الخطر المدمر للأيديولوجيا في الأنظمة الشمولية

الخطر المدمر للأيديولوجيا في الأنظمة الشمولية


01/08/2018

حين يعتنق الكائن أيديولوجيا ما، أو ينحاز إليها، فإنّ هذه الأيديولوجيا تغدو النظارة التي يرى فيها العالم. وليس هذا فحسب؛ بل ويُخطِّئ المختلفين معه بالمطلق. فتغدو المعرفة، إذ ذاك، أسيرة الأيديولوجيا وليست عملية كشف وفهم وتفسير وموضوعية، وهذا هو معنى العائق الأيديولوجي للمعرفة.

الشيوعي العربي كان يرى في التجربة السوفيتية المثل الأعلى ولا يتقبل أيّ نقد لها

فالشيوعي العربي ذو النزعة البكداشية، مثلاً، والذي عاش في الاتحاد السوفيتي أو لم يعش، كان يرى في التجربة السوفيتية المثل الأعلى في السياسة والاقتصاد والأخلاق والمعرفة، وما كان يطيق سماع أي نوعٍ من أنواع النقد لها.

وحين ذهبنا إلى الاتحاد السوفيتي رأينا ما لا يخطر على بال من فقر وفساد وقمع وكذب إعلامي ومحسوبية، فضلاً عن مكتسبات للمجتمع بلا شك؛ كالتعليم والصحة والسكن. وكان ماركس وإنجلز ولينين نهاية المعرفة، وقولهم قولاً مطلقاً، وكتبهم كتباً مقدسة. ولهذا كنّا نخاف من نقدهم. وحين انهارت التجربة وانهارت معها الأيديولوجيا، تحرّر العقل، وراح يتحدث عن الحقائق دون عائق أيديولوجي .

اقرأ أيضاً: الأيديولوجيا ليست ديناً ولا علماً ولا فكراً

وقسْ على ذلك صاحب الأيديولوجيا الإسلاموية -الأصولية المتعصبة ورؤيته للآخر المختلف كالأوروبيين مثلاً. فأوروبا بالنسبة للأيديولوجي الأصولي المتعصب ليست سوى بلاد الكفر والدعارة والانحطاط الأخلاقي والاعتداء على الإسلام وأهله، فعماه الأيديولوجي يمنعه من رؤية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقدم المعرفة في كل جوانب المعرفة العلمية والثقافة، إلخ.

وحين قامت الردة الدينية في إيران عام 1979 أقمنا طقوس الأفراح والاحتفالات بهذه الردة وسميناها (الثورة الإيرانية)، ولَم نر الروح الكسروية التي لبست لبوساً أصولياً دينياً، ولَم نرَ نكوصيتها التاريخية، كل ذلك انطلاقاً من موقفنا الأيديولوجي المعادي لإسرائيل، ولكل من يدعم إسرائيل ويعترف بها كنظام الشاه.

يبدو خطر الأيديولوجيا على المعرفة في الدول الديمقراطية أقل بكثير من خطرها المدمر في الأنظمة الشمولية

وإذا نظرنا إلى إيران اليومَ نظرة تاريخية، سنرى بأنّ روح العبودية الكسروية مستمرة في إيران. ولقد تعيّنت في العصر الحديث في شاه إيران الذي حاول أن يركب بين كسروية قديمة وحداثة أوروبية، ولكن حجم التناقض بين الكسروية والحداثة كبير إلى الحد الذي لم يستطع أن يحتفظ بها، فآلت عبر ردة دينية إلى  كسروية لاهوتية، حيث تحول مرشد "الثورة"- ولي الفقيه إلى كسرى مطلق الصلاحية بعمامة شيعية مناهض لحداثة العقل والمدنية المعاصرة، مع استغلال أقصى لمنجزات العلم في إهابه التقني.

اقرأ أيضاً: عندما عبد الناس الفقه والأيديولوجيا والسلاطين

لقد حطّمت الكسروية اللاهوتية طريق الحداثة الإيرانية، واحتفظت بعقلية التوسع خارج فارس. كان الشاه - الذي لُقب بشرطي أمريكا في الخليج - يعرف حدود توسع إمبراطوريته في إطار الإمبريالية العالمية التي كانت قد أبرمت التقاسم مع الإمبراطورية السوفيتية. واكتفى باحتلال الأحواز وجزر الإمارات العربية، في حين جمعت الكسروية اللاهوتية لولاية الفقيه بين النزعة القومية والنزعة الدينية الشيعية في سياستها في التوسع الكسروي.

والأخطر من هذا كله حين تتحوّل الأيديولوجيا إلى عائق أمام المعرفة الاختبارية وحقائق الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء والجيولوجيا، وما شابه ذلك من علوم تصحح أخطاءها.

إذا نظرنا إلى إيران نظرة تاريخية نرى بأنّ روح العبودية الكسروية مستمرة فيها مع طموحات توسعية

وكذلك حين ترفض الأيديولوجيا المعتنقة من قبل علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ الاحتكام إلى المعقولية ومناهج البحث .

وإذا كان من حق الإنسان أن ينتمي إلى أية أيديولوجيا كانت، لكن ليس من حقه أن يعتبرها الحقيقة المطلقة ويحمل الناس على الإيمان بها وفرضها بالقوة على الآخرين.

اقرأ أيضاً: حين يقتل المتطرفون باسم الله وتقتل الأيديولوجيات باسم الوطن

ولهذا يبدو خطر الأيديولوجيا على المعرفة في الدول الديمقراطية أقل بكثير من خطرها المدمر في الأنظمة الشمولية التي تفرض أيديولوجيتها على المجتمع، والتاريخ شاهد على ذلك الخطر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية