الحركات الجهادية في إفريقيا... تحالف وتقاتل وعنف

الحركات الجهادية في إفريقيا... تحالف وتقاتل وعنف


13/12/2018

ترجمة: علي نوار


قبل ما يقرب من عام؛ انفجرت عربة مفخخة تحمل طنّين من المتفجرات، في قلب العاصمة الصومالية، مقديشيو، لتودي بحياة 600 شخص؛ ويصبح هذا الحادث هو ثاني أكثر الهجمات دموية في تاريخ الإرهاب الحديث، نظراً إلى ضخامة عدد القتلى، الذي يصل لثلاثة أضعاف ضحايا هجمات 11 آذار (مارس) 2004 في مدريد، وهجمات بالي، و10 أضعاف ضحايا هجمات 7 تموز (يوليو) 2005 الإرهابية.

هذا الحادث هو ثاني أكثر الهجمات دموية في تاريخ الإرهاب الحديث، نظراً إلى ضخامة عدد القتلى

تقدّم هذه الاعتداءات لمحة عن تصاعد وتيرة العنف الذي يشهده، ليس الصومال فحسب؛ بل القارة الإفريقية بالكامل. فقد شهد العام الماضي مقتل 10 آلاف شخص، جرّاء هجمات جهادية، ورغم أنّ الرقم بعيد للغاية عن ذلك الذي شهده عام 2015، بمصرع 18 ألف شخص، إلّا أنّ الظاهرة لا تتوقّف عن التمدّد: فخلال الفترة بين عامي 2010 و2017، ارتفع عدد الدول التي توجد بها منظمات جهادية إلى الضعف، بينما قفزت معدلات الهجمات بنسبة 300%.
ويقول سرخيو ألتونا، الباحث في برنامج الإرهاب العالمي بمعهد "إلكانو" الملكي الإسباني: "رقعة التهديد تتسع، ويحظى تنظيم القاعدة حالياً بعدد من المقاتلين، يفوق أيّ وقت مضى داخل إفريقيا، ولديه وجود في دول كثيرة، كان الاعتقاد السائد دائماً أنّها لن تتعرّض لهذا النوع من التهديد، وظهرت بؤر جهادية جديدة في كلّ من؛ موريتانيا، وكينيا، وبوركينا فاسو، بقوة كبيرة، أما النيجر التي كان هناك وجود بسيط للجهاديين في المنطقة الجنوبية الشرقية منها، فقد أصبحت هذه المنطقة شديدة الخطورة".

أبو بكر شيكاو، في فيديو عام 2016. (رويترز)
وبحسب التقرير السنوي حول الإرهاب؛ الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، والذي نشر في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ فإنّه "على الرغم من تكثيف الدول الإفريقية لجهودها الهادفة لوضع حلول لمكافحة الإرهاب في المنطقة، إلّا أنّها ما تزال تقاتل من أجل احتواء توسّع الجماعات الإرهابية، التي نفذّت بالفعل هجمات وأعمال أخرى في 2017"، وبينما كان العالم منشغلاً بالعراق وسوريا، ويحتفل بالقضاء على آخر معاقل تنظيم داعش، كانت الحركات الجهادية تنتشر في أنحاء إفريقيا كالسرطان.

اقرأ أيضاً: الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا التابعة لداعش في إفريقيا
قال ألتونا لصحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية: "هناك أسباب مختلفة؛  منها غياب الفرص التعليمية والاقتصادية، إضافة إلى الحكم غير الرشيد حيث إنّ الكثير من هذه الدول تحكمها أنظمة استبدادية؛ إذ يحدث تركيز شديدة للسلطة، فسلطة الدولة لا تتجاوز المدن الحضرية الكبرى، ويتلاشى خارجها، ما يسهم في السعي نحو انضمام جزء من الشعب، محدود، لكنّه واضح، إلى هذا النوع من الجماعات الإرهابية".
خلافات عائلية في بوكو حرام
تعدّ الأحداث التي أحاطت بجماعة (بوكو حرام) مؤخراً خريطة واضحة لكيفية تطور الحركات الجهادية في قارة إفريقيا، فقد تأسّست الجماعة عام 2002، في مدينة مايدوجوري النيجيرية، على يد رجل دين ذي شعبية جارفة؛ هو محمد يوسف وكانت جماعة دينية في البداية، قبل أن تتّجه نحو الأصولية، وتبدأ في استخدام العنف ضدّ هؤلاء الذين رفضوا تبني تأويلها المفرط في التطرّف للإسلام، وبعد إعدام يوسف على الملأ من جانب الشرطة النيجيرية، عام 2009، دخل أتباعه في مرحلة دموية أفرزت فظائع وحشية وضعت الجماعة تحت أنظار المجتمع الدولي.

اقرأ أيضاً: نيجيريا تخفق في هزيمة بوكو حرام .. وهذه هي الأسباب
واشتهر أبو بكر شيكاو، خليفة يوسف، بالمذابح الجماعية في شمال نيجيريا والدول المجاورة، واستخدام الأطفال في الاعتداءات الانتحارية، واختطاف القصّر من مدارسهم، واتجه للتفكير في الانضمام إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، بل ووصل الأمر لدرجة إرسال بعض أعضاء "بوكو حرام" إلى الجزائر، من أجل الحصول على التدريب، بيد أنّ هذه المبادرة لم تثمر، وفي 2015؛ أعلن شيكاو الولاء لتنظيم داعش، وغيّر اسم جماعته إلى ولاية غرب إفريقيا، التابعة لـداعش، إلا أنّ قيادات الأخير انتبهوا سريعاً إلى أنّ النيجيري لم يكن يسعى سوى إلى بثّ الإرهاب بغرض الإرهاب، لا السيطرة على الأراضي.

سرخيو ألتونا: رقعة التهديد تتسع، ويحظى تنظيم القاعدة حالياً بعدد من المقاتلين، يفوق أيّ وقت مضى داخل إفريقيا

لذلك، قرّر تنظيم داعش، في 2016 تعيين قيادي آخر لتمثيل بوكو حرام في هذه المنطقة من إفريقيا، ووقع الاختيار على "أبو مصعب البرناوي" ابن محمد يوسف، ما أدّى لوجود حركتين؛ الأولى هي (ولاية غرب إفريقيا) بزعامة البرناوي؛ الذي يعتقد أنّ تحت إمرته ثلاثة آلاف و500 مقاتل، ما يجعلها أكبر فصيل تابع لـداعش، على مستوى العالم، وقد أصبح فرعاً رسمياً من التنظيم الجهادي في شمال غرب القارة، بينما يطلق الجميع على الحركة التي يقودها شيكاو، والذي ما يزال تحت قيادته ألف و500 رجل، الاسم القديم (بوكو حرام)، ورغم اتجاه الأخيرة للعنف العشوائي واسع النطاق، إلا أنّ (ولاية غرب إفريقيا) استفاد بصورة كبيرة من خبرة الجهاديين المخضرمين من دول أخرى، الذين درّبوا عناصره على تكتيكات مثل زرع القنابل منزلية الصنع على الطرقات.
ونظراً إلى موقعها الإستراتيجي؛ تعدّ نيجيريا أكثر مناطق النزاع سخونة على مستوى القارة، ويؤكّد جنرال سابق، كان قائداً للقوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)؛ أنّه "إذا سقطت نيجيريا، فإنّ هذا من شأنه أن يخلق ثقباً هائلاً، قد يبتلع ستّ أو سبع دول أخرى"، في تصريحات أوردتها صحيفة "إيكونوميست"، لكنّ نيجيريا ليست البؤرة الوحيدة التي تبعث على القلق.

اشتهر شيكاو بالمذابح الجماعية بشمال نيجيريا والدول المجاورة واستخدام الأطفال في الاعتداءات الانتحارية، واختطاف القصّر من مدارسهم

ويتابع الخبراء، بقلق، كيفية اتجاه الكثير من هذه الجماعات نحو عقد تحالفات جهادية، تكبر بمرور الوقت، وبشكل مستمر، كما حدث على سبيل المثال في الصحراء الكبرى؛ حيث ظهرت بنهاية الشتاء الماضي، ما يطلق عليه اسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"؛ عن طريق اندماج عدة حركات سلفية جهادية هي "أنصار الدين" الطوارقية، و"جبهة تحرير ماسينا"، و"المرابطون"، التي ولدت بدورها إثر الاتحاد بين "جماعة التوحيد والجهاد، غرب إفريقيا، وفرع القاعدة في المغرب الإسلامي بالصحراء الكبرى، ورغم أنّ التركيبة الداخلية في هذا الاندماج موضع تساؤلات، إلا أنّ تنظيم القاعدة يعدّه فرعاً له في الساحل، بعد مبايعة أيمن الظواهري، خليفة مؤسس وزعيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، خاصة أنّ التنظيم الجديد يسيطر على مساحات لا بأس بها من الأراضي.

هيمنة "الشباب"
هناك سيناريوهات أخرى قائمة، من بينها التفتّت؛ وهو ما ينطبق، على سبيل المثال، في حالة مصر؛ حيث أدّى ظهور فرع لتنظيم داعش، إلى أن تُطل عدة حركات، مختلفة ومتقاتلة فيما بينها، برأسها، خلافاً لما هو حادث في منطقة القرن الإفريقي؛ حيث تتوارى الجماعات حديثة العهد أمام هيمنة جماعة "الشباب".

اقرأ أيضاً: وزير مغربي يكشف عدد إرهابيي داعش والقاعدة في إفريقيا
وأورد التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية ما يلي: "نجحت جماعة الشباب في الاحتفاظ بقاعدة انطلاق آمنة، فضلاً عن عمليات التجنيد والسيطرة على الموارد والهيمنة الفعلية على مناطق شاسعة من الصومال؛ حيث تتحرّك بحريّة تامّة"، لكنّ العامل الأكثر مدعاة للقلق هو امتداد الجماعة إلى دول الجوار، مثل: أوغندا وكينيا، وبلدان أخرى إلى الجنوب من الصومال، ويذكر تقرير "المجموعة العالمية للأزمة"، حول هذه المنظمة: أنّه "رغم خسارتها أراضيَ في الصومال وتراجع قدرتها على التجنيد في كينيا، تحت وطأة ضغط السلطات، إلّا أنّ "الشباب" أدركت كيف تتأقلم، عن طريق إيجاد مناطق عمليات جديدة، علاوة على إجراء اتصالات مع عسكريين في جنوب تنزانيا وشمال موزمبيق"، لكن ليس واضحاً ما إذا كانت هناك علاقة بين "الشباب"، وظهور حركة جديدة في موزمبيق، تحمل اسم "أنصار السنّة" أو "سنة سواحيلي" التي تقارع سلطات موزمبيق حيث لا وجود يذكر للمسلمين.

اقرأ أيضاً: القاعدة تهدد باستهداف المصالح الغربية في إفريقيا
ويقارن الجنرال، مارك هيكس، قائد القوات الخاصة الأمريكية في إفريقيا، الوضع الراهن بصعود حركة طالبان بأفغانستان، خلال حقبة التسعينيات؛ حيث قال: "ما يزال في طور البدء، ويمكن التعامل معه مقابل ثمن غير فادح من حيث الدماء والأموال"، وذلك أثناء مقابلة أجرتها معه صحيفة "إيكونوميست"، وأوضح خلالها؛ أنّ الوضع قد لا يستمر على الأرجح بهذه الحالة لوقت طويل، وقد أعدّت "أفريكوم" بالفعل، تقريراً في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، حلّلت فيه ما الذي قد يحدث إذا امتدّ نفوذ هذه الجماعات إلى ليبيا، وإقليم الساحل، وبحيرة تشاد، أو حتى إن اتّجهت لإبرام التحالفات فيما بينها.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذّر: داعش يتمركز في إفريقيا
ويتكهّن التحليل بالسيناريوهات المتوقّعة، إذا نشأ تحالف بين الجماعات الجهادية ونجح في السيطرة على الشرق الليبي، الغني بآبار البترول على نحو شبيه بما فعله "تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق" واستفادوا من هذه العائدات في تمويل هجمات إرهابية. ويؤكّد التقرير أن "تنظيم الدولة الإسلامية وأفرعه التابعة له قد يكون بوسعهم وقتها البدء في التخطيط وتنفيذ هجمات واسعة النطاق والتأثير ضد أهداف غربية في شمال أفريقيا وأوروبا".

اقرأ أيضاً: هل هرب الإرهابي أبو بكر البغدادي إلى إفريقيا؟
كما درس التقرير التحالفات المحتملة بين (داعش) وفروع تنظيم القاعدة المختلفة، سواء في ليبيا أو منطقة المغرب العربي، وهو ما يعني السماح لهذه الجماعات بالتغلغل في دول مثل الجزائر ومالي وتونس، وأوضحت دراسة "أفريكوم"؛ أنّه "في غضون خمسة أعوام ستكون هذه الجماعات قد فرضت سيطرتها على الأراضي الواقعة في شمال مالي، وصولاً إلى تومبوكتو، وستقيم علاقات تعاون وثيق مع الجماعات المتمرّدة في مالي، بينما ترسي نظاماً للحكم في الأراضي التي تخضع لنفوذها"، ولفت التقرير الانتباه إلى مدى خطورة توحيد جماعتي بوكو حرام وولاية غرب إفريقيا، موضحاً أنّ "الأراضي التي تخضع لسيطرتهما في نيجيريا، قد تتحوّل في غضون عامين إلى مقصد للجهاديين، ونقطة تجمّع للمقاتلين الأجانب والإقليميين من أجل الحصول على التدريب والتلقين".
أعضاء في موكب الشباب بعد الانتهاء من تدريبهم ، في مقديشو ، في أكتوبر 2010. (رويترز)

إمكانية التحالف
رغم أنّ هذا التحليل يفترض السيناريوهات الأسوأ، لكن خبراء، مثل ألتونا، لا يعتقدون أنّ فرضية التعاون بين الجماعات الإرهابية غير مستبعدة على الإطلاق؛ حيث يرى أنّه "حدث ذلك بالفعل في بعض المناطق، مثل بنغازي، حيث تعاون "مجلس شورى الثوار"؛ الموالي لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، مع فرع تنظيم داعش "ولاية برقة"، أثناء الحصار الذي فرضه المشير خليفة حفتر على المدينة، شهدت بعض البلدان انقسامات ثم إعادة توحيد، التعاون هو احتمال قائم، لا اعتقد أنّ الأمور ستتحوّل إلى تحالف بين ليلة وضحاها، لكن بمرور الوقت، فهذا ممكن بالتأكيد".
وأضاف "خاصة أنّ عدداً كبيراً من زعماء فصائل داعش في إفريقيا، سبق لهم الانخراط من قبل في صفوف تنظيم القاعدة، لذا فإنّهم يحظون بصلات وعلاقات، وينعكس ذلك حالياً في صورة عدم تقاتل هذه الجماعات فيما بينها، ومن الواضح بشدّة أنّ ثمة علاقات بينها".

تعدّ نيجيريا نظراً إلى موقعها الإستراتيجي أكثر مناطق النزاع سخونة وخطورة على مستوى القارة كلها

بيد أنّ بعض المراقبين يرون أنّ توقّعات "أفريكوم"، ربما لا تعدو سوى كونها محاولة من أجل جمع الأموال، في الوقت الذي تفكّر فيه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتقليص موازنة وقوام القوات الأمريكية المنتشرة في القارة، علاوة على أنّ بعض النشطاء الأفارقة يؤكّدون أنّ تواجد القوات الأجنبية لا يسهم في تسوية المشكلة، بل تعقيدها وزيادتها سوءاً.
ويبرز ألتونا "لا يمكن إنكار أنّه بدون عملية "سرفال"، التي استمرت باسم عملية "برخان"، التي تقرّر بموجبها نشر آلاف العسكريين الفرنسيين في الأراضي المالية، قبل أن ينضمّ إليهم عسكريون من دول أخرى، لكان الشطر الشمالي من مالي قد سقط، وامتدت سيطرة الجهاديين إلى مناطق، ربما قد لا تكون ذات كثافات سكانية عالية، لكنّها مترامية الأطراف، والأهمّ من كل ذلك؛ هو الحيلولة دون تحوّل المنطقة إلى نقطة تجمع خطرة للمقاتلين"، مشدداً في الوقت ذاته أنّ "التواجد الغربي، وما يثيره من الشعور بالاعتماد على الغرب، وليس روح التعاون، يعيد إلى الأذهان فكرة الكولونيالية الجديدة والتدخل الأجنبي، وهذا واضح للغاية بالنسبة إليّ".

اقرأ أيضاً: الصراعات الدينية تتأجج في إفريقيا
ويستطرد الخبير قائلاً: "لكن إفريقيا كبيرة جداً، وكذلك منطقة الساحل، الوجود الغربي ليس متماثلاً بالضبط، فالعمل الذي يقوم به ليس نفسه في جميع الدول، وكذلك النتائج ليست ذاتها، إلا أنّني، في المقابل، أعتقد أنّه يتعيّن على الغرب تغيير فكرة المساعدة التي يقدّمها؛ حيث يولي مزيداً من الاهتمام والتعاون في مجال الأمن، وتمكين السلطات والشعوب المحلية، وليس مجرّد انتشار لتنفيذ مهمات نوعية فحسب"، مشيراً أيضاً إلى مدى تعقيد الوضع على الساحة الإفريقية بتأكيده "كما أنّه صحيح في بعض الدول، حيث لا يكفي العمل الذي تقوم به قوات الأمن المحلية منفردة في احتواء التهديد على جميع أراضي البلاد".


المصدر: مقال للصحفي دانييل إيرارتي، نشر في صحيفة "الكونفدنثيال" الإسبانية، بتاريخ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية