الراديكالية الإسلاموية في فرنسا وأبعادها الاجتماعية

الراديكالية الإسلاموية في فرنسا وأبعادها الاجتماعية


18/08/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

انفجرت القنبلة في قلب باريس، في الخامسة والنصف مساء، أي خلال أقصى لحظات ساعة الذروة التي تعقب يوم العمل، لقد ارتطمت كرة لهب عملاقة برصيف محطة مترو سان-ميشيل-نوتردام، بعد أن انفجرت حاوية غاز مملوءة بالشظايا في عربة قطار على خطّ "آر إي آر-بي" الإقليمي، وأسفر الانفجار عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة أكثر من مئة آخرين، بعضهم في حالة حرجة.

كانت السياسة الفرنسية غير فعّالة في حلّ مشكلة الاندماج، ورغم سنّ حكومات من كافة الميول السياسية المختلفة العديد من برامج التعليم والبنية التحتية في الأحياء المحرومة

وفيما اندفع كلّ من رئيس الوزراء، آلان جوبيه، والرئيس جاك شيراك، إلى مكان الحادث، فإنّ أيّاً منهما لم يمتلك وسيلة لمعرفة أنّ حادث 25 تموز (يوليو) 1995 سيكون الأول فقط في سلسلة هجمات إرهابية ستقع على الصعيد الوطني.

كان المحققون على علم، منذ وقت مبكّر، بأنّ الجماعة الإسلامية المسلحة، وهي منظمة إسلاموية راديكالية، تقف وراء العمل الإرهابي، وبهذا الانفجار، تمكّنت الجماعة من جلب الحرب الأهلية الجارية في الجزائر، والتي كانت عبارة عن صراع بين الإسلامويين والجيش، إلى الحاكم الاستعماري السابق للبلاد.

فرنسا تحشد كلّ قواتها

قامت الحكومة الفرنسية لاحقاً بتعبئة جهازها الأمني بالكامل، ومنذ ذلك الوقت، راقب آلاف رجال الشرطة والجنود وضباط الجمارك عن كثب مراكز التجمع بالغة الأهمية، مثل محطات القطارات والمطارات، كما أغلقت حاويات قمامة بالآلاف في مدينة باريس - أو أزيلت بالكامل.

وبعد بضعة أسابيع، وبعد عملية مطاردة واسعة النطاق، تمكّنت الشرطة من إلقاء القبض على من كانوا وراء الهجوم، وجميعهم من أصول جزائرية، كان قد جنّدهم خالد كلكال، الذي زرع القنبلة، من إحدى ضواحي ليون النائية؛ حيث يقع مشروع إسكان محروم اجتماعياً ومماثل لتلك المشروعات الموجودة في مدن رئيسة أخرى في كافة أنحاء البلاد.

لقد هاجر كلكال مع عائلته من الجزائر إلى فرنسا، في الثانية من عمره، ودرس في مدرسة بشرق ليون، ومن المرجَّح أنّه أصبح راديكالياً أثناء قضاء فترة عقوبة في السجن.

قتل كلكال، الذي كان يبلغ من العمر 24 عاماً، وقت الهجوم، بالقرب من ليون، عندما حاولت الشرطة اعتقاله، ودانت المحاكم الفرنسية بقية أعضاء الخلية الإرهابية، وحكمت عليهم بالسجن المؤبد في العقد الأول من الألفية الحالية.

اقرأ أيضاً: لجنة تحقيق تدعو إلى منع القرضاوي من دخول فرنسا

قصّة كلكال أعادت مشروعات الإسكان المحرومة اجتماعياً مرة أخرى إلى الانتباه العام في فرنسا، وكان أول اضطراب موثق في المناطق الحضرية البعيدة والمحرومة قد وقع في صيف عام 1981، وبعد هجوم سان-ميشيل، بدأ ينظر إلى هذه الضواحي على أنّها أرض خصبة محتملة للإرهاب.

خطّ مباشر من سان-ميشيل إلى تشارلي إبدو

في 7 كانون الثاني (يناير) 2015، بعد عقدين من هجمات سان-ميشيل، عام 1995؛ أصبح واضحاً أنّ الإرهاب المحلي ما يزال يمثّل مشكلة خطيرة في فرنسا؛ ففي ذلك اليوم، هاجم رجلان مكاتب تحرير المجلة الساخرة "تشارلي إبدو"، ما أسفر عن مقتل ما مجموعه 12 شخصاً، وشأنهم شأن جناة سان-ميشيل، كان لدى المهاجمَين، وقد كانا الشقيقَين سعيد وشريف كواشي، جذورهما الجزائرية، لكنّهما لم يكونا مهاجرَين، وإنما ولدا في فرنسا.

وبعد يوم واحد من هجوم تشارلي إبدو، واصل أميدي كوليبالي، وهو شاب فرنسي من أصل مالي، وصديق للأخوَين كواشي، موجة الرعب بإطلاق النار على ضابط شرطة وأخذ عدة أشخاص رهائن في سوبر ماركت يهودي في باريس، وقد نشأ كوليبالي، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، في واحدة من أشهر الضواحي المحرومة في باريس، لا غراندي بورن.

كانت الجزائر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفرنسا، وكانت المستعمرة الوحيدة التي دمجت في البرّ الفرنسي الرئيس، بل وقسِّمت إلى مناطق إدارية، هي الأقسام، تشبه تلك المستخدمة في كافة أنحاء فرنسا

وكانت الشرطة الفرنسية قد حققت مع كوليبالي وشريف كواشي، عام 2010، لمحاولتهما إطلاق سراح مهاجم سان-ميشيل، سمين آية علي بلقاسم، من السجن. وفي عام 2015؛ لم يكن لدى السلطات الفرنسية أيّ شكّ؛ لقد ساعد مرتكبو هجوم عام 1995 في ردكلة جيل ثانٍ وثالث من الإسلامويين في فرنسا، من خلال الشبكات والتواصل المباشر.

عبء الماضي الاستعماري

لكن، من أين تأتي كراهية الحاكم الاستعماري السابق؟

يرى ستيفان سايدندورف، من المعهد الألماني الفرنسي في لودفيغسبورغ؛ أنّ الماضي هو مفتاح الإجابة عن هذا السؤال؛ فعلى عكس المستعمرات الأخرى، كانت الجزائر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفرنسا، وكانت المستعمرة الوحيدة التي دمجت في البرّ الفرنسي الرئيس، بل وقسِّمت إلى مناطق إدارية، هي الأقسام، تشبه تلك المستخدمة في كافة أنحاء فرنسا.

اقرأ أيضاً: لماذا تحذر فرنسا من "نزعة انفصالية" يقودها التطرف الإسلامي؟

انتهى السفر والتبادل الحرّ، الذي نشأ بشكل طبيعي بين "فرنسا على سواحل البحر الأبيض المتوسط"، عام 1962، باستقلال الجزائر، وكان على أولئك، الذين هم من أصل جزائري وأرادوا البقاء في أوروبا، غرس جذور دائمة وبعيدة عن بلدهم الأصلي.

يقول سيدندورف؛ إنّه من الممكن التحدث بشكل عام عن تاريخ الهجرة الناجح في فرنسا، لكنّ العديد من المواطنين الفرنسيين، من الجيل الثالث أو الرابع، ممّن لهم أصول جزائرية يتحدثون الفرنسية بشكل ضعيف، هذا إذا تحدثوها أصلاً، ويواصلون صراعهم مع الحياة في فرنسا.

ويضيف: "لم ينجح كثيرون في هذا الجيل في تأمين الوظائف الأكثر إثارة للاهتمام في سوق العمل أو الاستمتاع بتحقيق وعد الجمهورية بالتقدم الاجتماعي: الوعد بأنّ الأمور ستكون أفضل بالنسبة إليهم مقارنة بما كانت عليه الحال مع آبائهم (المهاجرين)، وأنّه يمكن تحقيق الحراك التصاعدي من خلال التعليم، بغضّ النظر عن الأصل أو الظروف المادية، ويمكن للمرء أن يصبح جزءاً من الجمهورية الفرنسية بهذه الطريقة؛ هذا التناقض بين الوعد والواقع يعدّ جزءاً كبيراً من المشكلة".

ماذا حدث للمهاجمين؟

كانت السياسة حتى الآن غير فعّالة، إلى حد كبير، في حلّ مشكلة الاندماج، ورغم سنّ حكومات من كافة الميول السياسية المختلفة العديد من برامج التعليم والبنية التحتية في الأحياء المحرومة منذ الثمانينيات، فإنّ الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل للسكان لم تتحسن بعد، ثم هناك أيضاً الوضع الأمني المقفر.

اقرأ أيضاً: فرنسا: ليبيا قاعدة لتمركز أردوغان شمال إفريقيا بمساعدة الإخوان

ومؤخراً؛ أدّت الاحتجاجات، أثناء الإغلاق الناجم عن جائحة فيروس كورونا، إلى أعمال شغب عنيفة في هذه المشاريع السكنية متدنية الدخل.

وفي غضون ذلك؛ ما يزال العقل المدبر لهجوم 1995 في السجن، وقبل شهرين، قدم محامي بوعلم بن سعيد، الذي أمضى 25 عاماً خلف القضبان، طلباً للإفراج عن موكله وترحيله إلى الجزائر، ولم تتخذ المحاكم قرارها بعد، لكن يتوقع مراقبون أنّ الرجل البالغ من العمر 52 عاماً حالياً، والأعضاء السابقين في الخلية الإرهابية سيقبعون في السجون الفرنسية لأعوام قادمة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

آندرياس نول، "دويتشه فيله"، 24 تموز (يوليو) 2020

https://www.dw.com/en/france-1995-bombings-anniversary/a-54299823

الصفحة الرئيسية