الخليج.. والقضية الفلسطينية

الخليج.. والقضية الفلسطينية


21/04/2022

هيلة المشوح

أجزم بأنه لم تُدعم قضيةٌ على هذه البسيطة ومنذ بدء الخليقة كما دَعمت دولُ الخليج العربي القضيةَ الفلسطينيةَ. ولا توجد دولٌ صمدت على مواقفها تجاه قضية كما صمدت دول الخليج في مواقفها السياسية إزاء حق الشعب الفلسطيني على أرضه ومقدساته.

«روزماري سعيد» كاتبة ومؤرخة فلسطينية، لسبب أو لآخر، لم تحظَ كتبُها وإنتاجها الأكاديمي بالانتشار اللائق، وقد تُرجم مِن مؤلفاتها كتابٌ واحدٌ فقط هو «فلسطين ودول الخليج.. العلاقات الفعلية»، وهو آخر مؤلفاتها، وقد أصدره زوجُها في عام 2009، أي بعد وفاتها بثلاث سنوات. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يسلّط الضوءَ على الدور الخليجي تجاه القضية الفلسطينية ومواقف قادة دول الخليج الحازمة إزاء التعنت الغربي آنذاك.

وتحدثت الكاتبةُ عن العلاقات بين فلسطين والخليج منذ الثلاثينيات، وأشارت إلى شح المراجع حول هذه العلاقات في تلك الفترة، وتحدثت عن فلسطين ودول الخليج قبل اكتشاف النفط وبعده، وعن الخليج وفلسطين بعد حرب السويس، وعن الخليج وفلسطين بعد حرب عام 1967، ثم بعد حرب عام 1973، وعن الخليج وفلسطين في عقدي الثمانينيات والتسعينيات. وحين بحثتُ عن الكتاب في الإنترنت وجدتُ أن البعض قدَّمه بطريقة ملتوية وجبانة، وهذا أقل ما أستطيع أن أصف به مَن يتعاطون بجحود ونكران مع الجهود الخليجية إزاء فلسطين وقضيتها، ويدَّعون أن هذه الدول إنما تفاعلت وتتفاعل مع القضية استجابةً لقوى القومية العربية! كيف يكون ذلك والقياداتُ في دول الخليج كانت تحفِّز شعوبَها وتدفعها للتبرعات والبذل انتصاراً للشعب الفلسطيني؟

تذكرتُ ذلك حين ازدحمت منصة «تويتر» مؤخراً بالفيديوهات المسيئة لدول الخليج، وللمملكة العربية السعودية على الخصوص، من ناشطين فلسطينيين لم يتورعوا عن الفجور والجحود بحق أي خليجي اقتطع من ثمن وجبته المدرسية ذات يوم تبرعاً لفلسطين!لم يكن الدافع لاستحضار روزماري سعيد الاستشهادَ بتوثيقها للأحداث فحسب، بل إن التوقيت الحالي أصبح يدعو بإلحاح لعرض مثل هذه الكتابات الرصينة، في زمن تصدَّرت الحديثَ فيه عن القضايا الكبرى مجموعاتٌ همُّها الشيطنةُ والجحودُ وتسطيحُ القضايا واقتطاع الأحداث من سياقاتها، واختزال المأساة الفلسطينية كلها في دول الخليج، عبر إنكار مواقفها المشرِّفة طيلةَ عقود متتالية، وجحود ما قدّمته من دعم راسخ ومتواصل للقضية الفلسطينية. وما أكثر «المحطات التاريخية» التي برهنت فيها دول الخليج عن مواقفها الثابتة إلى جانب الشعب الفلسطيني، انطلاقاً من التزام أخلاقي لن تزحزحه أية مهاترات!

في حرب يونيو 1967 وقفت السعودية مع مصر وسوريا وقفةً صلبةً لا تردد فيها، وفي حرب أكتوبر 1973 قطعت الدولُ الخليجيةُ النفطَ عن أميركا وكل داعمي احتلال الأراضي الفلسطينية، وشمل الحظرُ دولاً أوروبيةً للضغط عليها بهدف التخلي عن دعم الاحتلال الإسرائيلي وإصدار بيان يطالبه بالانسحاب لحدود عام 1967. وعجَّل من اتخاذ قرار حظر النفط استخدامُ أميركا الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يستنكر استمرارَ احتلال إسرائيل للأراضي العربية.

وعندما التقى الملك عبد العزيز بالرئيس الأميركي روزفلت عام 1945، أعرب الملك عن معارضته الحازمة لأي توسع في الأراضي العربية، وتعهد له روزفلت بامتناع أميركا عن اتخاذ أي قرار يتعلق بفلسطين دون التشاور فيه مع العرب، لكن روزفلت توفيّ وجاء من بعده الرئيس هاري ترومان بمواقف نقضت التعهدات الأميركية السابقة. وأخيراً، تحضرني جملة بديعة من كتاب روزماري تعلِّق بها على قطع دول الخليج النفط: «إن فرضَ حظر النفط بعد سنوات قليلة من سحب بريطانيا قواتِها من الخليج، أظهر الطبيعةَ العربية الأصيلة لدول الخليج، رغم مائة وخمسين عاماً من المحاولات البريطانية لعزلها».

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية