الحرس الثوري الإيراني تنظيم إرهابي أم جيش وطني؟

الحرس الثوري الإيراني تنظيم إرهابي أم جيش وطني؟


23/05/2022

علي صراف

تنشغل الولايات المتحدة بالسجال حول ما إذا كان يمكن لها أن ترفع العقوبات عن "الحرس الثوري الإيراني"؛ فبينما تقول إيران إن حرسها الثوري جزء من مؤسستها العسكرية الوطنية، مما يجعل بقاء العقوبات ضده يتناقض مع هدف رفع العقوبات عن إيران وفقا لشروط العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، تقول الولايات المتحدة إن الحرس الثوري الإيراني يقوم بأعمال إرهابية ويدعم تنظيمات إرهابية خارج إيران، ما يجعله أبعد من مجرد مؤسسة عسكرية محلية.

وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عرض تسوية تقضي بأن يقتصر بقاء العقوبات على "فيلق القدس" الذي يتصدر النشاطات الإرهابية خارج إيران، ورفعها عن باقي فروع الحرس الثوري. إلا أن هذه التسوية تكشف عن جهل بوريل وجهل مستشاريه بطبيعة هذه المنظمة وأهدافها ومنهاجها الأيديولوجي، وهي تشير، مجتمعة، إلى أنها كتلة واحدة، تخضع لقيادة واحدة، وتتبع تصورا واحدا عن نفسها وعن دورها وعن العالم.

الحرس الثوري الإيراني الذي نشأ في البداية كقوة حماية لرجال الدين الذين نفذوا "الثورة الإسلامية" عام 1979، سرعان ما تحول إلى قوة عسكرية موازية ليس للدفاع عن الثورة في إيران، وإنما لنشرها في الخارج.

هذا الدور أتاح للحرس الثوري أن يحتل المركز الرئيسي الثاني للسلطة بعد سلطة الولي الفقيه مباشرة. وهو ليس مجرد قوة عسكرية، على غرار الجيش الرسمي، ولكنه قوة سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة أيضًا. ويسيطر قادته على مفاصل رئيسية في الكيانات المختلفة لعمل الحكومة. ويتمتع بقدر كبير من الاستقلالية الاقتصادية تسمح له بتمويل عملياته بعيدا عن رقابة الحكومة ورئيس الجمهورية.

وعلى العكس من الاعتقاد القائل "إنه دولة داخل الدولة"، فالحقيقة هي أنه هو "الدولة" الحقيقية أو العميقة، وكل ما عداه مجرد ظلال بيروقراطية شاحبة.

والحرس الثوري الإيراني ليس مؤسسة عسكرية بالمعنى التقليدي للكلمة. ما يجعل تصنيفه كجزء من المؤسسة العسكرية للبلاد تصنيفا زائفا. من ناحية، لأنه تنظيم أيديولوجي يمتلك قدرات عسكرية. ويشكل المزج بين الأيديولوجيا والسلاح الصفة الأولى لكل تنظيم إرهابي. ومن ناحية ثانية، لأنه تنظيم لا يخضع لتراتبية عسكرية منضبطة، فكتائبه وفيالقه هي عبارة عن تنظيمات ميليشياوية تجتمع على رؤية نظرية واحدة، وتنفذ أعمالها على أساس تلك الرؤية، أوامر مسبقة أو من دون أوامر.

الأيديولوجيا فوق القانون

وبينما تخضع القوات العسكرية لضوابط وقوانين خاصة، فإن ميليشيات الحرس الثوري تعمل من دون قانون محدد، أو أنها فوق القانون، وهو ما يوفر لها القدرة على الإفلات من المحاسبة على أي عمل، مثل إطلاق القذائف الصاروخية أو أعمال الاغتيالات أو إنشاء شركات وهمية تتكفل بأعمال التهريب أو تبييض الأموال أو تنفيذ مشاريع وهمية بقصد النهب، كما ظل يحصل في العراق لسنوات طويلة.

ولكن الأهم من ذلك كله هو أنه الأداة الرئيسية لـ”تصدير الثورة”، على أسس طائفية تستهدف نشر مفاهيم أيديولوجية تبرر أعمال العنف، وتوفر لها أساسا دينيا يضفي الشرعية على أي عمل مهما كان وحشيا.

بعد عام واحد من قيام الثورة الإسلامية نشبت الحرب مع العراق، وثبت فشل الجيش الرسمي الإيراني في صد القوة العسكرية المنظمة العراقية، فظهر الحرس الثوري بين عامي 1980 و1988 كقوة رديفة، في البداية، ولكن كقوة بديلة في نهاية المطاف. ولكنها ظلت قوة ميليشياوية، الأمر الذي منحها المرونة في خوض المعارك وتوجيه المتطوعين، الذين كان الكثير منهم يقومون باجتياز حقول الألغام مشيا أو يوضعون في الصفوف الأمامية للمقاتلين، مقابل الحصول على مفاتيح لدخول الجنة.

ومع نهاية الحرب أصبح “الحرس الثوري” قوة تتألف من ثلاثة فروع رئيسية: برية وجوية وبحرية. وبعدما مات المرشد الأول للثورة الموسوي الخميني، وخلفه علي خامنئي، عمد المرشد الجديد إلى أن يضيف إليه فرعا جديدا للعمل خارج الحدود، على أساس قاعدة "خوض الحرب على أرض الآخرين"، وهي قاعدة إسرائيلية في الأصل.

هذا الفرع هو "فيلق القدس" الذي نشأ من المتطوعين الذين يعملون ضمن ميليشيا الباسيج. وكان الترويج للثورة الإسلامية ونظريتها المهدوية هو القاعدة التي سوف تنشأ على أساسها ميليشيات محلية موالية في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وصولا إلى بلدان عربية وأوروبية أخرى تم الاكتفاء فيها بإنشاء خلايا نائمة وتنظيمات تؤدي أدوارا خدمية، تجسسية، أو اقتصادية، أو ثقافية متنوعة.

وشكلت الأيديولوجيا المهدوية عصب الرؤية التي يستند إليها الحرس الثوري في مجمل نشاطاته. ويشكل التلقين الأيديولوجي أساس الولاء والنفوذ وتولي المراتب في هذا التنظيم، وليس الكفاءة العسكرية.

ويشير بعض الخبراء إلى أن انتخاب الرئيس "الإصلاحي" محمد خاتمي بأغلبية واسعة في عام 1997 على حساب منافسه علي أكبر ناطق نوري كشف أن "الجيل الثاني" من الحرس الثوري صار أقل ولاء للمرشد علي خامنئي. وهو ما دفع قادة الحرس الثوري إلى أن يجعلوا التلقين الأيديولوجي يتضاعف عاما بعد عام حتى أصبح يشكل أكثر من 50 في المئة من التدريب العسكري. ما جعل "الجيل الثالث" الذي ذهب ليقاتل في سوريا أكثر راديكالية من سابقه، وذلك بعد أن أضفى خامنئي على التدخلات في الخارج طابعا جهاديا "للدفاع عن الشيعة والمزارات المقدسة".

وعندما اندلعت الانتفاضة ضد سلطة خامنئي في نوفمبر 2019 كان هذا الجيل المؤدلج جيدا هو الذي نفذ المجزرة التي أودت بحياة ما يصل إلى 1500 مدني على مدى ثلاثة أيام، بينما لم يسقط في “الحركة الخضراء” التي قادها مير حسين موسوي عام 2009 ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد أكثر من 100 متظاهر على مدى شهر. ما يمثل مؤشرا واضحا على مدى الأثر الذي تركته المهدوية في نشاط الحرس الثوري، داخل إيران وخارجها.

ولكن ما هي المهدوية؟

هي نظرية تقول بعودة "الإمام المهدي المنتظر" لكي "يقيم عدلا في الأرض بعد أن امتلأت جورا". أما التصور التقليدي للشيعة عن "عودة المهدي" فيقوم على "انتظاره"، وليس على "تمهيد الأرضية" له. ولكن هذا التصور انقلب إلى عمل ثوري بالنسبة إلى الفقه الذي تَصدّره الخميني. وهو تصور لم يكن من صنعه هو، لأنه استمده من أسس كان الفقهاء الذين ظهروا في عهد إسماعيل شاه الصفوي هم الذين أرسوها. وقرر الخميني أن يستعيدها، ليرسي عليها نظرية "ولاية الفقيه" الذي يعمل كـ"وكيل للإمام الغائب".

و"تمهيد الأرضية" لقدوم المهدي إنما يعني "إعداد الشيعة للثورة على كل الظالمين"، بما يشمل السنة وحلفاءهم من الأكراد والأقليات الدينية الأخرى، فضلا عن إسرائيل والولايات المتحدة ودول "الاستكبار العالمي".

ولقد أصبحت المهدوية جزءا من السجال السياسي في إيران، وليس الفقهي، عندما أقام أحمدي نجاد عقب إعادة انتخابه في عام 2009 أول مؤتمر دوليّ بشأن “العقيدة المهدويَّة”، قال فيه “ليس لديّ شكّ في أنّ شعب الجمهوريَّة الإسلاميَّة يستعدّ لعودة الإمام الغائب، وبإرادة الله فإننا سنشهد ظهوره قريبًا”.

وفي تسجيل منسوب إلى نجاد وهو يتحدث إلى المرجع الدينيّ آية الله جوادي آملي قال إنه “أحسّ بحضور إمام الزمان وبهالة من النور تحيط به عندما كان يتحدث في الأمم المتحدة".

ويزعم ممثل الوليّ الفقيه لإدارة شؤون مسجد “جمكران” في قم، أنه كان شاهدًا على لقاءات سرّيَّة بين خامنئي والإمام المهديّ، موضحًا أنّ عدد اللقاءات كان 13 مرة، في سرداب مسجد جمكران في مدينة قم. وقال إنّ خامنئي يستلهم بصيرته وحكمته من خلال لقاءاته المستمرّة بالإمام الثاني عشر. وكان ذلك في أثناء حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وأنه طلب من المهديّ أن ينصر حسن نصرالله في تلك الحرب على إسرائيل.

وزعم آية الله مكارم الشيرازي أنّ سرّ النجاحات المتتالية للمرشد الأعلى هو علاقته الوثيقة والمتواصلة في أحد مساجد قم مع الإمام المهديّ.

والاتصال المباشر مع الإمام المهدي ليس فكرة مستحدثة؛ فالشاه إسماعيل الصفوي، قبل نحو 900 سنة، ادّعى لقاءه بالمهديّ في كهف في مدينة تبريز. ولأجل الالتفاف على فكر "التقية والانتظار"، زعم أنه أخذ إجازة من "صاحب الزمان، المهديّ” بالثورة والخروج ضد أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون إيران.

وقيل إنه بينما كان ذات يوم مع مجموعة من رفقائه الصوفيَّة خارجين للصيد في منطقة تبريز مرّوا بنهر فطالبهم بالتوقف عنده، وعبر هو النهر ودخل كهفًا، ثم خرج متقلدًا سيفًا وأخبر رفاقه بأنه شاهد في الكهف "صاحب الزمان" وأنه قال له "لقد حان وقت الخروج"، وأنه أمسك ظهره ورفعه ثلاث مرات، ووضعه على الأرض وشدّ حزامه بيده ووضع خنجرًا في حزامه، وقال له "اذهب فقد رخّصتك".

والمهدي المنتظر، حسب التوصيفات التي تقدمها المصادر الشيعية الصفوية، يبدأ بأعمال قتل وانتقام وحشية واسعة النطاق، لا تقتصر على أهل السنة، وإنما تشمل الشيعة العرب أيضا. فهؤلاء يقعون ضمن دائرة الانتقام لأنهم عرب.

وتقول مصادرهم "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف"، وذلك في دلالة قاطعة على “فقه” يكره العرب ويكره شيعتهم. حتى أنهم ينسبون إلى جعفر الصادق القول "كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة؛ ثم أخرج المثال الجديد، على العرب شديد". والمقصود بـ"المثال الجديد" هو قرآن جديد يدعى "كتاب فاطمة".

ويتبنى الفقه الصفوي المهدوي فكرة تقول إنه كلما زادت المظالم "عجل الله في فرجه". وعندما يأتي هذا المنتظر فإنه سيبدأ من أعمال الذبح والقتل والسلخ والهدم، ما يؤدي إلى التضحية بثلثي الناس، وبخاصة “النواصب” (السنة)، بل ومعهم الشيعة الذين يترددون في خوض الحرب إلى جانب "الإمام".

وينسب الفقيه المجلسي إلى جعفر الصادق قوله “ما لمن خالفنا في ولدتنا نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا ذلك، فلا يغرنك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا جميعا". وفي رواية أخرى يقول "إذا قام قائمنا عرضوا كل ناصب عليه، فإن أقر بالإسلام، وهي الولاية، وإلا ضربت عنقه أو أقر بالجزية فأداها كما يؤدي أهل الجزية".

وفي نص آخر أكثر دلالة يقول "حين يقوم القائم يخرج موتورا غضبان آسفا لغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله وسيف رسول الله ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجا.."، ثم قال "يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه".

وجاء في كتاب الغيبة للنعماني "إذا أذَّن الإمام دعا الله باسمه العبراني، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة". (أي أن يُعرج به إلى مكة). وبحسب هذا المصدر، فالمهدي المنتظر لا يُسمي الله باسمه العربي وإنما باسمه العبراني، كرها في العرب، وفي لغة العرب.

المسؤولية الأخيرة

ويروى المجلسي عن بشير النبال عن أبي عبدالله أنه قال "هل تدري أول ما يبدأ به القائم عليه السلام؟ قلت: لا، قال: يخرج هذين (يعني أبا بكر وعمر) رطبين غضين فيحرقهما، ويذريهما في الريح، ويكسر المسجد".

ويقول نعمة الله الجزائري، بعد أن يذكر رأيه في حكم "لعن الشيخين" وأنه من ضروريات المذهب عندهم، "وفي الأخبار ما هو أغرب من هذا، وهو أن مولانا صاحب الزمان عليه السلام إذا ظهر وأتى المدينة أخرجهما من قبريهما فيعذبهما على كل ما وقع في العالم من الظلم المتقدم على زمانيهما، كقتل قابيل وهابيل، وطرح إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في نار النمرود، وإخراج موسى خائفاً يترقب، وعقر ناقة صالح، وعبّد النيران فيكون لهما الحظ الأوفر من أنواع ذلك من العذاب”، أي أنه يحاسبهما على كل ما فعله الذين من قبلهما منذ بدء الخليقة.

أما ما يفعله المهدي المنتظر بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد رووا عن عبدالرحمن القصير عن أبي جعفر قوله "أما لو قد قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء (عائشة) حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لأمه فاطمة، قلت: جعلت فداك، ولم يجلدها الحد؟ قال لفريتها على أم إبراهيم، قلت: فكيف أخّر الله ذلك إلى القائم؟ قال: إن الله بعث محمداً رحمة ويبعث القائم نقمة". وبحسب النظرية المهدوية فإنه ما من شيء من الفقر والمظالم وتفشي الأوبئة وأعمال القتل إلا ويخدم عودة "المهدي المنتظر".

في مارس الماضي عاد حجة الإسلام الحاج صادقي، ممثل خامنئي في الحرس الثوري، لتأكيد المهمة الرئيسية التي يلعبها الحرس الثوري، قائلا إن "المسؤولية الأخيرة للحرس الثوري الإيراني هي تهيئة العالم لظهور إمام العصر". وبعد أسبوع من هذه الكلمة أصدر الحرس الثوري الإيراني منشوراً عن المفهوم العسكري للمهدوية يقول إن "الانتظار" يعني أننا يجب أن نعدّ أنفسنا لنكون جنود جيش إمام العصر".

وبحسب تصريحات لخامنئي فإن "واجب المنتظرين" ليس "الجلوس والحداد" وإنما أن يكونوا "أساس الحرب"؛ حيث يتعين على الحرس الثوري الإيراني "الاستعداد لنصرة جيش إمام العصر الذي يريد محاربة كل مراكز القوة والفساد الدولي".

أما المواجهة مع قوى الاستكبار العالمي فإنها واحدة من التدابير لتمهيد الطريق لظهور المهدي. ما يجعل العقيدة المهدوية عملا عسكريا لا حدود له، يشمل الصواريخ الباليستية بمقدار ما يشمل تسليح الميليشيات في كل دول المنطقة، كما يشمل إقامة خلايا خدمات لوجستية في كل أرجاء العالم استعدادا لحرب دينية عالمية مقدسة، يشكل الحرس الثوري فيها النواة الصلبة لـ"جيش المهدي".

الحرس الثوري ليس، ولا بأي معنى من المعاني، جيشا وطنيا. وظيفته ليست "الدفاع عن الوطن"، وإنما الدفاع عن العقيدة، وخوض معاركها داخل البلاد وخارجها. وهو بالضبط الحال الذي تمثله كل التنظيمات الجهادية الإرهابية الأخرى. إنها تبدأ بالانتقام من المسلمين، وعينها على الانتقام من العالم أجمع.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية