السودان.. إلى أين سيقود تصعيد المواجهات؟

السودان

السودان.. إلى أين سيقود تصعيد المواجهات؟


23/05/2019

بعد أكثر من 30 يوماً من المفاوضات الماراثونية، بات الإحباط واليأس يتسلل إلى ملامح السودانيين، بعد أن أعلنت "قوى الحرية والتغيير" فشل التوصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري بشأن تكوين المجلس السيادي، وإصرار الجيش على رئاسته، إلى جانب الغلبة في عضويته، وفي المقابل؛ لوّح "تجمع المهنيين السودانيين" بفرض حالة من العصيان والإضراب العام لإجبار المجلس العسكري على التنازل عن موقفه، وتسليم الحكومة للمدنيين.

بعد أكثر من 30 يوماً من المفاوضات الماراثونية بات الإحباط واليأس يتسلل إلى ملامح السودانيين

وكان تيار "تحالف نصرة الشريعة"، بزعامة عبد الحي يوسف، قد أضاف للمشهد السوداني مزيداً من التعقيد، عندما أعلن رفضه المعلن للاتفاق السابق الذي توصّل فيه المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير"، ويقضي بتشكيل حكومة مدنية يتوافق عليها تحالف القوى والتغيير، إلى جانب اختيار رئيس مجلس الوزراء بواسطة التحالف نفسه، وتمثيل قوى الحرية والتغيير بثلثي أعضاء المجلس التشريعي، وقال عبد الحي يوسف، لدى مخاطبة أنصاره أمام القصر الرئاسي بالخرطوم؛ "الشريعة الإسلامية تمثل ضرورة لنا"، واتّهم قوى اليسار بأنّها تحاول سرقة الثورة.
وكان عبد الحي يوسف، إمام مسجد سيد المرسلين بالخرطوم، ونائب رئيس هيئة علماء السودان، قد أعلن في وقت سابق، حشد الآلاف من الإسلاميين، لحماية الشريعة الإسلامية ممن وصفهم بـ"الشيوعيين الذين يرفضون الدّين كأحد مصادر التشريع"، وفي السياق ذاته؛ كانت مصادر التشريع في الدستور، إحدى النقاط التي أثارها المجلس العسكري في أولى جلسات التفاوض، عندما ذكر أنّ وثيقة الإعلان الدستوري التي قدّمها تحالف القوى والتغيير، غفلت عن ذكر مصادر التشريع إلى جانب اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد.

تجمع المهنيين السودانيين
وفي المقابل؛ صبّ المعتصمون في ميدان القيادة العامة للجيش السوداني جام غضبهم على الشيخ عبد الحي يوسف، باعتباره أحد عناصر حزب المؤتمر الوطني، ونصير الرئيس المخلوع، عمر البشير، وظلّ يوسف في مرمى منصات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي رصدت عدسات الصحافة وجود عدد كبير من رموز حزب المؤتمر الوطني في حشد "تحالف نصرة الشريعة"، ومن بينهم: الطيب مصطفى، رئيس منبر السلام العادل، وخال الرئيس المخلوع، عمر البشير، وهو من أكبر الداعمين لحكم الإسلاميين.

نشطت الأحزاب الموالية للنظام السابق التي كانت مشاركة في حكومة البشير في ترتيب صفوفها

يمرّ السودان بمرحلة فارقة، منذ استقلاله، العام 1956، وباتت واضحة حالة الاستقطاب الحادّ في الشارع السياسي، في ظلّ ظروف اقتصادية ضاغطة، ويرى البعض أنّ طول فترة أمد التفاوض فتحت المجال أمام الثورة المضادة لترتيب صفوفها، والعودة للساحة السياسية من بوابة "التخوين" في القوى السياسية التي تقود الاعتصام، وفتح الباب أمام محاولات فضّ الاعتصام بالقوة، كما حدث في الثامن من رمضان الجاري، ويظلّ هذا السيناريو متوقعاً في الساعات القادمة، بعد تهديد قوى الحرية والتغيير بتصعيد الموقف والدخول في الإضراب العام.
في المقابل؛ نشطت الأحزاب الموالية للنظام السابق، والتي كانت مشاركة في حكومة البشير في ترتيب صفوفها، وأعلنت تحالفات واسعة للضغط على المجلس العسكري، بنيلها تمثيلاً لا يقلّ عن تحالف "قوى الحرية والتغيير".

اقرأ أيضاً: سيناريوهات التصعيد في السودان
وتظلّ المسألة التي تخص الحركات المسلحة، خاصة في دارفور، واحدة من القضايا التي تتميز بالغموض، ورغم أنّ زعيم حركة تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور، لم يوقع على تحالف "قوى نداء السودان"، وبالتالي لم يكن ضمن "قوى الحرية والتغيير"، والتي شملت أحزاباً وقوى سياسية، من ضمنها: حزب الأمة القومي، بقيادة الصادق المهدي، وحزب المؤتمر السوداني، وحركة تحرير السودان، بقيادة مناوي أركوي مناوي، وحركة العدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم، والحركة الشعبية لتحرير السودان، قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وعدد من منظمات المجتمع المدني، وعبد الواحد محمد نور، الذي يقاتل في منطقة "جبل مرة"، في أقاصي إقليم دارفور، لم يشارك في كلّ المفاوضات السابقة للحكومة السودانية البائدة مع الحركات المسلحة الدارفورية، إلى جانب عدد من الحركات المسلحة التي وقّعت على اتفاقيات سابقة في أبوجا والدوحة، وتحوّلت إلى أحزاب سياسية ممثلة في الحكومات السابقة.

الصادق المهدي
ومن ضمن الشروط التي وضعها المجلس العسكري في وقت سابق، في مفاوضاته مع "قوى الحرية والتغيير"، التوصل إلى اتفاقيات سلام مع الحركات المسلحة، في الأشهر الستة الأولى من عمر الفترة الانتقالية، المقررة بـثلاثة أعوام، مما يجعل هذا الشرط نفسه محلّ استفهام، باعتبار أنّ الحركات الدارفورية تحتاج إلى مرحلة بناء الثقة أولاً، وتحديد أولويات التفاوض، وهذا يحتاج إلى فترة زمنية بجانب توفر الإرادة السياسية المستدامة التي تضمن الاتفاقيات، وردّ الحقوق، وجبر الضرر.

اقرأ أيضاً: هذا ما تريده الأحزاب الإسلامية في السودان..
وتتمظهر في الواقع السياسي والعسكري، شخصيات شاركت بفاعلية في صراع دارفور، مثل: قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري، ومؤسس قوات الدعم السريع، وبالتالي ترى بعض الحركات أنّ هذه القوات متورطة في دماء أهل دارفور، وبالتالي يصبح تمثيل بعض قيادتها استفزازاً غير مقبول في الوقت الراهن.

اقرأ أيضاً: السودان والتركة الثقيلة من حكم الإسلاميين
وثمة أسئلة عن استسلام حزب المؤتمر الوطني بكل قدراته المادية والبشرية وانسحابه بكلّ بساطة عن المشهد السياسي؟ وهل يمكن لحزب يقول قادته إنّ عضويته تبلغ 7 ملايين سوداني ويملك مئات الشركات والمصانع أن يتوارى ببساطة ودون مقاومة؟ وفي المقابل؛ ينشط السودانيون في منصات التواصل الاجتماعي بتوصيل المعلومات ومشاركتها عن أخبار تحركات بعض القيادات في المؤتمر الوطني أو حكومة البشير، وكشف البعض عن معلومات مضللة تم إطلاقها في وقت سابق عن احتجاز عدد من إخوة الرئيس المخلوع عمر البشير، ولكن سرعان ما كشفت صحيفة "التيار" السودانية، عن هروب العباس، شقيق البشير، إلى تركيا، ونفى مدير سجن كوبر، في تصريحات لقناة "العربية"، صحة ما يروج له عن احتجاز العبس بالسجن، وهذا ما يجعل المجلس العسكري يقع في حرج بالغ، بعد إعلان الفريق شمس الدين كباشي، الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري احتجاز أشقاء الرئيس، وعدد من قيادات الحزب والحكومة السابقة.

لوّح "تجمع المهنيين السودانيين" بفرض حالة من العصيان والإضراب العام لإجبار المجلس العسكري على التنازل عن موقفه

المشهد السوداني، اليوم، يقف على مسافة متساوية من كلّ السيناريوهات المنتظرة، ومن أهمها الوصول لمرحلة اليأس، بعد أكثر من 7 أشهر من  الحراك المستمر، ممكن أن تدفع إلى مرحلة جديدة من العنف، وبالإمكان أن تسقط البلاد في أزمات اقتصادية أكثر قسوة، خاصّة أنّ إرهاصات فشل الموسم الزراعي بدأت تطل برأسها، وبالإمكان أن يسقط تحالف قوى الحرية والتغيير في فخّ التشظي، خاصة أنّ الحزب الشيوعي السوداني، استبق نتائج فشل المفاوضات وأصدر بياناً منفرداً رافضاً لتولي العسكريين قيادة المجلس السيادي، مما يشير إلى ظروف يراها الحزب الشيوعي في تكوين التحالف تجعل البعض قد يوافق على رؤية توافقية، إلى جانب تشكيلة التحالف نفسه، الذي يضمّ أحزاباً وقيادات كانت في فترة تاريخية معينة من رموز النظام السابق، مثل: الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، الأمين الأسبق للمؤتمر الوطني، ومبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة الإصلاح، وكان يشغل مساعد رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار، وعدد من الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني مع حزب المؤتمر الوطني.

اقرأ أيضاً: الهوية السلمية لثورة السودانيين تسحر العالم
وفي الجانب الآخر؛ يقف تحالف "نصرة الشريعة" الذي يضمّ عناصر المؤتمر الوطني والأحزاب الموالية، وقطاعاً واسعاً من السلفيين، يعملون على استمالة الجيش، وتمثيلهم بشكل عادل في التغيير القادم، وخطورة هذا التيار تتمثل في دفاعه عن حقبة خرج ضدّها الشعب السوداني، وأخطر مشاهدها كانت في السوق العربي في الخرطوم، عندما تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، مشاهد مصورة لموكب من "تحالف نصرة الشريعة" يجد تصدياً من المواطنين والتجار، الذين هتفوا ضدّهم ، مما يشير إلى إمكانية حدوث صدام في المستقبل بين التيارين، ما لم تتخذ السلطات التدابير اللازمة.

اقرأ أيضاً: من يقف وراء إطلاق النار على المعتصمين في السودان؟
ويظل سيناريو انقلاب ثالث ليس مستبعداً في المشهد السوداني، خاصة بعد تنامي حالة السخط من صغار الضباط والجنود، الذين أظهروا تأييدهم للثورة منذ أيام الاعتصام الأولى؛ بل وجاهر بعض شباب الاعتصام بضرورة تقديم بعض شباب الضباط الذين تصدوا لمحاولات الهجوم التي حدثت في محيط الاعتصام، وتعرض بعضهم للإصابات، ومنهم من فقد حياته، هتف لهم المعتصمون ووضعوا صورهم مع شهداء الثورة في المعرض الميداني للقيادة العامة للجيش .
يوم جديد، يمثل أزمة مضاعفة للقضية السودانية، تصبح الأيام ذات كلفة عالية في ظلّ الغموض الذي يلفّ الموقف، كلّ الخيارات تظلّ مفتوحة أمام الطرفين؛ التصعيد من قوى الحرية والتغيير، ومحاولة فضّ الاعتصام من قبل المجلس العسكري، أو الرهان على شراء الوقت لإيجاد حلول جديدة، وربما تحالفات جديدة، تقود إلى سودان جديد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية