الرئاسات العراقية الثلاث: لا مرجعية للقرار الوطني غير الدولة

العراق

الرئاسات العراقية الثلاث: لا مرجعية للقرار الوطني غير الدولة


02/09/2019

بدا العراق، وهو يخوض معركةً من أجل الدولة ضدّ معسكرٍ، يشعر أنّه أقوى منها ومن قانونها، هو معسكرُ القوى المسلحة المنضوية تحت راية "الحشد الشعبي"، لكنّها ترفض تسليم سلاحها للدولة، مثلما ترفض تطبيقَ قرار رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي، القاضي بإنهاء أيّ وجودٍ مسلح خارج مظلّة القوات المسلحة العراقية.

اقرأ أيضاً: "الحرس الثوري العراقي"
تلك المعركة غير المعلنة، خاضتها الرئاسات الثلاث (الجمهورية، الحكومة والبرلمان)، وبدأها رئيس الجمهورية، برهم صالح، حين دعا إلى اجتماع في "قصر السلام" ببغداد، الإثنين 26 آب (أغسطس) 2019، بحضور رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، ورئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، فالح الفياض، وعدد من قيادات الحشد الشعبي، وسط غياب واضح للمعسكر الآخر من الحشد، والذي يمثله نائب رئيس "هيئة الحشد" أبو مهدي المهندس، وبات يسمى "حشد سليماني" في إشارة إلى تبعيته للأجهزة الإيرانية.

الرئاسات الثلاث: أيّ تجاوز على الدولة ومؤسساتها خروج عن المصلحة الوطنية وخرق للقانون ويعامل بموجب ما تقتضيه القوانين

صحيح أنّ تعبيرات دبلوماسية وإعلانات من نوع: "جرى خلال اللقاء، التأكيد على أهمية الدور البطولي الذي قدمته مختلف قوات الحشد الشعبي، إلى جنب باقي تشكيلات قواتنا المسلحة، في معارك التحرير ودحر الدواعش والإرهاب" تبدو طبيعية في مناسبات كهذه، إلا أنّ المهم الذي ورد في البيان الرئاسي؛ هو الموقف الذي شدد على "احترام سيادة القانون والتأكيد على مرجعية مؤسسات الدولة والتقيد بكلّ ما يعزز هذا الدور، ويحفظ أمن وسلام العراق واستقراره".
هذا لم يكن يبدو مسموعاً قبل يومين أو ثلاثة من ذلك الاجتماع الرئاسي مع الحشد، فقد أصدر المهندس بياناً بدا فيه هو الدولة، بل الأعلى منها والأقوى، وأصدر فيه تهديداً واضحاً للقوات الأمريكية في العراق.
اجتماع الرئاسات الثلاث مع قادة الحشد الشعبي

تأسيس على بداية مشجعة
تلك البداية المشجّعة، كي تستعيد الدولةُ العراقية، بحضور الجناح الموالي لها في الحشد الشعبي، والذي يمثله فالح الفياض، زمامَ المبادرة من الجناح الموالي لإيران في الحشد الشعبي، تمّ التأسيسُ عليها بدعوة من رئيس الجمهورية، برهم صالح، لاجتماع ثانٍ في اليوم ذاته، وبحضور رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، مع "القيادات الوطنية"، لتدارس الوضع السياسي والأمني في البلاد والمنطقة.
واطّلع الحاضرون على تقرير قدمه رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بخصوص التفجيرات التي تعرضت لها مخازن للأسلحة والعتاد خلال الأيام القليلة الماضية.

اقرأ أيضاً: تركيا تحاول النفاذ إلى الساحة العراقية عبر أزمة الكهرباء
وأكّد المجتمعون على "دعم الحكومة في إجراءاتها لحماية السيادة وتعزيز قدراتها الدفاعية، واتخاذ كافة الإجراءات عبر جميع القنوات الفاعلة والمنظمات الدولية والإقليمية كافة، والتي من شأنها ردع المعتدين والدفاع عن العراق وأمنه وسيادته".
كان هذا المدخل مهماً، غير أنّ الأهم كان في تشديد بيان رئاسي على ثلاث نقاط جوهرية من بين ستّ تضمنها، هي:
1 .احترام مرجعية الدولة والتقيد بها في مختلف الظروف، والالتزام بالسياق المؤسساتي الدستوري، ومراعاة سيادة القانون، واعتبار أيّ تجاوز على الدولة ومؤسساتها أنّه خروج عن المصلحة الوطنية، وخرق للقانون، ويعامل وفق ذلك وبموجب ما تقتضيه قوانين الدولة العراقية.

اقرأ أيضاً: حرب بيانات بين الحشد الشعبي والدولة: مَن الأعلى كعباً في العراق؟
2. الالتزام بوثيقة (السياسة الوطنية الموحدة) المتفق عليها في اجتماع القادة، وعدم الانجرار إلى سياسة المحاور، ورفض تحوّل العراق إلى ساحة حرب، والامتناع أيضاً عن أن يكون العراق منطلقاً لأيّ اعتداء على جواره.
3. متابعة الاتفاقيات والتفاهمات مع التحالف الدولي، بما يساعد على الإيفاء بالتزاماته تجاه سيادة العراق واستقلاله وأمنه وسلامته.

عمار الحكيم
لنلاحظ أعلاه ما بدا العراق في حاجة إليه بشدة، كي يبقي دولته على قيد الحياة؛ ففي النقطة الأولى، لم تحضر الإشارة إلى "مرجعية الدولة" وحسب، بل حضر الأهم؛ وهو "اعتبار أيّ تجاوز على الدولة ومؤسساتها أنّه خروج عن المصلحة الوطنية وخرق للقانون، ويعامل وفق ذلك بموجب ما تقتضيه قوانين الدولة العراقية"، وهو ما أصاب "حشد سليماني" بهستيريا، جعلته يصرخ بأنّه "مقاومة إسلامية تأسّست لمقاتلة الاحتلال الأمريكي، وقبل تأسيس الحشد بأعوام طويلة"، أي "نحن لسنا تحت راية الحشد الشعبي، ولا يسري علينا قرار نزع السلاح وتسليمه إلى الدولة".

اقرأ أيضاً: العراق في ظل الأحزاب الميليشياوية
ليس هذا وحسب، بل "رفض تحوّل العراق إلى ساحة حرب" كما شدّد البيان، وهو ما يراه "حشد سليماني": "خيانة لمواقف الجمهورية الإسلامية الداعمة للدولة العراقية"، فهو يشدّد على أنّه "لا حياد بين إيران وأمريكا، ونحن سنقاتل تحت راية الإمام الخامنئي".
وتأسيساً على الموقف الرافض لتحول العراق إلى ساحة حرب، جاءت النقطة الجوهرية الثالثة: "متابعة الاتفاقيات والتفاهمات مع التحالف الدولي، وبما يساعد على الإيفاء بالتزاماته تجاه سيادة العراق واستقلاله وأمنه وسلامته"، وهو ما بدا رفضاً كلياً لتهديدات معسكر "حشد سليماني" للقوات الأمريكية.

عمار الحكيم وأنصاره في خطاب "الوطنية" العراقية وسط بغداد الجمعة

الحكيم إلى موقف جوهري بعيد عن إيران

وفي موقف بدا منسجماً كلياً مع اجتماع الرئاسات الثلاث ونقاطه الجوهرية الثلاث أعلاه؛ أكّد رئيس "تيار الحكمة الوطني"، السيد عمار الحكيم: "أقولها بوضوح وصراحة: إنّ أرض العراق ليست مخزناً لأيّ سلاح غير عراقي، كما أنّ سماء العراق ليست مسرحاً لأيّ اعتداء خارجي، وعندما تتعرض الدولة للخطر ينبغي أن تقف جميع القوى السياسية والمجتمعية للدفاع عن الدولة، ويجب ترك الاختلافات الداخلية جانباً".
وكانت إشارة الحكيم "أرض العراق ليست مخزناً لأيّ سلاح غير عراقي" بالغة الأهمية في تعزيز موقف بعيد عن إيران، فالحديث عن الضربات التي وجِّهت لمخازن أسلحة الحشد الشعبي، كان عن "ضربات استهدفت مستودعات صواريخ إيرانية في العراق". 

اقرأ أيضاً: لماذا وصفت حركة النجباء الجيش العراقي بـ "المرتزقة"؟
موقف الرجل المؤيد للدولة، مع أنّه اختار المعارضة، وضّحه بعبارة "في الوقت الذي نسجل فيه اعتراضنا على الخطوات الحكومية والرسمية في التعامل مع الموقف بوضوح ومسؤولية، إلا أنّنا سنقف معاً من أجل الدولة؛ فنحن معارضة للحكومة ولسنا معارضة للدولة".

موقف "رفض تحوّل العراق إلى ساحة حرب" يعدّه "حشد سليماني" خيانة للجمهورية الإسلامية الداعمة للدولة العراقية

ليس هذا وحسب؛ بل حرّك الحكيم مياهاً كثيرة راكدة في الوسط الشيعي، لجهة الخوف من أيّ مسٍّ بالحشد الشعبي الذي صار يسميه كثيرون "المقدَّس"؛ إذ قال: إنّ "الحشد الشعبي أحد صنوف مؤسستنا العسكرية، واستهدافه يعني استهداف أمن وسيادة العراق، ولن نسمح بأيّة محاولة للنيل من هذه المؤسسة المضحية والوفية لهذه الأرض، التي رويت بدماء شبابنا في أحلك الظروف وأصعب المهمات، لكنّنا نؤكد على أنّ قوة الحشد الشعبي تكمن في انضباطه داخل المنظومة العسكرية الرسمية، ووحدة قراره وقيادته، وأنّ أخطر ما يمكن أن يواجهه الحشد الشعبي؛ خروجه عن إطار القانون".
ومثلما شدّد اجتماع الرئاسات على رفض تحويل العراق إلى ساحة حرب، شدّد الحكيم: "ندرك بوضوح وعمق، المحاولات التي تريد جر العراق ليكون ساحة حرب لا مركز استقرار، ونقول لكلّ تلك المحاولات إنّ العراق سيندفع باتجاه الخطوات التي تحقق مصالحه الوطنية وسيادته وقوته وعزة شعبه، ولن يخوض حروباً بالوكالة، فقد أفنى العراقيون أعمارهم بتلك الحروب العبثية".
ليس هذا وحسب، بل مضى الحكيم بعيداً في خيار الوسطية والاعتدال؛ حين قال: "نرحّب بأيّ تقارب أمريكي إيراني على أسس سليمة؛ لأنّ من شأن ذلك وضع حدّ لمعاناة الشعب الإيراني وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية