الجمهورية الإسلامية المتفككة

الجمهورية الإسلامية المتفككة


01/02/2018

فاجأت التظاهرات الأخيرة في إيران الكثيرين، وخاصةً أولئك الذين تعاطفوا مع النظام الإيراني، مثل "المجلس الوطني الإيراني الأمريكي" (NIAC). ومع ذلك، أكدت الاضطرابات الحالية في إيران ما أدركه الواعون على الظروف المحلية في الجمهورية الإسلامية منذ وقت طويل: وهو أن مسألة انفجار الوضع في إيران ليست مسألة "إذا"، إنما "متى".

واليوم، يمتد نفوذ جمهورية إيران الإسلامية المدمر من أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى تدخلها الكبير في ساحات مثل لبنان واليمن وسوريا والعراق. وذلك يُظهِرُ إيران أقوى مما هي عليه في الحقيقة، ويجعل الكثيرون في الغرب يترددون في مواجهة النظام ومناصرة التغيير. فليست صورة القوة هذه إلا واجهة، إذ إن الجمهورية الإسلامية تتفكك بسرعة على المستوى الداخلي.

ومن ناحية أخرى، تعم الفوضى الاقتصاد الإيراني. فقد ولّت أيام ارتفاع أسعار النفط منذ زمن بعيد، والموارد الوطنية على وشك النضوب. وعلى الرغم من إبرام "اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، لا يزال الاقتصاد الإيراني في حالة من الركود التضخمي، وباتت فرص تحسنه ضئيلة جدًا. ويتزامن ذلك مع استنزاف الأعمال العسكرية الإيرانية الطائشة في لبنان وسوريا والعراق واليمن المزيد من الموارد المتاحة. وقامت السياسات الاقتصادية غير الفعالة والفساد المستشري بالباقي.

وفي خلال الأشهر والأسابيع التي سبقت الاحتجاجات الحالية، نزل الآلاف إلى الشوارع في معظم المدن الكبرى في البلاد، مطالبين بإجابة على أوجه القصور هذه. وشكل الكشف عن ارتباط أفراد مسؤولين بشكل أساسي عن هذه القصور بالنظام ارتباطا وثيقًا، وفرار غالبيتهم إلى الخارج فيما ثرواتهم المحلية بلغت مئات ملايين الدولارات، حافزًا إضافيا لإشعال الاحتجاجات.

فقد اكتشف أحمد توكلي، وهو عضو سابق محافظ في البرلمان الإيراني والرئيس السابق لـ"مركز أبحاث مجلس الشورى" الإيراني، أن أكبر المستفيدين من بنك "ثامن الحجج" المتوقف عن العمل حاليًا، وهو البنك الذي شكل سابقًا إحدى المؤسسات المالية الكبرى في البلاد، يمثلون أبناء كبار رجال الدين والسياسيين وأعضاء السلطة القضائية من ذوي النفوذ. وعلى الرغم من عدم كشف توكلي عن أسماء هؤلاء الأفراد، كشفكشف في مقابلة أُجريَت مؤخرًا أن أعضاء اللجنة المكلفة بالتحقيق في وضع المؤسسة المفلسة قد استقالوا تحت ضغوطات سياسية هائلة.

لكن ذلك ليس سوى غيض من فيض. ففي الأشهر الأخيرة، تورط الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد واثنان من حلفائه المقربين في فضيحة علنية جديدة، بعد أن ألقى أحمدي نجاد اللوم على رئيس السلطة القضائية القوي آية الله صادق لاريجاني وشقيقه رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في الفساد وسوء استخدام السلطة. وإن لاريجاني متهم بامتلاك مئات المليارات من التومان الإيراني التي دفعها الشعب إلى القضاء ككفالة إفراج في أكثر من 60 حسابًا مصرفيًا مختلفًا. ومن المذهل أن لاريجاني لم ينكر التهم الموجهة إليه واكتفى بتفسير أنه أخذ إذن المرشد الأعلى آية الله خامنئي قبل فتح الحسابات.

لكن ردًا على ذلك، هدد الأخوان لاريجاني الرئيس السابق بالمحاكمة والسجن. وقال النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري الذي تم اعتقال شقيقه بموجب اتهامات بالفساد، معلقًا إن: "الفساد أصبح ظاهرةً منظمة في البلاد وأعرف جيدًا عمق جذوره".

وليست هذه الحوادث سوى أهم العلامات العامة المشيرة إلى وجود عفنٍ أعمق. ففي ظل فشل سياسات روحاني، يصعب على النظام أكثر فأكثر أن يبقي صراعاته الداخلية بعيدةً عن الأنظار. والأهم من ذلك، أصبح غرس الأمل والثقة في حكم روحاني أمر شبه مستحيل بعد مرور سنوات من الوعود الكاذبة وسوء الإدارة.

وبالتالي، لم يكن من المستغرب أنه عندما دعا ناشطون إلى تظاهرات سلمية للاحتجاج على البطالة وارتفاع الأسعار والفساد في مدينة مشهد، شارك الآلاف فيها. لكن ما أثار الدهشة هو الشعارات التي رددها الناس. فبعد البطالة والفساد، بدأ المتظاهرون بتحدي الثورة بذاتها وهم يهتفون من أجل عودة الدولة البهلوية التي أسسها الشاه الراحل رضا بهلوي - وتكررت هذه الظاهرة بسرعة في مدن أخرى. ويجب فهم هذه التظاهرات على ما كانت عليه: فليست تظاهرات تدعو إلى الإصلاح، بل إلى التغيير الجوهري في نظامٍ خذل شعبه.

وتبدو إيران قويةً وواثقةً من الخارج، تمامًا مثل الاتحاد السوفيتي قبل إنهياره، لكنها ضعيفة جدًا من الداخل. واليوم، تعاني إيران من اقتصاد غير فعال في ظل غياب أي آلية حقيقية لإنفاذ الإصلاحات، وفي ظل الصراعات السياسية الداخلية المتفشية والجمود السياسي والفساد المستشري وشعب يزداد اضطرابه، تمامًا كما كان يعاني الاتحاد السوفيتي في نهاية الحرب الباردة. لذا أوجه التشابه بين حالة إيران اليوم ووضع الاتحاد السوفيتي حينها مدهشة بالفعل.

وفيما تصقل إدارة ترامب سياستها تجاه إيران، يُنصَح بالاستفادة بشكل كامل من نقاط ضعف الداخلية للنظام الإسلامي، ومن الرغبة في التغيير التي تنعكس الآن في الشوارع الإيرانية. وفي المقابل، سيمثل نجاح الشعب الإيراني نجاح أمريكا أيضًا.

عن"معهد واشنطن"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية