الخريطة الإسلاموية في الجزائر: أين يتجه الإخوان بعد كل هذا التشتت؟

الخريطة الإسلاموية في الجزائر: أين يتجه الإخوان بعد كل هذا التشتت؟


08/11/2021

تتطرق هذه القراءة المركزة إلى واقع الإسلاموية الجزائرية، في نسختها الإخوانية بالتحديد، وليس الإسلاموية الدعوية (سلفية، دعوة وتبليغ)، أو الإسلاموية الجهادية (أتباع تنظيم "القاعدة" وأتباع تنظيم "داعش" و"الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال" وتنظيمات أخرى)، مع تحليل أداء المشروع الإخواني على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران (يونيو) 2021.

اقرأ أيضاً: الرئيس الجزائري: توترنا الحالي مع فرنسا الأخطر منذ 15 عاماً

وبناءً على ذلك، نوزع التقرير، على ثلاثة محاور: ماضي التجربة الإسلامية الحركية في الجزائر لأن الحاضر الإسلاموي، وخاصة الواقع الإخواني المعاصر، لم يبزغ بين ليلة وضحاها؛ أداء الإسلاميين في الجزائر في انتخابات 2021 من منطلق أنّ أداء إخوان الجزائر مختلف عن نظيره الإخواني في دول الجوار، وخاصة في تونس والمغرب، حيث نجد تنظيماً واحداً منخرطاً في الاستحقاقات الانتخابية، بخلاف الحالة الجزائرية التي تتميز بتشرذم العمل السياسي الإخواني؛ وأخيراً، محور يتضمن أهم الخلاصات.

1 ــ ماضي التجربة الإسلامية الحركية في الجزائر

تبقى التجربة الإسلامية الحركية في الجزائر حالة خاصة في حقبة ما بعد أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011-2013]، وذلك لسبب خاص لا نجده في أغلب التجارب الإسلامية في المنطقة ككل، وهي أنّ الجزائر مرّت سابقاً من نسخة محلية من تلك الفوضى بين 26 كانون الثاني (ديسمبر) 1992 و18 شباط (فبراير) 2002، وهي الحقبة التي يُصطلح عليها بحقبة "العشرية السوداء".

كانت تلك الحقبة بالنسبة للحركات الإسلامية عنواناً حول أداء وطبيعة مشاريعها، وتوجد تلك الفترة، من بين أهم التي جعلت الجزائر لا تعرف أي تفاعل مع أحداث الفتنة بين 2011 و2013، كما توجد ضمن أهم مؤشرات تواضع أداء التيار الإخواني، لأسباب عدة، منها ثقل مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية، وبالنتيجة، لن نتوقف هنا عند تاريخ المشروع الإخواني في الجزائر، منذ مرحلة التأسيس الأولى، مع "حركة الموحدين"، وبعدها مرحلة "الجماعة الإسلامية" في الثمانينيات، ثم "جمعية الإرشاد والإصلاح"، ثم "حركة المجتمع الإسلامي في التسعينيات"، و"حركة مجتمع السلم" و"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، بقدر ما سنركز على واقع العمل الإخواني خلال السنوات الأخيرة.

تتطرق هذه القراءة المركزة إلى واقع الإسلاموية الجزائرية في نسختها الإخوانية بالتحديد

يبقى أداء التيار الإخواني متواضعاً كما يُلخصه واقع أهم الحركات والأحزاب الإخوانية، والتي يمكن حصرها في ما يلي:

ــ "حركة مجتمع السلم": تعتبر الحركة الذراع السياسي الأبرز للإخوان في الجزائر، وثاني أكبر القوى الإسلامية في الجزائر، التي نشأت كحزب العام 1991، بعدما انتقلت الحركة من مرحلة العمل السري الذي بدأ في العام 1963 وقوي في السبعينيات، مستنداً في مرجعيته إلى منهج جماعة الإخوان المسلمين تحت راية "جمعية الإرشاد والإصلاح"، إلى مرحلة العمل العلني في منتصف السبعينيات بمعارضة صريحة وعملية لحكومة هواري بومدين باسم تنظيم "جماعة الموحدين"، بقيادة محفوظ نحناح الذي دعا إلى العمل الإصلاحي الإسلامي، وتجنب الصدام مع السلطة محاولاً فتح باب الحوار معها.

اقرأ أيضاً: المغرب يتهم الجزائر بتجنيد الأطفال في مخيمات تندوف... تفاصيل

حدث انشقاق في الصف الإخواني في الجزائر ليخرج الشيخ عبد المجيد المناصرة [والذي أصبح نائب رئيس "حركة الدعوة والتغيير"] عن الحركة، مؤسّساً رفقة الشيخ مصطفى بلمهدي، رئيس الحركة، "حركة الدعوة والتغيير" في نيسان (أبريل) العام 2009.

ــ "حركة الدعوة والتغيير": تُعد الجناح الآخر للإخوان المسلمين في الجزائر، وتمتد عبر مختلف ولايات الجزائر، ولها مجلس شورى وهيئات تتكفل بالملفات الكبرى للدعوة والتربية وقضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، كما تضم أقساماً تنظيميةً تشرف على العمل اليومي لمختلف شؤون الحركة التنظيمية والتربوية والاجتماعية والسياسية وقضايا المرأة والشباب والجامعات، وبها الآلاف من الإخوان.

انتخابات 2021 لم تنقل الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة لكنها صعدت عالياً بأسهم التيار المحسوب على المشروع الإخواني

ــ "جبهة العدالة والتنمية": يتعلق الأمر بحزب سياسي إخواني، أسّسه الشيخ عبد الله جاب الله في 30 تموز (يوليو) 2011 بعد انسحابه من "حركة الإصلاح الوطن"، ويدعو الحزب إلى أسلمة المجتمع وإلى التنمية وتوفير الفرص للشباب وإلى مصالحة حقيقية في الجزائر تساهم في عودة الحقوق السياسية لكل الجزائريين، ويوجد حالياً ضمن أحزاب المعارضة النيابية، ولكنه حزب متواضع تنظيمياً.

هناك محاولات ميدانية تستهدف توحيد العمل الإخواني، كانت آخرها قبل انتخابات حزيران (يونيو) 2019، عندما قامت "حركة مجتمع السلم" عبر مبادرة للتوافق على انتخاب رئيس توافقي، يقود إصلاحات مدعومة حزبياً وشعبياً، ولكنها انتهت بالفشل.

 2 ــ أداء إسلاميي الجزائر في انتخابات 2021

في غضون 12 حزيران (يونيو) 2021، جرت الانتخابات التشريعية، وتميزت بسابقة إخوانية وإسلاموية بشكل عام، عنوانها مشاركة 6 أحزاب إسلامية، من عائلتين سياسيتين مختلفتين:

أ ــ جاءت العائلة الإخوانية الأولى مُجسَّدة في التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين ممثلاً في "حركة مجتمع السلم"، و"حركة البناء الوطني" المنشقة عنها.

ب ــ أمّا العائلة السياسية الثانية، فجاءت مجسدة في ما يُصطلح عليه بـ"التيار النهضوي"، الذي أسّسه عبد الله جاب الله، ويضم كلاً من "جبهة العدالة والتنمية"، و"حركة النهضة" و"حركة الإصلاح"، و"جبهة الجزائر الجديدة" المنشقة عن الأخيرة بقيادة الصحفي والنائب السابق جمال بن عبد السلام.

اقرأ أيضاً: هل زرت وادي ميزاب في الجزائر من قبل؟.. شاهد أبرز معالمه

أما حصيلة هذه المشاركة، فلا تخرج عن تأثير الصراعات القائمة بين الفصائل الحزبية الإخوانية والنهضوية، ومفادها أنّ إسلاميّي تونس ضاعفوا عملياً من عدد المقاعد البرلمانية، لكنهم فشلوا في الفوز بالمرتبة الأولى، وفي تفاصيل هذه النتائج، اتضح أنّ "حركة مجتمع السلم" ضاعفت مقاعدها [حصلت على 105 مقاعد مقابل 64 مقعداً في انتخابات 2017] كما صعدت "حركة البناء" بشكل لافت، مقابل أفول التيار النهضوي.

يمكن حصر أهم مفاجآت هذه الانتخابات في النقاط الثلاث الآتية:

أ ــ حصد "حركة مجتمع السلم" 3 مقاعد من إجمالي 8 مقاعد المخصصة للجالية في الخارج. وهذه المرة الأولى التي تفوز فيها الحركة بمقاعد في المهجر.

ب ــ حصد "حزب البناء" الإسلامي حديث التأسيس زمنياً [تأسّس في العام 2014] 40 مقعداً، حتى إنه اكتسح جميع مقاعد ولاية مستغانم الساحلية والهامة بالغرب الجزائري، وأخذ جميع مقاعدها الثمانية.

ج ــ الانهيار التنظيمي الرسمي للأحزاب الإسلامية القادمة من "تيار النهضة"، إحالة على "حزب النهضة"، والذي انشطر إلى أربعة أحزاب، حيث من رحم "حركة النهضة" [عقب حذف كلمة إسلامية من شعارها] ويتعلق الأمر بـ"حركة الإصلاح" و"حزب العدالة والتنمية" و"جبهة الجزائر الجديدة"؛ وجاءت معالم الانهيار في حصول "حزب العدالة والتنمية" على مقعدين فقط، وحصول "جبهة الجزائر الجديدة"  التي يقودها الإسلامي الأمازيغي جمال بن عبد السلام، على مقعد واحد فقط، وهي نفس نتيجة انتخابات 2017، رغم محاولتها الانفتاح على مثقفين وكوادر من خارج التيار الإسلامي، وعدم حصول "حركة النهضة" [التنظيم الأم] و"حركة الإصلاح" على أي مقعد أساساً، لأول مرة منذ تأسيسهما، ودخلا قاموس الأحزاب المجهرية، مما قد يؤدي إلى انحلالهما أو اندماجهما في أحزاب أخرى.

 خلاصات أولية

تأسيساً على ما سبق من تطورات الحالة الإسلامية الحركية في الجزائر، في نسختها الإخوانية بالتحديد، سواء تعلق الأمر باستحضار سياقات التأسيس والأداء خلال العقدين الأخيرين، أو أداء الأحزاب الإسلامية في تشريعيات حزيران (يونيو) 2021، يمكن تلخيص هذا المشهد في النقاط التالية:

أ ــ كانت "العشرية الدموية" بمثابة النسخة الجزائرية من "الفوضى الخلاقة" أو "الربيع العربي"، لأنّها كشفت عن عدة نتائج منها طبيعة الإسلاموية في حال الصراع على السلطة، ومنذ تلك الحقبة حتى انتخابات صيف 2021، والإسلاميون الجزائريون، وخاصة التيار الإخواني، موزعون على الانقسام والحضور شبه الصوري، وفي تراجع بشكل عام، بخلاف الأمر مع إخوان تونس والمغرب، حيث الحضور مستمر على كافة الجبهات، السياسية والإعلامية والثقافية والدينية وغيرها.

 تبقى التجربة الإسلامية الحركية في الجزائر حالة خاصة في حقبة ما بعد أحداث "الفوضى الخلاقة"

ب ــ مؤكد أنّ الانتخابات التشريعية 2021 لم تنقل الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، لكنها صعدت عالياً بأسهم التيار المحسوب على المشروع الإخواني، مقابل أفول التيار المحسوب على المشروع النهضوي، والمهدد عملياً إما بالعودة إلى التنظيم الأم، من أجل التقليل من أضرار الأفول، أو التبدد.

ج ــ بما أنّ المشروع الإخواني، مشروع دولي، وليس خاصاً بدولة عربية إسلامية دون غيرها، فإنّ أسباب وتداعيات الخلاف الإخواني ــ الإخواني الجزائري، مرتبطة بأداء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والتي وجدت صعوبة في تدبير الخلاف الذي تعرض له الفرع الإخواني الجزائري، لعدة أسباب، أهمها تأثير رواسب قديمة قدم خلافات "حمس" نفسها [أي الخلافات التنظيمية داخل "حركة مجتمع السلم"].

د ــ على الرغم من تبني الإخوان في الجزائر لفكر التغيير السلمي والوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، إلا أنّها ما تزال تعاني من عدم القدرة على إيجاد بديل لحالة العنف الجزائرية التي يقوم بها أطراف يتبنون نفس الأفكار القطبية الإخوانية؛ أو حالة الانقسام داخل البيت الإخواني، مما يجعل من المستحيل التوافق على وحدة الموقف الوطني تجاه القضايا الوطنية الكبيرة كالانتخابات وتشكيل الحكومة، وانتخابات الرئاسة وجلسات البرلمان.

في ظل الانشقاق الأخير وتبعاته لا أحد يعرف ممثل المشروع الإخواني في الجزائر

هـ ــ يتميز التيار الإسلامي في الجزائر بكثرة الانقسامات والصراعات، فمن جهة، يبقى موزعاً على تيار إخواني وآخر نهوضي؛ ومن جهة ثانية نعاين انقسامات متتالية داخل كل تيار، بما يساهم في تشتت أصوات الإسلاميين في أي انتخابات، وهذا عينُ ما جرى في استحقاق 12 حزيران (يونيو) 2021.

و ــ نتيجة لاستمرار هذا الخلاف الإخواني ــ الإخواني، مع إصرار كل طرف على مواقفه من الآخر، إلى جانب حرصه على دعم الجماعة الأم في الخارج، وفي ظل الانشقاق الأخير وما تبعه من تشرذم على مستوى القواعد الإخوانية والأفراد، واستحالة فرض حل تنظيمي أمام هذه الأوضاع، لم يعد الرأي العام يملك جواباً نهائياً حول طبيعة ممثل المشروع الإخواني في الجزائر، باستثناء هذه القفزات الانتخابية المتأرجحة بين التراجع تارة والصعود تارة أخرى، ولكنّها قفزات إخوانية مشتتة وليست موحدة أو مجسدة في مشروع واحد دون سواه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية