"السلاح المثالي": تكنولوجيا الدمار في عصر الإنترنت

"السلاح المثالي": تكنولوجيا الدمار في عصر الإنترنت


07/07/2018

ظهرت تكنولوجيات التدمير على مرّ التاريخ، من البارود في القرون الماضية، إلى الأسلحة البيولوجية والنووية في العصر الحديث، وتمر كلّ تقنية بدورة من التطوير والتسليح، يتبعها في وقت لاحق صوغ العقيدة، مثلما تظهر في بعض الأحيان جهود للسيطرة على استخدام السلاح، وأحدث الوسائل التكنولوجية للتخريب هي الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، فقد كان تطوير القدرات السيبرانية سريعاً، وبشكلٍ مستمر.

لم تتم بعدُ كتابة العقيدة لهذا السلاح الجديد، بينما بدأت الأفكار تظهر حول كيفية السيطرة على تكنولوجيا التخريب الجديدة.

كابوس الحرب الإلكترونية

يمكن اعتبار ما سبق مدخلاً لكتاب "السلاح المثالي" للكاتب والصحافي الأمريكي ديفيد إي. سانغر، والكتاب الصادر حديثاً، هو سرد موسوعي للأحداث ذات الصلة بالسياسة في عالم الفضاء الإلكتروني، وبدا سانغر، وهو كاتب متخصص بقضايا الأمن القومي الأمريكي في صحيفة "نيويورك تايمز"، في قلب الأحداث الحقيقية التي شهدتها عمليات تخريب وتدمير معلومات وأسس عمل مؤسسات أمريكية، بما في ذلك اختراق أنظمة الاتصالات وتعطيل الخوادم.

في المقابل؛ كان الكاتب يتجنّب الحديث المفصل في سيناريوهات افتراضية لكنها متقنة ومخيفة تتعلق بعمل هذا العالم، عبر عملٍ توثيقيٍ من المعلومات، وصولاً إلى المقابلات التي أجراها سانغر مع المسؤولين، ومن ضمنهم رئيس الولايات المتحدة.

التركيز الرئيس للكتاب على الحرب الإلكترونية ويمتد إلى الخلافات التي تتدفق مع التقدم في تكنولوجيا المعلومات

التركيز الرئيس للكتاب؛ هو الحرب الإلكترونية (استخدام تقنيات لتخريب الأصول الإلكترونية أو المادية للخصم)، لكن نطاقها يمتد كذلك إلى الخلافات الأخرى التي تتدفق من التقدم في تكنولوجيا المعلومات، ويتطرق سانغر إلى قضايا الخصوصية المتعلقة بجمع معلومات الإشارة، وهي الأعمال التي كانت موجودة منذ ما قبل هنري ستيمسون، وزير حرب الرئيس فرانكلين روزفلت، كما يتناول وسائل الإعلام الاجتماعية "سوشيال ميديا" ومشكلات إساءة الاستخدام التي أفسدت مواقع مثل "فيسبوك"، بما في ذلك استخدامه من قبل الحكومات الأجنبية لأغراض سياسية.

غلاف كتاب "السلاح المثالي" للكاتب والصحافي الأمريكي ديفيد إي. سانغر

تخريب عن بعد

هذه الموضوعات المتعلقة بالحرب السيبرانية، تمثل عمليات جمع المعلومات الاستخبارية والتخريب الإلكتروني عبر ظواهر مختلفة، رغم وجود مبادئ قانونية وإجراءات سياسية مختلفة في الولايات المتحدة للحدّ من مخاطر التخريب الإلكتروني، لكن سانغر يحيط القارئ علماً بما يجعل كتابه مفيداً كمرجع واحد للذين يرغبون في التفكير بذكاء في جميع قضايا السياسة العامة ذات البعد السيبراني (الإنترنت).

إلغاء بولتون لمنصب منسق الأمن السيبراني في المجلس القومي الأمريكي يعزز القلق بعدم الاهتمام الحكومي الكافي بالموضوع

إنّ دمج هذا البعد مع موضوعات أمنية أخرى، مثل الأسلحة النووية والقذائف المسيَّرة عن بعد، يشكل قوة للمؤلف الذي في عمل سابق، وهو كتاب "المواجهة والإخفاء"، على كشف قصة التخريب الإلكتروني لبرنامج إيران النووي عن طريق "دودة كمبيوتر" تُعرف باسم " Stuxnet"، بينما نقطة الاهتمام في كتابه الجديد هي ما يقوله عن جهود مماثلة ضد كوريا الشمالية؛ حيث تكثف إدارة ترامب نزع أسلحة متقدمة من أيدي الكوريين الشماليين أو تخريبها، ويتأمل سانغر في ما إذا كان الفشل المتسلسل في اختبارات الصواريخ البالستية الكورية الشمالية العام 2016، قد عكس هجوماً شبيهاً بـ(Stuxnet) على ذلك البرنامج، يشير سانغر إلى أنّ تخلف كوريا الشمالية يجعلها هدفاً غير مألوف للحرب السيبرانية، فـ"كيف تضيء الأنوار في بلد ليس لديه الطاقة الكافية لتشغيلها؟" على حدّ تعبير أحد كبار المسؤولين في القيادة الإلكترونية في الولايات المتحدة.

هجمات كورية وروسية

صحيح أنّ برنامج تدريب القراصنة الكوريين يصفه المؤلف بـ"المتهالك"، لكنه استخدم في الحرب السيبرانية، وقد ظهر ذلك من خلال الهجوم الذي وقع العام 2014 على شركة سوني السينمائية، ردّاً على فيلم "المقابلة" الذي لم يعجب بيونغ يانغ، ويصوّر اثنين من عملاء أمريكا السرّيين يصلان إلى كوريا الشمالية لاغتيال الرئيس عبر مقابلة صحافية، وهناك لاعب أكثر خبرة، بحسب المؤلف، هو روسيا، التي يقول سانغر إنّها اخترقت أنظمة الحكومة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي، ووصف الجزء السيبراني من تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية الرئاسية العام 2016، بكونه شاملاً ومقنعاً، والكتاب يكاد يوفّر دليلاً لأي شخص يشك في مدى وخطورة الجهد الروسي.

تخلف كوريا الشمالية يجعلها هدفاً غير مألوف للحرب السيبرانية الأمريكية

هناك طابع مشترك بين الكتب التي تسعى إلى إصدار إنذار حول التهديد المتنامي عبر الإنترنت، وهو يكمن في المبالغة بتقدير ما يراه المؤلفون على أنه غفلة، خاصّة عدم الاهتمام الرسمي الأمريكي، وهذا موجود في كتاب الصحافي الأكثر اتصالاً بموضوع الحرب التدميرية عبر شبكة المعلومات العالمية، وبالطبع يحضر قلقه من البيروقراطيات الأمنية الوطنية، رغم وجود عدد كبير من البرامج الدراسية الجامعية الموسعة التي تلبي احتياجات أولئك الذين يريدون دخول هذا المجال.

الكاتب والصحافي الأمريكي ديفيد إي. سانغر

إسراتيجية الأمن السيبراني

ويبدو أنّ إلغاء مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، مؤخراً لمنصب منسق الأمن السيبراني في المجلس، جاء داعماً لقلق سانغر بعدم الاهتمام الحكومي الكافي بالموضوع، وكما يلاحظ المؤلف، فإنّ رفض ترامب الاعتراف بـ "دور روسيا الخبيث" في انتخابات العام 2016، خشية أن يقوّض ذلك شرعيته السياسية، يؤدي إلى تفاقم مشكلة صياغة إستراتيجية وطنية للأمن السيبراني.

إنّ عدم وجود عقيدة، حول التحكم في الاستخدام المدمر للأدوات السيبرانية، يعكس "منطقة رمادية بين السلام والحرب"، فقد يرى المسؤولون الأمريكيون أن التدخل في شبكات الكمبيوتر الخاصة هي خطوة حكيمة على الرغم من اكتشاف النوع ذاته من التدخل الخارجي في أنظمة الولايات المتحدة.

عدم وجود عقيدة حول التحكم في الاستخدام المدمر للأدوات السيبرانية يعكس "منطقة رمادية بين السلام والحرب"

وثمة أسباب أخرى لعدم الكشف عن كل شيء تعرفه واشنطن عن الأنشطة السيبرانية للحكومات الأخرى، هنا ينتقد سانغر، الرئيس السابق باراك أوباما، لعدم تقديمه المزيد من القضايا العلنية حول تدخل روسيا في الانتخابات، لكنه لا يفسّر كيف كان بإمكان أوباما فعل ذلك، دون أن يبدو أنه قد تدخّل في الانتخابات نفسها، واليوم، فإنّ الإعلان عن أيّ شيء تعرفه الولايات المتحدة عن الأضرار التي تسببها تدخلات كوريا الشمالية السيبرانية لن يحسّن فرص النجاح في الدبلوماسية النووية المزعجة بالفعل مع بيونغ يانغ.

إنّ القيمة الفعلية لكتاب "السلاح المثالي" هي حول مآزق السياسة التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات الحديثة وإمكاناتها التدميرية.

والمؤلف ديفيد سانغر من مواليد 5 تموز (يوليو) 1960 في نيويورك، وعمل كبير مراسلي صحيفة "نيويورك تايمز" في واشنطن، وقد تخرّج سانغر عام 1982 من كلية هارفارد، وكان يغطي السياسة الخارجية والعولمة والانتشار النووي وقضايا الرئاسة الأمريكية لنحو 30 عاماً.

وقد كان عضواً في فريقين صحافيين فازا بـ "جائزة بوليتزر" الأمريكية الشهيرة، وحصل على العديد من الأوسمة في تغطية الأمن القومي والسياسة الخارجية، وهو مؤلف لكتابين هما: "مواجهة وإخفاء: حروب أوباما السرية واستخدامها المفاجئ للقوة الأمريكية"، و"ولي العهد والميراث: مواجهة أوباما العالمية والتحديات التي تواجه السلطة الأمريكية"، وكان الكتاب الأفضل مبيعاً في العام 2012.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية