الحصار في غزة يسجن عقول الأدباء ويقتل إبداعاتهم

الحصار في غزة يسجن عقول الأدباء ويقتل إبداعاتهم


13/12/2018

9 أعوام قضاها الكاتب الفلسطيني الشاب عمر اللوح، يشبك حرفاً بالآخر، ويجمع الصفحات فوق بعضها البعض، ليؤلف في نهاية الأمر ثلاثة كتب أدبية وثقافية تضاف إلى سلسلة الكتب التي ألفها الشباب في غزة.

مرت الأعوام سريعة، وفي اليوم الأخير كان الكاتب قد أنهى أرشفة الصفحات على جهاز الحاسوب، وأقفل كتابه الأخير بالخاتمة، ولكن هذا المشوار الطويل من الجهد المضني، والأمنيات بإصدار الكتاب، لم تصمد أمام صخرة الحصار والأزمات المادية التي تقصم ظهر كل من يقطن في غزة، فعمر لا يمتلك التكاليف الكاملة لطباعة هذه الكتب، وفي ذات الوقت لا يتمكن من السفر لتسويق مسودة مؤلفاته إلى دور النشر والطباعة خارج غزة.

اقرأ أيضاً: غزة: هل سلب الإنترنت الأجيال الجديدة صحبة الكتاب؟

ورغم ذلك ما يزال الأديب الشاب عمر اللوح يبحث وينتظر، فيما تبقى صفحاته عديدة الأرقام ومتنوعة الأفكار حبيسة درج مكتبه وقرص حاسبه الآلي، في انتظار من يأتي ليمجد ما أنتجه عقله من أفكار على مدار وسنوات.

ندرة دور النشر

حكاية الكاتب الغزي عمر اللوح، يواجهها مئات المؤلفين في غزة، وهي أزمة خاصة في طباعة ونشر مؤلفاتهم وإصداراتهم، بسبب ندرة دور النشر والطباعة، وإن وجدت فتكاليف الطباعة فيها مرتفعة لا يستطيع الكاتب تحمّلها، وعلى صعيد آخر فإنّ إمكانية طباعته ونشره في دور نشر خارجية فهو خيار بصعوبتين، الأولى تكرار إغلاق المعابر وصعوبة التنقل والسفر خارج غزة، والأمر الآخر هو مشترك بين دور الطباعة داخل وخارج غزة وهو ارتفاع التكاليف.

الكاتب الفلسطيني الشاب عمر اللوح

الكاتب والأديب عمر اللوح (30 عاماً)، من سكان مدينة غزة، أصدر ثلاثة كتب، وهي كتاب "سنابل الإصلاح" ويتحدث عن رجال الإصلاح في مدينة غزة ودورهم في الإصلاح العشائري وحقن الفتن، وكتاب "إبداعات شبابية" تحدث من خلاله عن فئة مميزة من فئات الشباب وطبقة تحدّت كل الظروف والأزمات مما كان لهم إسهام كبير في الاختراعات والإبداعات المتنوعة في مجلات عديدة،  وكانت اختراعاتهم  نقطة تحول كبيرة في عالم الإبداع والتميز والرقي والتقدم على الصعيد الفردي والمجتمعي.

دراسة حقيقية

وكان آخر كتاب ألفه عمر اللوح، بعنوان "طريق السعادة" يسلطُ الضوءَ على مناحي مختلفة في الحياة، وتنقلُ الواقعَ الذي عايشه ورآه في حياته وما تعلمه من غيره، وتعدُّ هذه الموضوعات بمثابَة دراسة حقيقية تهدف لزيادَةِ الوعي والإدراك عندَ الإنسانِ.

مدير دائرة المكتبات في وزارة الثقافة بغزة لـ"حفريات": لا ميزانية لدينا للطباعة والنشر

وأمام ذلك، يؤكد اللوح وجود حالة نهوض ثقافي فردي في غزة، على الرغم من حالة الضعف والهزال التي تسبب فيها كل من الانقسام الفلسطيني والحصار.

ويذكر الكاتب أنّه توجّه إلى عدة جهات في قطاع غزة لرعاية مؤلفاته وشق طريقها إلى النور، ولكن محاولاته كافة باءت بالفشل، فاضطر إلى طباعة عشر نسخ من كل كتاب، على نفقته الخاصة لتعريف الآخرين بمؤلفاته، ومساعدته على نشر نسخ كبيرة منها، ولكن ذلك لم يتحقق لعدم وجود مؤسسات داعمة للعقول المبدعة.

غلاف كتاب "طريق السعادة" للشاب عمر اللوح

مطبعة الفيسبوك!

إذ كان عمر اللوح قد تمكن من طباعة عشر نسخ من كل كتاب ألفه، وإن كان ذلك  بشق الأنفس، فإن الكاتبة الفلسطينية الشابة نور حميد قد سلكت كل الدروب لنشر كتابها الأول "أسرار نجاح الأسرة" الذي أمضت شهوراً عدة في تأليفه، لكنها لم تستلم بسهولة، فتختصر الطريق قبل أن يفوت الأوان على مؤلفها، لتنشره كما هو على صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

اقرأ أيضاً: أحلام غزة: عندما يصبح الحب والأمان والأمل حلماً

تخبرنا الكاتبة حميد عن كتابها قائلة: "كتابي يكمن في تفاصيل صغيرة، فمحتواه يقدم الحلول لأرباب الأسر في بناء أسرهم على أسس سليمة،  إلى جانب تطرقي إلى بعض القصص الواقعية لأسر عربية وفلسطينية".

فرحت نور كثيراً عندما انتهت من كتابة مؤلفها الذي يعد تجربتها الأولى في الكتابة، بعد مشوار طويل في كتابة المقالات الصحفية والقصص الصحفية والإنسانية، ولكن فرحتها لم تدم طويلاً عندما عجزت عن طباعته ونشره ضمن كتاب ورقي مطبوع.

اضطر عمر اللوح لطباعة عشر نسخ من كل كتاب على نفقته الخاصة للتعريف بمؤلفاته

تكاليف مرتفعة

وعن ذلك تقول الكاتبة الشابة لـ"حفريات" إنّ "التكاليف المادية العالية لطباعة الكتاب كانت كالشعرة التي قصمت ظهر البعير، فلم أجد دار نشر في غزة تتبنى نشره على نفقتها الخاصة، لأختصر كل الطرق وأنشره على حسابي الشخصي على الفيسبوك".

اقرأ أيضاً: "لن يسكتوا أصواتنا": صرخة مثقفي غزة ضد طائرات ترعبها القصائد

وتضيف "الإقبال على قراءة الكتاب على موقع التواصل الاجتماعي كان كثيفاً، وهو أمر مفرح، ولكنه لم يحقق حلمي بأن أجد نتاج أفكاري مطبوعاً في كتاب ورقي تحتضنه رفوف المكتبات".

انتظار

الكاتبة تحرير مرتجى (34 عاماً)،  اضطرت للانتظار سبعة أشهر لكي تصدر كتابها الأدبي الأول "السر" بسبب عدم امتلاكها التكاليف المالية لطباعته.

الكاتبة الفلسطينية تحرير مرتجى

وتقول مرتجى واجهت كثيراً من العقبات لعدم قدرة المؤسسات احتضان المواهب الشابة المبتدئة، وانتظرت سبعة أشهر، لكي أتمكن من طباعة كتابي بمساعدة من مكتبة ومطبعة سمير منصور التي وافقت على طباعته.

وتردف: "كتاب السر يكمن في تفاصيل صغيرة. محتواه مجموعة مقالات تنوعت بين الاجتماعية والإنسانية والأدبية، وتطرقت إلى بعض القصص الاجتماعية الواقعية التي تتحدث عن المرأة في المجتمع العربي وكذلك عن الرجل، وبعض المقالات التحفيزية.

يعاني الكُتاب والأدباء في قطاع غزة من عدم وجود أي اهتمام من قبل الحكومة ووزارة الثقافة بهم

وذكرت الكاتبة مرتجى الصعوبات التي تواجه الكاتب في قطاع غزة والتي تتمثل في الجانب المالي للطباعة والنشر "خاصة إذا كان طباعة الكتاب على حساب الكاتب الشخصي".

الكاتب والأديب الفلسطيني يسري الغول، أصدر العديد من مؤلفات الكتب ومجموعة قصص قصيرة حملت عناوين أزمات الحصار والانقسام، التي تمنعه من طباعة بعض مؤلفاته.

وكان آخر كتاب نشره الكاتب الغول، "غزة 87" أصدره العام 2017، يتناول معاناة عمال غزة قبل العام 1987، وانتفاضة الحجارة الأولى، وقبله بعام نشر كناب بعنوان "الموتى يبعثون في غزة"، وهو عبارة عن مجموعة قصصية تتناول واقع الحياة المعاش في غزة، بأسلوب سينمائي يستخدم لغة تقص حكايات المعذبين والمقهورين حول العالم.

غلاف كتاب "الموتى يبعثون في غزة" للكاتب يسري الغول

يقول الغول في تصريح لـ "حفريات": "يعاني الكُتاب والأدباء في قطاع غزة  من عدم وجود أي اهتمام من قبل الحكومة ووزارة الثقافة بهم، وخاصة فئة الشباب، فلا يوجد في القطاع مكتبة وطنية، فميزانية وزارة الثقافة محدودة لا تسمح لتبني وطباعة مؤلفات المبدعين الشباب، إضافة لعدم وجود مكتبات ومطابع تساعد الشباب على طباعة مؤلفاتهم".

الحفاظ على الملكية الفكرية

من جهة أخرى، يقول مدير دائرة المكتبات في وزارة الثقافة في قطاع غزة د. محمد الشريف في حديثه لـ "حفريات" إن الوزارة "تساعد الكتُاب والمؤلفين من خلال إصدار رقم إيداع لمؤلفاتهم، وذلك لحمايتهم من السرقة والتحريف والتغيير حتى في حال عدم طباعته، للحفاظ على الملكية الفكرية".

اقرأ أيضاً: حماس تمنع المهرجانات الموسيقية بغزة حفاظاً على الأخلاق

وبسبب ذلك، يقبل المؤلفون والكتُاب بشكل متزايد، لتسجيل مؤلفاتهم والحصول على رقم إيداع وفق قانون الملكية الفكرية، الذي جاء استناداً لقانون حقوق الطبع والتأليف، وبناء على قرار وزير الثقافة الخاص بالمطابع ورقم الإيداع".

لكنّ الشريف يقرّ بعدم قدرة الوزارة على مساعدة الكتّاب في طباعة ونشر أعمالهم، "نظراً لكثرة المؤلفات، والتكلفة المالية الباهظة للطباعة، فلا يوجد لدنيا ميزانية مخصصة للطباعة والنشر، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نشهدها في هذه الفترة، ولكننا نضمن لهم حقوق التأليف من السرقة والتزييف".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية