السوريون في قلب أزمة إنسانية حرجة

السوريون في قلب أزمة إنسانية حرجة


كاتب ومترجم جزائري
20/12/2021

ترجمة: مدني قصري

 إذا كان كلّ هجوم كبير في سوريا وعواقبه المأساوية على السكان المحليين قد تمت تغطيته على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، كما حدث أثناء حصار حلب، في كانون الأول (ديسمبر) 2016، فإنّ الأزمة اليومية الحالية التي يعيشها السوريون أقلّ تغطية بكثير.

اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون في لبنان: البقاء فقر والرحيل مخاطرة!

هذه الأزمة لا تشهد أيّ تحسّن بل في الواقع تستمرّ في التدهور: في الوقت الذي أصبحت إعادة إعمار البلاد أبطأ بكثير وأكثر تعقيداً وصعوبة ممّا كان متوقعاً يواجه السوريون اليوم ظروفاً اجتماعية واقتصادية متدهورة، وتقف الإجراءات الحكومية المتفرقة عاجزة عن تحسينها.  إلى هذه الأزمة الاقتصادية تضاف مخاطر مناخية وبيئية ثبت أنها أكثر ضرراً، لأنّ السكان والحكومة ليس لديهم في الوقت الحاضر سوى القليل من الوسائل لمواجهتها بشكل فعال. في هذا السياق تبدو المساعدة الإنسانية ضرورية بقدر ما لا يمكن الاستغناء عنها، ومع ذلك؛ فإنّ إيصال المساعدات وتوزيعها غالباً ما يكون مرهوناً بلعبة القوى العظمى، مما يهدّد أحياناً بحرمان ملايين الأشخاص من الإغاثة الملحّة التي يحتاجون إليها.

أسوأ أزمة عالمية

بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية يبدو الوضع الإنساني في سوريا حرجاً ومتفاقماً. يوجد في البلاد أكثر من 6,7  مليون نازح داخلي - وهو أكبر عدد في العالم، وقد فرّ أكثر من 5,6  مليون سوري من البلاد؛ فمن أصل 21,39  مليون نسمة في البلاد، عام 2010، اضطرّ أكثر من نصفهم إلى الفرار من مكان إقامتهم، مرّة واحدة أو أكثر.

تعد أزمة اللاجئين السوريين الآن أسوأ أزمة يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يشكّل المهاجرون السوريون ثلث إجمالي اللاجئين في جميع أنحاء العالم.

نتيجة للصراع  القائم يحتاج اليوم أكثر من 13,4 مليون سوري إلى مساعدات إنسانية وفقاً للأمم المتحدة، و12,4  مليون، أي 60٪ من السكان، يواجهون حالياً حالة نقص في الغذاء، منهم 1,3  مليون آخرون سيعانون بشدة وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي (WPO).

في الواقع، ثبت بالفعل أنّ إعادة الإعمار عملية بطيئة وصعبة في المناطق التي دمّرتها الحرب في سوريا، حيث لم يفلت من الصراع سوى عدد قليل من الأراضي، باستثناء الخط الساحلي المحيط باللاذقية وطرطوس، تسبّبت أعمال عنف القتال، ومدّتها على مدى فترة طويلة من الزمن، والاستخدام المكثف شبه المنهجي للغارات الجوية عبر الأراضي السورية، من الجانب السوري والروسي والأمريكي والتركي والبريطاني، والعديد من الدول الأخرى، في إحداثِ دمار هائل. ولا شكّ في أنّ التكلفة المقدّرة للإصلاح هائلة بالقدر نفسه. وفق الأمم المتحدة؛ هناك حاجة إلى حوالي 250 مليار دولار لإعادة بناء سوريا، أي أكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي السوري قبل الحرب.

يظلّ الوضع الإنساني حرجاً للغاية في سوريا. وعلى الرغم من وجود شبه هدوء أمني في جميع أنحاء البلاد، يبدو أنّ الظروف المعيشية للسوريين متدهورة للغاية

في الرقة، على سبيل المثال، بعد أربع سنوات من تحرير العاصمة السورية من داعش، ما يزال السكان يعيشون في ظروف جد متدهورة ولا يتمتعون إلا إمكانية محدودة للغاية للحصول على مياه الشرب والكهرباء والتعليم: في ذروة هجوم القوات الكردية وحلفائها من أجل استعادة المدينة، عام 2017، تعرّضت الرقة في المتوسط لـ 150 غارة جوية في اليوم، ولم يتبقَّ فيها سوى عدد قليل جداً من المباني سليمة. واليوم هناك أكثر من 80٪ من المدارس، و 36٪ من المنازل لم يتم إعادة بنائها بعد. أمّا في حلب، فقد دُمِّر أو تضرّر أكثر من 35 722  مبنى خلال الاشتباكات، في كانون الأول (ديسمبر) 2016، وهو رقم مماثل لعدد المباني المتضررة خلال القتال في الغوطة الشرقية عام 2018، والبالغ عددها 34 136، كما أنّ حالة النازحين داخلياً لا تشهد  أي تحسّن، مما اضطر أطفال 12 معسكراً للنازحين من تنظيم "خيام أولمبية" بالتزامن مع دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو، في آب (أغسطس) 2021، حيث تنافس خلالها 120 طفلاً في مختلف الأحداث الرياضية التي أقيمت في المخيمات.

معرّضون للعنف عند العودة

إعادة الإعمار البطيئة هذه، والمناخ السياسي السوري، لا يشجع عودة اللاجئين،  الذين ما يزال جزء كبير منهم يستبعد العودة إلى الوطن: أفادت دراسة أجراها مكتب دعم اللجوء الأوروبي (EASO)، نُشرت في 24 حزيران (يونيو) 2021؛ أنّ  66٪ من طالبي اللجوء السوريين داخل الاتحاد الأوروبي لا يعتزمون العودة الآن إلى سوريا، بالفعل يشهد المزيد والمزيد من التقارير، مثل التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية، في 7  أيلول (سبتمبر) 2021، على العنف والتمييز الذي يتعرّض له اللاجئون العائدون إلى سوريا، لا سيما من قبل الأجهزة الأمنية السورية.

اقرأ أيضاً: كيف يطرد اللاجئون من الاتحاد الأوروبي بطرق سرية؟

مع ذلك، فإنّ هذه التهديدات لا تمنع دولاً عديدة من فرض عودة بعض السوريين المقيمين على أراضيها، بحجة عودة السلام في بلادهم، أو على الأقل في مناطقهم الأصلية: وهكذا فإنّ أكثر من خمسمئة سوري لجأوا إلى الدنمارك وأصلهم  من منطقة دمشق، التي تعدّ الآن آمنة من قبل السلطات الدنماركية، تمّ إخطارهم بعدم تجديد إقامتهم، مع الأمر بالعودة إلى الأراضي السورية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدنمارك هي الدولة الأوروبية الأولى التي بدأت في تطبيق مثل هذه العملية، مما أثار استياء العديد من المنظمات غير الحكومية وحركات مساعدة اللاجئين

تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية

تعاني سوريا من أزمة اقتصادية طاحنة، منذ بداية الحرب الأهلية، وترى وضعها يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ومعها ظروف السوريين المعيشية. على سبيل المثال؛ أعلنت الحكومة السورية، في 11 تموز (يوليو) 2021، ارتفاع أسعار العديد من السلع اليومية، وتزامناً مع تضاعف سعر الخبز تضاعف سعر البنزين ثلاث مرات تقريباً. وتفسَّر هذه الزيادات، من بين أمور أخرى، بالأزمة المالية السورية والواردات الدائمة للسلع الاستهلاكية بالعملات الأجنبية، التي يجب على النظام السوري حلّها: 80٪ من احتياجات سوريا من النفط والغاز تأتي من الخارج ويتمّ شراؤها بغير الليرة السورية.

إضافة إلى هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، هناك مخاطر مناخية وبيئية؛ في الصيف الأخير تعرضت سوريا، التي كانت معرّضة بالفعل من ناحية المياه، لأكبر موجة جفاف في السنوات السبعين الماضية، ممّا تسبّب في هلع 13 منظمة غير حكومية، دقت ناقوس الخطر في 23 آب ( أغسطس)، حيث أشارت إلى أنّ أكثر من 5 ملايين شخص في سوريا أصبحوا على وشك أن يفقدوا سبل وصولهم إلى الماء والكهرباء والطعام. بتجفيف الأنهار السورية وأوّلها نهر الفرات، هدّد هذا الجفاف بتعطيل السدود الكهرومائية عن إنتاج الطاقة والقنوات المائية عن ريّ الأراضي الزراعية. وقد تسبّب هذا الجفاف أيضاً في عمليات نزوح جديدة للسكان؛ حيث أجبِروا على ترك أراضيهم الجافة إلى المناطق الأقل تضرّراً.

 

اقرأ أيضاً: بعد استخدامهم أعواماً ورقة ابتزاز مالي وسياسي.. تركيا تدير ظهرها للاجئين

بطبيعة الحال، تؤدي جائحة "كوفيد -19" إلى تفاقم البيئة الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة بالفعل، وبحسب الأرقام الرسمية، أصيب 30 913  شخصاً فقط منذ بداية الوباء، وتوفي 2136 شخصاً، وهي إحصائيات شكّك فيها الخبراء، لا سيما من خلال مقارنة هذه الأرقام مع تلك الخاصة بالدول المجاورة (1 981 493  إصابة في العراق، و6 903 036  في تركيا، و815 546  في الأردن، إلخ).

في الصيف الأخير تعرضت سوريا، التي كانت مهددة بالفعل من ناحية المياه، لأكبر موجة جفاف في السنوات السبعين الماضية، ممّا تسبّب في هلع 13 منظمة غير حكومية

جيب إدلب، في هذه الحالة، يمثل نقطة اهتمام لافتة: حيث يعيش سكان إدلب، البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة، ظروفاً صحيّة محفوفة بالمخاطر، تعدّ المنطقة عقدة وبائية رئيسية بسبب الرحلات ذهاباً وإياباً التي يقوم بها اللاجئون بين جيب إدلب وتركيا، عند حصولهم على تصريح من أنقرة: تم تسجيل ذروة 1500 إصابة في 6 أيلول (سبتمبر) 2021، بعد أسبوعين من منح اللاجئين السوريين في تركيا الإذن بزيارة أقاربهم في جيب إدلب، كما لا تضمن عمليات توصيل الطرود واللقاحات، في الوقت الحالي، حماية فعّالة للسكان السوريين ضدّ الفيروس.

المساعدات الإنسانية مشروطة

في سعيها لمواجهة الاحتياجات الإنسانية الهائلة في سوريا، تُواصل دول ومؤسسات دولية مختلفة حشدها لمساعدة السكان السوريين، سواء سكان داخل البلاد أو اللاجئين. في هذا السياق نظم الاتحاد الأوروبي، في 30 أذار (مارس) 2021، مؤتمره السنوي الذي يهدف إلى جمع الأموال لصالح اللاجئين والنازحين السوريين: كان من المتوقع الحصول على 4,2  مليار دولار للنازحين داخلياً، و5,8  مليار دولار للاجئين حول العالم. أخيراً نظراً للأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة "COVID-19" على وجه الخصوص، تمّ جمع 6,4  مليار دولار فقط، بما في ذلك 2,04  مليار دولار من ألمانيا، وهي أعظم مساهمة قدّمتها ألمانيا على مدى أربع سنوات.

ومع ذلك ما يزال إيصال وتوزيع المساعدات الدولية لصالح السكان السوريين خاضعاً لترخيص معيّن، يتم تجديده سنوياً من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع استخدام معبر باب الهوى الحدودي السوري التركي في الشمال- الغربي لسوريا لنقل المواد الغذائية والمعدات. الآلية التي تمّ اعتمادها بموجب القرار  2165، بتاريخ 14 تموز (يوليو) 2014، تسمح بالمرور عبر هذا المركز الحدودي لإيصال المساعدات الدولية داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية (التي تم تقليصها اليوم إلى جيب إدلب). في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري يضاعف هذا الأخير العقبات والتعقيدات الإدارية ضد المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة من أجل السماح للسكان الموالين له بالاستفادة من المساعدات الدولية وحرمان المعارضة منها.

 

اقرأ أيضاً: تقرير: مشاعر الأتراك المعادية للاجئين السوريين في تصاعد

إنّ إنشاء منفذ مباشر إلى الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة السورية، والذي يمكن أن يسمح بالاستغناء عن أيّ تفويض من دمشق، قد ثبت أنّه ضروري في وقت مبكر جداً من الصراع. إذا كانت المنظمات غير الحكومية ومنظمات التضامن الدولية قادرة حتى الآن على استخدام معبر باب الهوى الحدودي دون مشكلة كبيرة؛ فإنّ تجديد التفويض، في 10 تموز (يوليو) من هذا العام، قد تعرّض للخطر تقريباً من خلال حقّ النقض من قبل موسكو.

 

اقرأ أيضاً: ما مصير اللاجئين السوريين العائدين من لبنان؟.. مسؤول أمني يجيب

وبالفعل أعربت روسيا خلال هذا العام عن معارضتها لتجديد العملية، موضحة أنّها تفيد فقط "الإرهابيين الذين يسيطرون على إدلب"، وأنّها فوق ذلك انتهكت السيادة السورية، وبدلاً من ذلك اقترح الكرملين تمرير المساعدات الإنسانية عبر دمشق، وهو طريق من شأنه بالطبع أن يفيد النظام السوري بشكل كبير. وقد وصلت المناقشات بسرعة إلى طريق مسدود، وهو ما يثير هلع منظمات التضامن الدولية والأمم المتحدة التي ستحشد طاقاتها بشكل مكثف لِتذكّر بمدى أهمية هذه المساعدة الإنسانية وضرورتها لتأمين حياة حوالي أربعة ملايين شخص محاصرين في إدلب، في ظروف صحية واجتماعية واقتصادية سيئة.

أخيراً، في 9 تموز (يوليو)، تمكّنت جميع الأطراف من التوصل إلى اتفاق حول حل وسط: لن يتم فتح معبر باب الهوى الحدودي إلا لمدة 6 أشهر، وليس 12 شهراً، لكن تجديده التالي، في كانون الثاني (يناير) 2022،  لن يتطلب اتفاقاً جديداً  من مجلس الأمن؛ لذلك يمكن تجديده ضمنياً. وللمرّة الأولى لم يتم التصديق على نصّ الاتفاقية من قبل الولايات المتحدة وروسيا فقط، بل تم اقتراحه بشكل مشترك من قبل الخصمين: هذا الاتفاق الذي قدّمه السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، على أنه "لحظة تاريخية"، يُذكّرنا على الخصوص بأنّ تطور الوضع الإنساني في سوريا يظل مشروطاً إلى حدّ كبير بوصول المساعدات الدولية، بل وأكثر من ذلك بلعبة القوى العظمى.

خلاصة القول

على هذا النحو، إذاً، يظلّ الوضع الإنساني حرجاً للغاية في سوريا. وعلى الرغم من وجود شبه هدوء أمني في جميع أنحاء البلاد، يبدو أنّ الظروف المعيشية للسوريين متدهورة للغاية، إنْ لم تتدهور أكثر بسبب الأخطار المناخية والبيئية. ما يزال ضمان التسليم المنتظم للمساعدات الدولية الضرورية للسكان السوريين متبايناً للغاية بسبب خلافات القوى العظمى حول الموضوعات التي يجب أن تتفق عليها بشكل لا لبس فيه. ما تزال سوريا مسرحاً دبلوماسياً بارزاً، خاصةً منذ أن شجع الاستقرار الأمني ​​الزائف في البلاد بعض البلدان على اتخاذ خطوة نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق إلى وضعها الطبيعي.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lesclesdumoyenorient.com

https://www.lesclesdumoyenorient.com/La-population-syrienne-au-coeur-d-une-crise-humanitaire-de-plus-en-plus.html




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية