السعودية الجديدة: "إيوان الفلسفة".. فضاء للتفكير الحرّ في نادي جدة الأدبي

السعودية

السعودية الجديدة: "إيوان الفلسفة".. فضاء للتفكير الحرّ في نادي جدة الأدبي


03/03/2019

إذا كانت الفلسفة في أحد أهم تعبيراتها؛ ضرباً من اشتغال العقل على العقل، فإنّها في الأزمنة الأخيرة التي تنتظم عالمنا العربي، تكاد تكون في غيبوبة شبه كاملة؛ ذاك أنّ ما جرى خلال ما سمّي بالصحوة الإسلامية، منذ نهاية السبعينيات، في المنطقة العربية؛ شكل تجريفاً لحالات التفكير الناقد وبقاياها.

مفهوم "خصوصية" المجتمع السعودي الذي كرّسته مرحلة "الصحوة" أصبح اليوم معرضاً للنقد من داخل الخطاب الثقافي السعودي

وفي سياق تلك "الصحوة" في المملكة العربية السعودية؛ ظلّ الموقف من الفلسفة، باعتبارها علماً مذموماً؛ هو الخطاب الأبرز في أدبياتها التي هيمنت على التفكير العمومي، لكنّ هذا الموقف، في طبيعة الحال، لا يعكس بالضرورة صورةً كليةً لا استثناء فيها، حيال عملية التفلسف؛ لأنّها، أولاً، جزء من طبيعة حياة الإنسان، ولأنّ الثقافة العامة في المملكة ظلت تتأثر بمحيطها العربي ورموزه، كما بمحيط الثقافة الغربية.
اليوم، في ظلّ المتغيرات الجديدة التي تمر بها المملكة، تأكد للناس؛ أنّ أيديولوجيا الصحوة كانت ضرباً تأويلياً وتجريباً ضاراً على حياة الناس، العامة والخاصة، باسم الدين، عمّم هيمنةً على المجتمع السعودي، وصور نفسه كهوية مطابقة لفهم "الإسلام الصحيح"!
لذا؛ يكون التفكير في الفلسفة اليوم مدخلاً خجولاً لقراءة مرحلة الصحوة ومحاكمتها معرفياً، سيما مع صدور قرار اعتماد تدريس الفلسفة في المرحلة الثانوية بالمملكة من وزارة التعليم، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي 2018.

جانب من فعاليات "إيوان الفلسفة"
وإذا كان التفلسف هوية جاذبة لكلّ ذي فكر؛ فإن الحديث عن وجود تعبيرات فلسفية في الوسط الثقافي بالسعودية سيكون جزءاً من الواقع، لكنّه واقع لا تساعد عليه الصورة النمطية عن المملكة في مرايا الآخرين، سيما تلك الصور التي تنمّطها وسائل الإعلام في الغرب، وبعض وسائط الإعلام العربي، وهي صورة شكا منها من قبل؛ الناقد السعودي عبد الله الغذامي، في كونها تصميماً نظرياً صلباً لا يبارح الصورة الذهنية للمثقفين العرب، الذين يذهب وعي كثيرين منهم نحو إدراج المملكة العربية السعودية ضمن خانة "طهورية" يرغبون في تثبيتها كمجتمع ديني، فيما تظل بقية المجتمعات العربية متصلة بالحياة الدنيا!

مع المتغيرات الجديدة التي تمر بها المملكة، تأكد للناس أنّ أيديولوجيا "الصحوة" كانت ضرباً تأويلياً وتجريباً ضاراً على حياتهم

والحقيقة؛ أنّ مفهوم "خصوصية" المجتمع السعودي الذي كرسته مرحلة "الصحوة" شعاراً لضغط المجتمع السعودي في أتونها؛ أصبح اليوم معرضاً للنقد العنيف من داخل الخطاب الثقافي السعودي؛ لأنّ ذلك المفهوم أوحى للآخرين، كما لو أنّ السعودية جزء من العالم القديم، وكيان لا تاريخي، فيما الأمر لا يتصل بذلك الوصف؛ إذ المملكة اليوم، في ظلّ التحولات المتسارعة، تختبر مساراً جديداً لمجتمع يخوض انخراطاً معاصراً مع العالم، بكلّ ما يعكسه ذلك الانخراط من تجريب وتفاعل. 
وفي إطار ريادة النشاط الجماعي المنظم للتفكير الفلسفي في المملكة العربية السعودية، تعدّ "حلقة الرياض الفلسفية" التي تعرف اختصاراً بـ "حرف"، وهي مجموعة سعودية مهتمة بنشر الوعي الفلسفي، تأسست في الرياض، عام 2008، التجربة الجماعية الأولى في مجال الاهتمام المنظم بالتفكير الفلسفي، التي، ما تزال تقدم أنشطتها من خلال نادي الرياض الأدبي. 

اقرأ أيضاً: السعودية الجديدة: أولوية الاستقرار ورفض استغلال القيم الإنسانية
وبعد عقد من انطلاق نشاط "حلقة الرياض الفلسفية"؛ دشّن نادي جدة الأدبي -وهو نادٍ معروف بريادته لمرحلة ما سمّي بالحداثة الثقافية، التي تم وأدها عبر تيار الصحوة، في الثمانينيات- برئاسة الناقد الدكتور عبد الله السلمي، إطلاق "إيوان الفلسفة" في مدينة جدة الساحلية، العام الماضي 2018.

 


نشأت فكرة تكوين "إيوان الفلسفة"، بمبادرة من ثلاثة كتّاب مهتمين بقضايا الفلسفة، وهم: عبد الرحمن مرشود "المنسق العام للإيوان"، وصالح سالم، إلى جانب سيلمان السلطان.
وحالما تمّ عرض فكرة "إيوان الفلسفة" على الدكتور عبد الله السلمي، رئيس نادي جدة الأدبي، وافق الأخير على الفور، وأصبحت نشاطات "إيوان الفلسفة" الذي عرف نفسه بأنه "مجموعة تُعنى بتفعيل المناشط الفلسفية من محاضرات وندوات وبرامج فلسفية تحت مظلة نادي جدة الأدبي".
في سياق الهدف من تأسيس "إيوان الفلسفة"؛ يقول منسق عام إيوان الفلسفة، الكاتب عبد الرحمن مرشود: "الهدف من إطلاق إيوان الفلسفة هو خلق فضاء للتلقي، وكذلك تبسيط الفلسفة؛ لأن البحوث الفلسفية لا يمكن أن تفهم بمعزل عن خلق فضاء أول للتلقي الفلسفي، كما نعمل في الإيوان إلى جانب المحاضرات على تقديم ورش عمل ودورات في التفكير الناقد".

 

اقرأ أيضاً: الدين والسياسة الدولية في عقائد "السعودية الجديدة"
افتتاح الإيوان بدأ يوم 21 كانون الثاني (يناير) العام 2018؛ بمحاضرة ألقيت في نادي جدة الأدبي، بعنوان "لماذا نتفلسف؟"، قدمها الرواد الثلاثة؛ عبد الرحمن مرشود، وصالح سالم، وسليمان السلطان.
وفيما عبّر سليمان السلطان في تلك المحاضرة الأولى والمهمة، بأنّ الفلسفة هي: "تجديد رؤيتنا للأشياء في الوجود"؛ شرح الأستاذ صالح سالم حساسية التفكير الفلسفي وعلاقته بالحرية قائلاً: "إنّ الفلسفة متى ما قمعت أيّ تيار مخالف؛ فإنّ ذلك يعني أنها سلطة "أما عبد الرحمن مرشود فأكد في تلك المحاضرة عن طبيعة التفكير الفلسفي بالقول إنّ "التوفيق بين الغايات الفردية والجماعية قضية فلسفية، وأيّ شيء متعلّق بالقيم هو قضية فلسفية".

اقرأ أيضاً: السعودية الجديدة تنقل خيار الاعتدال الديني إلى مناطق نفوذها التقليدية
وكانت المحاضرة الثانية لإيوان الفلسفة، في 5 شباط (فبراير)، بعنوان "علاقة الأدب بالفلسفة بين نيتشة وكونديرا"، قدّمها سليمان السلطان، أما المحاضرة الثالثة في نشاط الإيوان لموسمه الأول، فقد قدّمها صالح سالم بعنوان "ممكنات السرد في التفلسف"، بتاريخ 2 نيسان (أبريل) 2018.
وفي يوم 24 من الشهر ذاته؛ استضاف إيوان الفلسفة الناقد السعودي د. سعد البازعي، في محاضرة بعنوان "سياقات فلسفية لنظريات النقد الأدبي".
وخلال شهر أيار (مايو)، على مدى يومي 23 ــ 24 من الشهر؛ اشتغل إيوان الفلسفة على تقديم دروة كانت بعنوان "دورة في مبادئ الفلسفة"، قدمها سليمان السلطان، فيما قدم عبد الرحمن مرشود 4 ورشات حول "التفكير الناقد"، خلال شهرَي تموز (يوليو) وآب (أغسطس) من العام 2018.

اقرأ أيضاً: السعودية الجديدة... حديث العالم
مع بداية الموسم الثاني لنشاط إيوان الفلسفة؛ انضمّ إلى إدارة الإيوان (إلى جانب عبد الرحمن مرشود وصالح سالم) كلّ من: الأستاذ أحمد الحمدي، والدكتورة رانيا العرضاوي، والدكتور هادي الصمداني، ثم توالت محاضرات إيوان الفلسفة باستمرار، خلال موسمه الثاني، الممتد من (27 أيلول (سبتمبر) 2018 إلى 17 شباط (فبراير) 2019)؛ حيث تمّ تقديم محاضرات متميزة كانت بدايتها محاضرة بعنوان "قصة الجمال"، قدّمها الدكتور أحمد الحمدي، في يوم 27 أيلول (سبتمبر) 2018.

جانب من فعاليات "إيوان الفلسفة"
أما المحاضرة الثانية؛ فكانت من تقديم د. رانيا العرضاوي، بعنوان "الظاهراتية الجمالية عند باشلار"، بتاريخ 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، وفي 18 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وفي 13 كانون الثاني (يناير) 2019؛ استأنف الإيوان نشاطه في موسمه الثاني مع بداية العام بمحاضرة بعنوان "المعرفة ومشكلة اليقين... تأملات في فيزياء الكم"، قدمها الدكتور جاسم العلوي.

التفكير بالفلسفة اليوم مدخل لقراءة مرحلة الصحوة ومحاكمتها معرفياً سيما مع صدور قرار اعتماد تدريس الفلسفة بالمملكة

وختم إيوان الفلسفة نشاطه للموسم الثاني بمحاضرتين؛ الأولى قدمها صالح سالم، في يوم 3 شباط (فبراير)، بعنوان "فلسفة الجمال الترانسندتالية عند كانط"، والثانية كانت بمثابة مسك الختام للموسم الثاني من فعاليات إيوان، وهي المحاضرة التي قدمها الناقد د. سعيد السريحي، يوم 17 شباط (فبراير)، بعنوان "اللغة بين الوجود والهوية".
لقد كان لجهود عبد الرحمن مرشود ودوره الأساسي عبر رؤيته لمعنى الفلسفة ودورها وضرورتها لخلق مناخ المساءلة والاعتراض والنقد؛ إلى جانب علاقاته مع كبار الكتّاب والنقّاد في المملكة، دور كبير في نجاح نشاطات إيوان الفلسفة، كما أنّ جهود صالح سالم، الذي اشتغل بالاهتمام الفلسفي شكّلت، إلى جانب جهود مرشود وسليمان السلطان، إضاءات مهمة لسبر عالم مختلف، لم يعهده نادي جدة من قبل، وقد لقي الاكتراث الجاد من قبل مؤسسي إيوان الفلسفة، عبر منصة نادي جدة الأدبي، إقبالاً كبيراً من المهتمين بالفلسفة، سيما في أوساط الشباب من الجنسين، وكان لافتاً في أكثر من محاضرة الوجود الكثيف للشابات، وبصورة من الصورة.

اقرأ أيضاً: كيف نفهم الدولة السعودية الجديدة؟
انطلاقة إيوان الفلسفة عبر نادي جدة الأدبي؛ تعدّ بداية قوية ومثيرة لإطلاق نقاش مهمّ حول الفلسفة في أوساط المهتمين من الشباب والشابات في مدينة جدة، وهو ما يبشر بنشاطات كبيرة وواعدة في الموسم الثالث من فعاليات الإيوان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية