الرئيس وظل شقيقه: هل يعود الحكم العائلي إلى تونس؟

تونس

الرئيس وظل شقيقه: هل يعود الحكم العائلي إلى تونس؟


17/05/2020

في محاولةٍ لتكرار سيناريو تدخل العائلة في تسيير الدولة والحكم في تونس، غزا نوفل سعيّد شقيق الرئيس التونسي قيس سعيّد الحياة السياسية، ولم يكتف بالتدخل في الكواليس ومن وراء ستار، بل نصّب نفسه مسؤولاً على توضيح كلّ غموض يتساءل عنه التونسيون وله علاقة بالسياسات العامة للدولة، برغم أنّه لا يحمل أيّ صفةٍ رسميةٍ في الدولة أو أي منصبٍ سياسي أو حزبي.
وبدا تحكّمه في كلّ حركات الرئيس واضحاً منذ انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية التونسية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي كان مديرها ومهندسها، ثمّ قفز بعد فوز شقيقه بأغلبيةٍ ساحقةٍ تجاوزت 70 بالمائة، لواجهة الأحداث سعياً للظهور كرجل الظل المتحكم في سياسات القصر، حتّى وصفه بعض المتابعين للشأن التونسي بسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة.

اقرأ أيضاً: بمساعدة الغنوشي.. هل تكون تونس معبر تركيا الآمن إلى ليبيا؟
وبرغم وجود مدير ديوان لرئيس الجمهورية، وفريقٍ من المستشارين، فقد أكّدت منشورات نوفل سعيّد على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، حول سياسات رئاسة الجمهورية، أنّه هو الراسم والمخطط لهذه السياسات، في ظل عدم تعقيب الرئاسة عليها، وهو ما أثار جدلاً في الأوساط التونسية، وطالبه نشطاء بعدم التدخّل في إدارة الشأن العام واستغلال صفته كشقيق لرئيس الجمهورية، فضلاً على أنّ التونسيين لهم "حساسية" خاصة من تدخل العائلة في إدارة البلاد، منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
هل يكون نوفل سعيّد شقيق قيس سعيّد الحاكم الفعلي في قصر قرطاج؟

الشقيق يرسم سياسات الدولة
وكانت دعوة نوفل سعيّد، مباشرةً بعد تسلّم شقيقه لمقاليد الحكم، إلى ضرورة تغيير النظام السياسي الذي وصفه بـ"المريض"، مع تهجمه على المنظومة الحزبية واعتبارها سبب الداء في تونس، وهو نفس الموقف الذي يتبناه الرئيس بناء على تصريحاته وخطبه ولقاءاته الإعلامية قبل الانتخابات وبعدها، أولى محاولات رسم السياسات العامة للرئيس.

صادق مطيمط: الرئيس التونسي بعد فوزه غير المتوقع كوّن لنفسه حزاماً أمنياً حمائياً عبر تعيينه أقاربه وأصدقائه في الحكم

شقيق الرئيس دعا بعدها أيضاً إلى تنقيح الدستور، واعتبرها مهمةً عاجلةً وأكيدةً؛ لأنّ تونس لم تعد تحتمل "العبث الدستوري"، وهي أيضاً من بين أهمّ النقاط التي طرحها الرئيس خلال حملته الانتخابية، كما انتقد الإجراء المعمول به بالدستور الذي يجعل رئيس الحكومة مسؤولاً أمام برلمانٍ فاشلٍ في تقديره.
لم يكتف نوفل سعيّد بالانتقادات أو الدعوات الافتراضية، بل أوضح في أكثر من مناسبةٍ إجراءات رئاسية أصدرها شقيقه، فهو من أنهى الجدل حول هبوط طائرةٍ تركية في مطار جربة جنوب البلاد، تحمل مساعدات طبية موجهة إلى ليبيا، وبعد أن أثار هذا الموضوع جدلاً في البلاد، ولم يصدر أي توضيحٍ من السلطات الرسمية، جاء الرد من سعيّد الشقيق الذي قال إنّ تونس تطبق القانون الدولي الإنساني لا أكثر ولا أقل.
وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها شقيق الرئيس وينهي الجدل لمواضيع تداولها الشارع التونسي ويتدخّل في شؤون رئاسة الجمهورية بدون أي موجب قانوني، فقد سبق له وأن نشر وثيقة تبيّن إلغاء قيس سعيد لصفقة شراء زهور وأكاليل لفائدة القصر بقيمة 300 ألف دينار بتعلة أنّ هذه الأموال "خاصة بالتونسيين ويجب أن تعود لهم".
كما أثار تواتر الاستقالات من قصر قرطاج، التي بلغت أربع استقالات، سیما وأنّ جمیع المستقیلین رفضوا لعب دور "المتفرّجين"، جدلاً حول الدور الخفي لنوفل سعيّد، وأرجعها البعض إلى تواجد قوى من خارج القصر، متّهمين في ذلك سعيّد الشقیق بالتدخل في الشأن السیاسي دون صفة له.
نوفل سعيّد ينصب نفسه مسؤولاً عن توضيح كل ما يسأل عنه التونسيون حول سياسات رئاسة الجمهورية

مخاوف من العودة إلى حكم العائلات
تجدر الإشارة إلى أنّه، ومنذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، تحوّل "الفصل بين العائلة والدولة" ، إلى أحد أبرز شروط النجاج بالنسبة لأي قادمٍ جديد للسلطة من صندوق الانتخابات، وهو ما دفع رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال حملته الانتخابية إلى التعهد بإبعاد عائلته تماماً عن القصر والحكم، غير أنّ المئة يومٍ الأولى أثبتت العكس.
ويفسّر الأستاذ في العلوم السياسية صادق مطيمط تحرّكات نوفل سعيّد بمفهوم العصبيّة القبلية الذي تحدّث عنه العلاّمة ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون في مقدمته، أي إنّ كل شخصٍ يتولى الحكم، يحمي نفسه بعائلته، باعتبار أنّ المجال السياسي صراع إرادات.

اقرأ أيضاً: تونس تتمسك برفض التدخل الأجنبي في ليبيا
وأشار مطيمط في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ قيس سعيّد بعد فوزه غير المتوقع برئاسة تونس، كوّن لنفسه حزاماً أمنياً حمائياً لتأمين نفسه عبر تعيينه لأقاربه وأصدقائه في دائرة الحكم، وأنّه عجز عن تكوين حزامٍ سياسي يدعمه، ويدافع عن سياساته، وهو ما أرجعه إلى انعدام وجود نخب سياسية في جمهورية تونس الثانية (تونس بعد الثورة)، لافتاً إلى وجود هواة سياسة يمارسون أهواءهم دون قواعد ونواميس صحيحة.
من جانبه، يؤكد الناشط السياسي وأستاذ القانون الدستوري عثمان بالحاج علي، في ضوء الزمالة التي جمعته سابقاً بالرئيس قيس سعيّد ومعرفته السابقة به، أنّ مؤسسة رئاسة الجمهورية تسيّر بطريقةٍ حميميةٍ، لأنّ الرئيس عيّن في ديوانه زملاءه وأصدقاءه القدامى، ومن له بهم علاقات إنسانية سابقة، وهو ما يسهّل تسرّب معلومات ومعطيات خاصة لشقيقه نوفل سعيّد.
واعتبر بالحاج علي في حديثه لـ"حفريات"، أنّ ما يقوم به سعيّد الأخ غير مبرّرٍ وغير مقبولٍ بالمرّة، لكنّه يستبعد أن يكون ذلك مدخلاً لعودة حكم العائلات في تونس، أو محاولة لتدخّل الأقارب في الحكم.

 

حكم العائلة في تونس عبر التاريخ
ولتونس تجربة مريرة مع سطوة عائلات الرؤساء، وتدخّلهم في مقاليد الرئاسة، وممارسة الدكتاتورية على الشعب، إذ انطلق ذلك مع حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (أول رئيسٍ لتونس بعد استقلالها من استعمار فرنسا عام 1956)، حين كان السجن مصير كلّ من يعارض زوجته وسيلة بورقيبة التي كانت تلقب بالماجدة، إذ كانت تعين وتعزل المسؤولين وتقرر باسم الرئيس، دون أن يعارضها أحد.
وواصلت ذلك أيضاً ليلى بن علي (زوجة زين العابدين بن علي) وعائلتها، الذين تغلغلوا في مفاصل الحكم، وسيطروا على القصر وعلى الحكومة وكل دواليب الدولة والاقتصاد، وأسسوا الجمعيات، ووضعوا أيديهم على الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد، ما فجّر ثورةً أطاحت حكمهم، وأسقطت نظام بن علي.

عثمان بالحاج علي: مؤسسة رئاسة الجمهورية تسيّر بطريقةٍ حميميةٍ، لأنّ الرئيس عيّن مَن له بهم علاقات إنسانية سابقة

تراجعت سطوة عائلات الرؤساء بعد الثورة لكنّها لم تنتهِ، وعرفت فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي (2014-2019)، تدخلاً واضحاً لنجله حافظ قايد السبسي في تسيير عمل الحكومة بعد أن ورث رئاسة الحزب الحاكم آنذاك (نداء تونس) الذي أسسه والده، ثم حاول لاحقاً بشكلٍ مكشوف خلافة يوسف الشاهد في رئاسة الحكومة، قبل تدخّل الأحزاب السياسية، ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي لمنع ذلك.
ويعتقد المؤرخ الجامعي خالد عبيد المختصّ في التاريخ السياسي، أنّ ما يقوم به نوفل سعيّد مؤشر قوي على أنّ رغبة العائلة في الولوج إلى الحكم والتدخّل فيه، بات قاعدة في تونس، لم يشذ عنها أي من الذين تداولوا على حكم البلاد منذ الاستقلال حتى اليوم، معتبراً أنّ التخوّف من تمادي شقيق الرئيس في عبث التدخّل في سياسات الدولة سيتواصل، خاصّةً إذا ما تقادم الرئيس في الحكم.
وشدّد عبيد في تصريحه لـ"حفريات"، على أنّ إمكانية تداخل الشأن العائلي بالشأن العام في تونس، سواء لدى عائلة الرئيس أو الأحزاب الحاكمة، واردة جدّاً في الوقت الحالي، باعتبار المؤشرات القوية التي تدل على ذلك.
المختصّ في التاريخ السياسي لفت، في المقابل، إلى أنّ الحساسية المفرطة لدى التونسيين من تدخّل عائلات الرؤساء في دواليب الحكم ستحول دون ذلك، وستُترجم في مواقع التواصل الاجتماعي التي أطاحت عدّة رؤساء، وستكوّن رأياً عاماً رافضاً لهذه المسألة.

اقرأ أيضاً: من هم السياسيون المهددون بالاغتيال في تونس؟ وماذا يجمعهم؟
من جهته، يرى الأستاذ في العلوم السياسية صادق مطيمط أنّ تونس مرّت بمرحلتين عبر تاريخها منذ الاستقلال، المرحلة الأولى امتدت من 1956 إلى حدود 1971، وهي مرحلة النخب السياسية الحديثة والتي قادت تونس للاستقلال.
وامتدت المرحلة الثانية من 1971 إلى اليوم بعد تسلّل الهادي نويرة للحكم، لتدخل عبره عناصر اقتصادية للتحكم في الدولة، بشكلٍ ثابتٍ وبطيءٍ، وقد أدى ذلك إلى اهتراء المجموعة الأولى.
وأضاف مطيمط أنّ هذه المجموعات الاقتصادية سيطرت اليوم تماماً على كل مفاصل الدولة، وباتت تحكم في السياسات العامة والتعيينات، وأنّ الثورة التي اشتعلت دون نخبٍ سياسيةٍ، ساعدت على تكوّن العائلات الحاكمة، والأقارب التي يتم تعيينها في المؤسسات السيادية، ومواقع القرار، لافتاً إلى أنّ بعض الدراسات أكدت أنّ عدداً مهماً من الأحزاب التونسية (210 حزباً) مكونة من عائلات فقط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية