"الذئب الرمادي".. أردوغان وسياسة التنقل بين المصالح

تركيا وأردوغان

"الذئب الرمادي".. أردوغان وسياسة التنقل بين المصالح


15/03/2018

في السياسة تبرز لغة الجسد وإشاراتها المتعددة، كما الكلمات، باعتبارها مجموعة من الرموز، التي تنتظم داخل الخطاب السياسي؛ حيث تعكس مضامين وتأويلات متفاوتة، وبمقدورها أن تفصح عن توجهات ودلالات من تصدر عنه.

ما سبق ينطبق على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي استبدل شارة "رابعة"، التي لطالما اشتهر برفعها، في دعايته السياسية للجماهير، في مناسبات عديدة، داخل تركيا وخارجها، وتخلّيه عنها في مقابل إعلان شعار "الذئب الرمادي"، في مدينة مرسين، جنوب تركيا؛ وهو رمز خاص بالقوميين، وحزب الحركة القومية.

وتبدو صورة الرئيس التركي، الذي رفع شعار القوميين مؤخراً، مناسبة ومنسجمة، مع السياق العام؛ مع دخول أجواء الانتخابات الرئاسية والمحلية والبرلمانية، المزمع إجراؤها، في العام المقبل، وتعكس تلك الإشارة، تحالفاً جديداً لأردوغان وحزبه.

ولئن تبدو الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا، هي الأصعب، لما سيترتب عليها من مآلات جديدة؛ حيث سيتم فرض وتطبيق النظام الرئاسي بصورة فعلية، بعدما جرى تمريره، عبر الاستفتاء على التعديلات الدستورية، في نيسان (إبريل) الماضي، فإنّ البرلمان التركي أقرّ في اجتماعه، الإثنين الماضي، عقد تحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، برئاسة رجب طيب أردوغان، وبين الحركة القومية، التي يتزعمها دولت بهتشلي، فيما وصفت أحزاب المعارضة التحالف بين الحزبين بـ "القذر".

أردوغان في دائرة المغامرة لو ظلّ متمسكاً بموقفه من عدم تحالفات مع الآخرين

لماذا تحالف أردوغان مع القوميين؟

ويتيح القانون الجديد، المجال لتحالف رسمي بين الحزب الحاكم والحركة القومية، رغم عدم حصول الأخير على 10%، من مجموع الأصوات الانتخابية، الذي كان المعيار القديم للحصول على مقاعد انتخابية.

ويجيء هذا التحالف الاضطراري والعرضي، الذي يخوضه أردوغان في ظل تقديرات، لاتجاهات الرأي العام، تشير إلى شعبية حزبه، التي تتراوح بين 40 -50 %؛ حيث يضعه ذلك، أمام احتمالات غير قوية بالفوز، في الانتخابات، وتجعله في دائرة المغامرة؛ لو ظلّ متمسكاً بموقفه من عدم تحالفات مع الآخرين.

يتيح القانون الجديد المجال لتحالف رسمي بين الحزب الحاكم والحركة القومية رغم عدم حصول الأخير على 10% من الأصوات الانتخابية

كما أنّ تمكن العدالة والتنمية من حسم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، جاء بأغلبية لم تتجاوز 2٪، بينما شهد الحزب خسارة في المحافظات الكبرى، ومن بينها، إسطنبول والعاصمة أنقرة؛ وهو ما يضعه أمام ضرورة المراجعة الجادة، لموقفه من الانتخابات، والبحث عن سيناريوهات بديلة، عوضاً عن الدخول في أفق مسدود وخسارة مرجحة.

ومنذ شنّت تركيا عملياتها المسلحة، في عفرين، والتي تعد المرحلة الثالثة، في سياق التدخلات العسكرية لأردوغان، في الحرب السورية، التي بدأت في شمال إدلب، وتلا ذلك عملية "درع الفرات"، لا تكفّ وسائل الإعلام التركية، عن الحشد القومي والديني، والسعي إلى جذب التأييد الشعبي، للعملية العسكرية، بهدف حماية المكوّن التركي، الذي يهدد وجوده الهوياتي، الأكراد وحزب العمال الكردستاني.

يتحرى أردوغان تعبئة الجماهير بخطاب يدغدغ مشاعر الأتراك

العثمانية الجديدة والهيمنة على المسلمين

لم تقف الأمور في تركيا عند هذا الحد؛ بل فرضت الشؤون الدينية في البلاد، على جميع المساجد، قراءة سورة "الفتح"، وهو تقليد عثماني قديم، فضلاً عن الدعوة على المنابر، بنصرة الجيش التركي، فضلاً عن إذاعة أخبار في الإعلام المحلي، تبرز حرص الجنود على أداء الصلاة، قبل بدء عملياتهم العسكرية، وأغنيات تحمل نفس الطابع الديني الحماسي؛ أبرزها "الشهداء لا يموتون".

تتقاطع تلك الإشارات الدينية، مع عناصر خطاب أردوغان الذي يمزج بين الإسلام وتعزيز الشعور بالقومية، فيردّد: "من صبر ظفر". كما يصف عملية عفرين، بأنّها "الكفاح الوطني والقومي".

تنامي النزعة القومية الإسلامية، التي تقوم على محاصرة السياسة "الكمالية" وتصفيتها، بما تستند عليه، من عنصري العلمانية والقومية، تبدو كرؤية إستراتيجية لأردوغان، ويدشنه عبر تحالف قوي مع الإسلام الراديكالي، واستعادة الحديث عن "الخلافة العثمانية"، وبعث ميراث الدولة القديم، كما يترافق بصورة رئيسية، مع تحولات السياسة الخارجية لأردوغان، وتحركاته العسكرية، في المحيط الإقليمي، وتمديد نفوذ سياسي ومسلح، من ناحية، وتهيئة الواقع في الداخل، عبر التشريعات والتعديلات الدستورية، من ناحية أخرى، حتى يصبح بمقدوره من خلال أن يمسك زمام "السلطنة"، وينفرد بالسلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية.

تنامي النزعة القومية الإسلامية القائمة على محاصرة السياسة الكمالية وتصفيتها تبدو كرؤية إستراتيجية لأردوغان

لذا، يتحرى أردوغان تعبئة الجماهير بعناصر خطاب شعبوي، يدغدغ مشاعر الأتراك، يؤسس للتمايز الحضاري، وتفوقهم القومي، وضرورة مدّ خطوط التواصل، مع الأمة المسلمة، التي تستهدف قيادتها تركيا، وتعزيز الرؤية العثمانية الإسلامية، بهدف بناء تكتّل سني، تتقدم فيه بالزعامة.

"نحن أحفاد العثمانيين"، هي إحدى العبارات التي يستخدمها أردوغان، للتّماهي مع توجهاته العثمانية، والتي يستتبعها بمحاولات للتمدد السياسي والجغرافي، في الأقاليم العربية.

أردوغان والتوظيف السياسي للدين

وفيما يبدو أنّ الرئيس التركي يسعى بصورة مستمرة، قبل الاستحقاقات الانتخابية، إلى جذب شرعية والحصول على مؤيدين، عبر التأكيد على مشروعه الأيديولوجي والسياسي الجديد، ومحاولة خلق اصطفاف معه، وهو ما بدا بوضوح في الاستثمار السياسي للدين، بعد الانقلاب الفاشل، قبل عامين، ووصفه بأنّه "هدية من الله"، وتكرار ذلك، مع الشروع في تنفيذ عملية "غصن الزيتون" العسكرية، وللتعمية على الجرائم بحق المدنيين، والإبادة والتوحش المفرط، في استخدام القوة العسكرية ، بالمعارك العنيفة، خلال الشهور الماضيية، واعتباره "نصرة للأبرياء من المسلمين".

"نحن أحفاد العثمانيين" إحدى العبارات التي يستخدمها أردوغان بمحاولات منه للتمدد السياسي والجغرافي في الأقاليم العربية

وفي هذا السياق يقول الكاتب الصحافي اللبناني فادي عاكوم لـ"حفريات"، إنّ أردوغان بعد دخوله بشكل مباشر في الحرب السورية، "أصبح بحاجة لتأييد من كافة الفئات المجتمعية التركية، على اختلاف توجهاتها وميولها الدينية والسياسية والقومية؛ لأنّ الدخول إلى عفرين، والذي أصبح كمستنقع لاستنزاف سياسة أردوغان، دفعه إلى اللجوء لشتى الوسائل المقنعة، التي من شأنها أن تسكت الشعب التركي، فبدأ بمسألة الدين والتكفير، بعد اتهامه للأكراد بأنّهم "ملحدون وضد الدين الإسلامي"، ليؤمن الدعم من الجهات والفئات الدينية المتطرفة؛ التركية والسورية، والتي مهّدت الطريق بشكل كبير، عبر خلق هوة كبيرة بين أبناء الشعب السوري، من جهة، وبين الأكراد والأتراك، بشكل نهائي"

ويتابع عاكوم حديثه "لا غرابة" في لجوء أردوغان لرفع الشعارات القومية (كشعار الذئب) في هذه الظروف فهو أمر كان متوقعاً منه، برأيه، "نظراً لحجم الخسائر الكبيرة، التي لحقت بالجيش التركي، خلال الأيام الماضية، في منطقة عفرين".

الصراع الهوياتي في سياسة أردوغان

لجوء أردوغان وآلته السياسية والإعلامية، للشعارات القومية، توضح، وفق عاكوم، التلوّن الكبير الذي يتمتع به أردوغان وقيامه بالتأرجح على الحبال، طبقاً للظروف والمصالح السياسية، والمكتسبات المرحلية، وبالتالي، فإنّ اللعب على وتر الشعور القومي وتصوير معركة عفرين، بأنّها مسألة بقاء بالنسبة للأتراك، وتمجيد الدولة العثمانية والحفاظ على تراثها، من شأنه أن يؤمّن له، رصيداً إضافياً داعماً، وكأنّه يحتفظ بهذه الورقة، لو لم تسر الأمور، كما يجب ويريد في عفرين.

يسعى أردوغان بصورة مستمرة إلى جذب الشرعية والحصول على مؤيدين عبر التأكيد على مشروعه الأيديولوجي والسياسي الجديد

ويبدو أنّ أردوغان، بحسب قول عاكوم "لم يكن يتوقع هذه المقاومة الشرسة، في عفرين؛ فلجأ إلى هذه الورقة، بغية تأمين الداخل، من جهة، وتأمين الحشد القومي اللازم، من جهة أخرى، فمهما ابتعد الشعب التركي عن العصبية القومية، إلا أنّ التلويح بخطر يهدد أبناء هذه القومية من شأنه تعبئة النفوس بشكل كبير".

وأوضح عاكوم، أنّ أردوغان "نجح بإيجاد هوة عميقة بين العرب والأكراد، في سوريا، وحالياً، هو يعيد الكرّة بين الكرد والأتراك مجدداً، خصوصاً، وأنّ التوتر موجود أساساً، بين أبناء القوميتين، منذ عقود طويلة، وهذا أمر لو استمر، فمن شأنه أن يؤمن له قاعدة، لا بأس فيها، خلال الانتخابات المقبلة، والتي سيقوم من خلالها بمحاولة إبعاد اتهامات دعم الإرهاب، التهمة التي لاحقته، في الفترة الماضية، بعد ثبوت دعمه المطلق، لتنظيمي؛ داعش والنصرة، على أن يعيد تصوير نفسه بأنه القائد القومي المنقذ للأتراك والقومية والوجود التركي.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية