الحب في زمن كورونا: خطوبة آية وباسم "أونلاين"

الحب في زمن كورونا: خطوبة آية وباسم "أونلاين"


30/03/2020

قبل موعد حفل إعلان الخطوبة ببضع ساعات؛ اتفق باسم وآية على تدشين شات جماعي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يجمعان داخله كلّ من يحبون، يجريان خلاله ما عجزا عن فعله على أرض الواقع، بعد فرض حظر التجوال في القاهرة، هرباً من تكرار شبح الأزمة الإيطالية، إنّها البسمة التي انتظرها الجميع طويلاً، مؤكّد لن يجبرهم فيروس لا يرى بالعين المجردة على تفويتها، لذلك قرّر المحرر الأدبي، باسم عبد الحليم، والصحفية آية إيهاب، عقد حفل خطبتهما "أونلاين"، دون مدعوين، فقط عشرة أفراد، الأب والأم والأخوات، من كلا الجانبين، وبثّ الحفل من خلال "Video Conference"، وتلقيا التهاني عن طريق دردشة فيسبوك، ولم ينسَ الحضور قبل بدأ الحفل المصغر في منزل آية، من تطهير جميع مستلزمات اليوم بالكحول، وإلزام أفراد العائلتين بغسيل الأيدي، المسألة ليست مجرد لفت انتباه، إنّه الخوف من المجهول يدقّ على باب المصريين، لكنّ رفض العزل الاجتماعي يدفعهم إلى ابتكار وسائل التواصل. 
تلقيا التهاني عن طريق دردشة فيسبوك

مصر في زمن الحظر
100 مليون نسمة في مصر يتلاشون فجأة فور أن تدق الساعة السابعة، يختفي المارة، وتسكن السيارات، ويهدأ الضجيج الذي يعرفه كلّ من زار القاهرة، عالم جديد يعيشه المصريون بعد فرض حظر التجوال هرباً من خطر كورونا، فيروس لا يرى بالعين المجردة أجبر الملايين حول العالم أن يختاروا البقاء في المنزل، وأصبحت الحياة الافتراضية هي البديل الوحيد، وبعد أعوام من سخرية البعض من سيطرة منصات التواصل الاجتماعي على عقول الشباب في مصر، أصبحت جميع العائلات فجأة تبحث كيف التعامل مع ذلك العالم، علماً بأنّ أكثر من نصف المصريين بالفعل يستخدمون الإنترنت، لكنّه كان في الأغلب للترفيه أو التسوق، الآن أصبح الوسيلة الوحيدة للعيش!

قرّر المحرر الأدبي باسم عبد الحليم، والصحفية آية إيهاب، عقد حفل خطبتهما "أونلاين" دون مدعوّين

أزمة كورونا لن تستمر، رغم ذلك تعجل الحبيبان عقد حفل الخطوبة سريعاً، ربما خوفاً من المجهول الذي يخشاه الجميع في القاهرة الآن، بعد ما حدث في الشارع الإيطالي تحديداً، مجهول لفت انتباه باسم وآية، كما أكدا في تصريح لموقع "حفريات": "تأجل إعلان الخطوبة أكثر من مرة لأسباب عائلية، ومع فرض حظر التجوال، وتوقع القادم، والظنّ بأنّ العزل الكامل قد يحدث أيضاً، كان قرار التعجيل بالخطوبة دون معازيم".
سخرية من الأب كانت بداية الفكرة: "إيه رأيك يا آية نعمل الخطوبة بالفيديو كونفرانس؟"، تشير آية إلى أنّها عبارة كانت بداية الخيط، لماذا لا تكون الخطوبة "أونلاين" بالفعل؟ يحضر فقط أفراد الأسرتين من الدرجة الأولى، ويتمّ بثّ الحفل لبقية الأهل والأصدقاء من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
100 مليون نسمة في مصر يتلاشون فجأة فور أن تدق الساعة السابعة

الحياة "أونلاين"
الحياة "أونلاين" ليست غريبة على آية إيهاب، فهي تمارس مهنة الصحافة بشكل حرّ عن طريق التعامل مع الصحف العربية والمصرية من خلال العمل في المنزل، وإرسال الموضوعات عن طريق الإيميل، تخلت آية عن مسألة التقيد بالحضور والانصراف، وضرورة تسجيل الموظف اسمه في دفتر معين، كما كانت المسألة في الأزمنة السابقة، غير أنّ ما كان يجهله الآباء في مصر أنّها أصبحت بالفعل أزمنة سابقة، بيد أنّ ما كان بعيد المنال أصبح حقيقة الآن، رغم تخوفات سابقة، مما أطلق عليه باحثون في بداية انتشار استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بين الشباب "إدمان الإنترنت"، ووهم العوالم الافتراضية، لكنّها تخوفات سقطت سريعاً أمام الضرورة: "هاتفتني صديقاتي المقربات، بكين في الهاتف، كيف يعجزن عن حضور حفل خطبتي، وبكيت معهنّ، فكان قرار الخطوبة "أونلاين" هو الحلّ".

هل يظلّ المجتمع المصري أولاً، والعالم أجمع، بعد كورونا، هو ذاته العالم الذي كنا نعرفه قبل أسابيع قريبة؟

مسألة قد يراها البعض في الظروف العادية غير ذات أهمية؛ لماذا يبكين من عدم حضور خطبة صديقة مقربة، لكنّها بالفعل ظروف غير عادية، من يكسر حظر التجوال في القاهرة يعرّض نفسه للحبس، الخروج للطعام أو للدواء، وفقط.
دشّنت آية دردشة جماعية على فيسبوك، تبادلت صور التجهيزات مع الأصدقاء والصديقات، بدأت في إرسال صورتها وهي ترتدي فستان الخطوبة، تلقت التهاني والتبريكات، تعامل الجميع مع غرابة الموقف بابتسامة، يكتب أحد الأصدقاء: "كلّ واحد في الجروب ياخد مسافة متر من اللي قدامه عشان العدوى"، يرد باسم عبد الحليم على ضيوفه "أونلاين": "الله يبارك فيكم يا جماعة، معلش مفيش حاجة نقدمها لكم، فكل واحد يروح على ثلاجة بيته ويتصرف"، ثم يتعجلهم صديق: "خلصوا والبسوا الدبل فيه حظر"، بالفعل لم يتجاهل الحبيبان مسألة الحظر، فحفل الخطوبة "أونلاين" عقد في الثانية ظهراً، واستمر حتى الرابعة، يجب أن يكون الجميع في منازلهم قبل السابعة مساءً.

تغيّر العقل المصري
ما فعلته آية وباسم يفعله الجميع في مصر الآن؛ أطلقت وزارة الثقافة المصرية قناة على موقع يوتيوب لبثّ حفلات دار الأوبرا المصرية "أونلاين"، وقدم عازف البيانو المشهور، عمر خيرت، حفله الأخير "أونلاين"، وناقش أدباء مصريون رواياتهم الصادرة حديثاً من خلال بثّ مباشر خلال موقع فيسبوك، أو تطبيقات للتواصل، تطبيقات استعانت بها نوادي الكتاب في مصر، بعد رفضهم لتعطيل لقاءاتهم الشهرية، فكان التواصل خلال تطبيق إلكتروني هو الحل، غير أنّ السؤال الذي بات ملحاً، بعد إدراك الجميع في مصر والعالم الآن لحقيقة أنّ التكنولوجيا قدمت بالفعل بديلاً للتواصل، وأنّ المسألة ليست مجرد شباب يعيشون وهم الحياة الافتراضية، هل ستعود الحياة كما كانت بعد زوال خطر كورونا، أم إنّ "السوشيال ميديا" وجدت أخيراً فرصة حقيقية لإثبات أحقيتها في التواجد الفعلي، لا الافتراضي؟

اقرأ أيضاً: شوارع السعودية خالية بسبب كورونا: الترقب سيد المكان
بحسب تقرير "we are social" لأبحاث الإنترنت، وصل عدد مستخدمي منصات السوشيال ميديا في مصر  إلى 40 مليون مستخدم، يمثلون 40% من إجمالي عدد السكان، البالغ 100 مليون نسمة، ويصل عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهاتف الذكي 38 مليون مستخدم، ما يعادل 38%.
التقرير أكّد أنّ كلّ مصريّ يقضي ما يقرب من 3 ساعات و4 دقائق يومياً على المنصات والتطبيقات المختلفة، ويستخدم 35% وسائل التواصل أثناء العمل، ويستخدم موقع الفيسبوك 39 مليوناً بواقع 36% من الإناث، و64% من الذكور، و11 مليون متابع لموقع إنستغرام؛ منهم 58% من الذكور، و42% من الإناث. وفي مصر أيضاً وصل حجم المعاملات الإلكترونية إلى ٢ مليار دولار في ٢٠١٩، بحسب تقرير لجنة الاتصالات بمجلس النواب، أرقام تستدعي التوقف أمامها، فهي معدلات استخدام المصريين لتلك المنصات قبل شبح الكورونا؛ فهل يظلّ المجتمع المصري أولاً، والعالم أجمع، بعد كورونا، هو ذاته العالم الذي كنا نعرفه قبل أسابيع قريبة؟!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية