في الاعتصام، بالتصعيد، في حال عدم الاستجابة لمطالبه قبل 27 شباط (فبراير) الجاري.

من جهته، زعم أمير الجماعة الإسلامية في كراتشي، حافظ نعيم الرحمن، أنّ حكومة السند المحليّة، استولت على الهيئات الحكوميّة، بما يخالف الدستور الباكستاني، في محاولة لتفكيك بنية الحكم المحلي، وفتح ثغرات دستورية، يمكن من خلالها أن تتسلل الجماعة إلى مؤسسات السلطة، وكذا النقابات العمالية.

 

اقرأ أيضاً: ماذا يعني استبعاد الإخوان من مجلس المسلمين بألمانيا؟

كما نظمت الجماعة الإسلاميّة اعتصاماً في غوجارات، خطب فيه أميرها المركزي، الذي زعم أنّ الحكومة خاضعة للبنك الدولي، حيث قال: "نريد تشريعاً من أجل تحسين حياة الناس، لا نريد ذلك بأمر من صندوق النقد الدولي". وأضاف: "كل التصريحات الصادرة عن الحكومة، تبين أنّها فاشلة، عمران خان لم يقل الحقيقة، خلال ثلاث سنوات ونصف، هذه الحكومة ارتكبت عملية احتيال كبرى على الشباب".

 

زعم أمير الجماعة الإسلامية في كراتشي، حافظ نعيم الرحمن، أنّ حكومة السند المحليّة، استولت على الهيئات الحكوميّة، بما يخالف الدستور الباكستاني، في محاولة لتفكيك بنية الحكم المحلي

 

 سراج الحق هدّد في وقت سابق، بتنظيم سلسلة من الاعتصامات، بداية من يوم 6 شباط (فبراير) الجاري في جميع أنحاء البلاد. وأضاف: "لقد شهدنا الأحكام العرفيّة لمدة 35 عاماً، وشهدنا النظام الرئاسي، ولكن البلاد لم تحرز تقدماً". كما استخدم الشعارات الدينيّة، لتأجيج مشاعر الجماهير، متهماً الحكومة بمعاداة الدين الإسلامي، حيث زعم أثناء مخاطبته أحد التجمعات في المركز الإسلامي أنّ "النظام الإسلامي لم يسُد يوماً واحداً، خلال 74 سنة". واستطرد: "تمّ تقديم مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ؛ لجعل يوم الجمعة عطلة، ورد عضو من حزب حركة الإنصاف الحاكم، بأنّه لا يمكن تغيير عطلة يوم الأحد".

وفي السادس من شباط (فبراير) الجاري، قال المتحدث الإعلامي للجماعة الإسلاميّة، قيصر شريف، إنّ الجماعة الإسلاميّة أطلقت بالفعل أكبر حركة مناهضة للحكومة الباكستانيّة، وأكّد قيصر شريف، في بيان صدر من لاهور، أنّ أول اعتصام من بين 101 اعتصام للحركة المناهضة للحكومة، سينظم في ولاية غوجارات، كما أعلن أنّ الجماعة الإسلاميّة ستنظم اعتصاماً يوم 13 شباط (فبراير) في شيخوبورا، وآخر يوم 18 شباط (فبراير) في غوجرانوالا.

كما لفت إلى أنّ اعتصام الجماعة الإسلاميّة المركزي، سيعقد في إسلام أباد، وسيتم الإعلان عن الموعد النهائي للاعتصام في وقت لاحق.

تصريحات هجومية وأكاذيب متتالية

في الحادي عشر من شباط (فبراير) الجاري، عاد سراج الحق، إلى تصريحاته الهجوميّة، حيث وصف أمير الجماعة الإسلاميّة، أداء رئيس الوزراء، عمران خان، والوزراء الفيدراليين بأنّه صفر، وزعم في بيان صادر من لاهور، أنّ مؤسسات البلاد في تدهور مستمر، وأنّ الناس محبطون من أداء الحكومة، ويريدون الإغاثة الفورية منهم. مضيفاً في لهجة تحريضيّة: "إنّ الوقت قريب، والآن الشعب سيقرر، ما إذا كان سيستمع إلى هؤلاء الوزراء، أم لا". واستطرد: "صندوق النقد الدولي يمنحنا قروضاً بشروطه الخاصّة، لقد جعل الحكام الحاليون كل باكستاني عبداً لصندوق النقد الدولي، وتمّ استعباد شعب باكستان الإسلاميّة النووية، من قبل المؤسسات المالية الدولية". واعتبر، سراج الحق، أنّ قروض البنك الدولي هي نوع من الربا، وبه تشن الحكومة حرباً على الله!

سراج الحق ادعى كذلك أنّه تمّ تسليم المجتمع إلى منظمات المجتمع المدني الغربية، مثلما تم تسليم الاقتصاد إلى صندوق النقد الدولي. وأضاف مستخدماً الغطاء الديني كعادته: "الحكام رفعوا العلم الأمريكي، بدلاً من الإسلام". زاعماً أنّ "مستشار الأمن القومي نفسه، اعترف بأنّنا عبيد لواشنطن".

الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسيّة، خص "حفريات" بتصريحات، أكّد فيها أنّ الجماعة الإسلاميّة تحاول التصعيد في الشارع، منذ انسحبت باكستان من قمة كوالامبور، حيث شعر الحزب الإخواني أنّ عمران خان، رئيس الوزراء، غير متحمس للمشروع التركي في آسيا، والمرتبط سياسياً بالإخوان المسلمين، عبر عدة محاور، تبدأ من باكستان، وتنتهي بماليزيا وإندونيسيا، وترتكز على الأذرع السياسيّة للإخوان المسلمين في آسيا، مثل الحزب الإسلامي الماليزي (باس)، وحزب العدالة والرفاهية الإندونيسي، وبالطبع الجماعة الإسلاميّة الباكستانية.

عبد السلام القصاص: توظيف الدين ليس بجديد على أمير الجماعة الإسلاميّة لكن اللافت هنا هو استخدام شعارات اليسار لحشد وتجييش الفقراء لصالح الأجندة الإخوانيّة وتجاهل الجهود المضنية لحكومة عمران خان

القصاص لفت إلى أنّ توظيف الدين ليس بجديد على أمير الجماعة الإسلاميّة، سراج الحق، لكن اللافت هنا هو استخدام شعارات اليسار، من أجل حشد وتجييش الفقراء، لصالح الأجندة الإخوانيّة، وتجاهل الجهود المضنية لحكومة عمران خان، طيلة السنوات الثلاث الماضية، والتي نجحت اقتصادياً في توفير ائتمان متجدد وضخم، ووضعت سياسات ساعدت على زيادة معدل التصدير، ورفع معدلات المعاملات الداخلية، مع حل إشكاليات الوضع المالي المتقلب.

وأكّد القصاص، أنّ الحكومة الباكستانيّة، اتبعت سياسة الإغلاق الذكي، ونجحت في تحفيز صناعة البناء، وعمّمت برامج الحماية الاجتماعية، والإعانات المقدمة للصناعات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ما ساعد الاقتصاد على التحرك بشكل أسرع، وتجاوز أزمة ميزان المدفوعات في العام 2018، وهي بحسب توصيف رئيس الوزراء نفسه، الأسوأ على الإطلاق في تاريخ البلاد، بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية، بسبب الركود، وارتفاع أسعار السلع في السوق العالمية، والأزمة الإنسانيّة في أفغانستان، التي ألقت بظلالها على باكستان، ورغم كل هذا، فإنّ النمو مستمر، على الرغم من الآثار المباشرة وغير المباشرة لتداعيات فيروس كوفيد-19على باكستان، ونسبة النمو المتوقعة تفوق الــ 4٪، وهو إنجاز اقتصادي كبير.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية