الحوار السعودي الإيراني: مناورة مؤقتة أم تهدئة دائمة؟

الحوار السعودي الإيراني: مناورة مؤقتة أم تهدئة دائمة؟


11/07/2021

تعكس ردود فعل رسمية، سعودية وإيرانية، تقدماً بخصوص جولات الحوار التي تجري بين البلدين، اللذين تباعد بينهما المواقف السياسية والإقليمية، وقد تسبّبت عدة قضايا وأحداث في القطيعة الدبلوماسية بينهما، وذلك منذ عام 2016، الذي شهد اقتحام السفارة السعودية في طهران على خلفية تنفيذ حكم إعدام بحق رجل الدين الشيعي، نمر النمر، ثم التوترات المتلاحقة المتسببة فيها الحرب باليمن، الأمر الذي نجم عنه تصاعد حدّة الخطاب وتبادل والاتهامات، إضافة إلى تهديد إيران الملاحة في الخليج. 

بغداد والوساطة بين الرياض وطهران

في العاصمة العراقية، بغداد، تعددت اللقاءات التي جمعت أطرافاً سعودية وإيرانية بهدف الحوار والتفاوض، وكذا التوصل إلى حلول للعديد من الأزمات في الإقليم، ومن بينها الحرب في اليمن، حسبما أعلن الرئيس العراقي، برهم صالح، مطلع شهر أيار (مايو) الماضي.

وبالتزامن مع تلك المحادثات التي وصفها الرئيس العراقي بـ "الإيجابية"؛ تغيرت نبرة المسؤولين السعوديين والإيرانيين، وخفتت لهجة الهجوم بين الطرفين؛ إذ علّق الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، على تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في نيسان (أبريل) الماضي، بخصوص رغبة المملكة بإقامة "علاقات مميزة" مع إيران؛ بأنّ "الجمهورية الإسلامية في إيران، من خلال تقديم مقترحات وخطط للحوار والتعاون في منطقة الخليج، بما فيها مبادرة هرمز للسلام، كانت سباقة على طريق التعاون الإقليمي، وترحب بتغيير نبرة المملكة العربية السعودية".

ضرورات وعقبات

وبينما أوضح ولي العهد السعودي أنّ المملكة لا تريد "أن يكون وضع إيران صعباً، على العكس، نريد لإيران أن تنمو، وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار"، فقد قال مدير مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي: "لقد أعلنا دوماً، خلال الأعوام الماضية، أنّنا مستعدون للتعاطي مع الدولة الجارة السعودية، وما نزال ثابتين على هذا الموقف في سياق الابتعاد عن التوتر وتقوية التعاون وتوسيع أجواء الحوار"، وأضاف: "تطوير العلاقات بين إيران والسعودية يخدم مصالح المنطقة وبإمكانه أن يسهم في التغلب على الكثير من التوترات والتحديات غير الضرورية".

في المؤتمر الأول للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، عقب فوزه بالانتخابات، منتصف الشهر الماضي، تحدّث عن سياسته الخارجية، تحديداً نحو دول المنطقة والخليج، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الرياض

 بيد أنّ بن سلمان شدّد على أنّ "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران، سواء من برنامجها النووي، أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها البالستية".

الثلاثاء الماضي، ألمحت الحكومة الإيرانية، إلى أنّ محادثاتها مع السعودية، التي تهدف إلى خفض التصعيد وتصفية النزاعات، تسير بالشكل الصحيح؛ إذ قال الناطق الرسمي بلسان الحكومة في طهران، علي ربيعي: "نقيّم بشكل جيد المفاوضات بين طهران والرياض، ونؤكد أنّها تسير بالشكل الصحيح"، لافتاً إلى أنّ "المفاوضات بدأت على مبدأ أنّ إيران تسعى إلى الأمن والاستقرار في المنطقة، ولحلّ الخلافات في المنطقة، خاصة بين البلدين، وقد حدثت تطورات في هذه المفاوضات"، وتابع: "ستواصل هذه المفاوضات حتى تضييق نقاط الخلاف إلى أقل ما يمكن".

وبحسب ربيعي؛ فإنّ "المحادثات التي جرت مع الجانب السعودي، حتى الآن، تناولت قضايا البلدين بحسن نية وحققت بعض التقدم"، مؤكداً أنّ بلاده "ستواصل هذه المفاوضات حتى تضييق نقاط الخلاف إلى أقلّ ما يمكن"، وأردف: "الحوار مع السعودية بدأ انطلاقاً من إيمان إيران الراسخ بأولوية دول الجوار وضرورة التعايش السلمي لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة، فطهران تعتقد أنّ الحوار، خاصة داخل الأمة الإسلامية، هو السبيل الوحيد الملائم لحلّ المشاكل والخلافات، وندرك التعقيدات التي تحيط بعض موارد الخلاف الأمر الذي يتطلب الوقت الكافي لحلّها".

"رئيسي" المتشدد وأبعاد سياسته الخارجية

واللافت أنّه في المؤتمر الأول للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عقب فوزه بالانتخابات، منتصف الشهر الماضي حزيران (يونيو)، تحدّث عن سياسته الخارجية، تحديداً نحو دول المنطقة والخليج، وقد رحّب باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الرياض، وقال: "فيما يتعلق بالعلاقة مع السعوديين، نرغب في إقامة علاقات مع جميع الدول في جميع أنحاء العالم، لا سيما مع جيراننا، ومع المملكة العربية السعودية"، مضيفاً أنّ إيران "لا ترى أيّ عائق في إعادة فتح السفارتين في العاصمتين".

الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي د. كمال الزغول لـ "حفريات": المحادثات الإيرانية مع المملكة العربية السعودية تسير بشكل متوازٍ مع ملفّين؛ الملفّ النووي الايرانيّ وملفّ اليمن

وعقّب على ذلك وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان؛ بأنّ "السياسة الخارجية في إيران يديرها المرشد الأعلى (علي خامنئي)؛ لذلك نبني تعاملنا نحو إيران على حقيقة الوضع على أرض الواقع، وهذا ما سوف نحكم به على الحكومة الجديدة، بصرف النظر عمن يتولى السلطة".

كما سبق أن قال رئيسي، لوكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم"، إنّه "سيعطي العلاقات الإيرانية العربية المزيد من الاهتمام بسبب عدد من العوامل أبرزها الجغرافيّة"، ورأى أنّ "تعزيز العلاقات الإيرانية مع الدول العربية والإسلامية من شأنه إبعاد التهديدات المختلفة عن هذه الدول".

وفيما يتصل بالعلاقات الإيرانية السعودية، قال رئيسي إنّه يرحّب بأيّة "مفاوضات تشترك فيها السعودية ودول المنطقة من أجل إيجاد حلول سياسية على أساس تخفيف التوتر وحفظ استقلال ووحدة الدول".

ما علاقة الصين؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، يرى الدكتور كمال الزغول، الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي؛ أنّ المحادثات الإيرانية مع المملكة العربية السعودية تسير بشكل متوازٍ مع ملفّين؛ الملف النووي الإيراني وملف اليمن، إذ لا يمكن أن تسبقهما أو تتأخر عنهما، لأنّ من مصلحة إيران التهدئة في ملف اليمن من أجل توقيع الاتفاق النووي ومتابعة التبادلات التجارية في المنطقة، لتعويض الركود الاقتصادي في إيران بسبب الحصار.

 الدكتور كمال الزغول

وفي المقابل، تسعى المملكة إلى إيجاد بيئة آمنة نفطية من أجل متابعة مشاريعها الاستثمارية، حتى الوصول لعام 2030، وتنفيذ الخطة الاقتصادية التي رسمها ولي العهد السعودي، بحسب الزغول الذي يضيف: "من وجهة نظر سياسية تتعلق بالاتجاهات السياسية الأمريكية، فإنّ دخول إيران مع المملكة العربية السعودية في حوار هو أفضل  بالنسبة إلى الولايات المتحدة من تشتت الطرفين وذهاب كلّ منهما في التعاملات التجارية نحو الصين، والذي، بدوره، يؤثّر، بشكل كبير، على الخطة الأمريكية في العالم، ولذلك؛ أرى أنّ تلك المحادثات ليست بالسريعة، وإنما تسير ضمن إطار توافقات أخرى في العالم وفي المنطقة، ومن الممكن أن تبقى كذلك حتى بعد توقيع الاتفاق، حيث تغلب عليها صفة الاستكشاف، ومن ثم التقدّم، بحسب المعطيات السياسية على الأرض".

ويلفت الباحث في التاريخ السياسي الأمريكية إلى معضلة تصدير النفط إلى الصين؛ حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى ضبطها بطريقة متوازية بين المملكة وإيران، وهذا لا يحدث إلا بالحوار، غير أنّ هذه النقطة ستأتي في مراحل متقدمة، بعد توقيع الاتفاق النووي، في حال حدوثه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية