السوريون في لبنان بين الخطاب العنصري والترحيل الممنهج

اللاجئون السوريون

السوريون في لبنان بين الخطاب العنصري والترحيل الممنهج


24/06/2019

في كتاب "العنصرية والتعصّب العرقي... من التمييز إلى الإبادة الجماعية"، للباحث إيان لوو، وفي معرض حديثه عن "المشروعات النازية لتحسين النسل"، يقول: "سارت المشروعات النازية لتحسين النسل على خطى تيار البحث العلمي في الولايات المتحدة وأوروبا (Proctor 1988)؛ فالنص الأمريكي الذي قدمه ماديسون جرانت عن "عبور الجنس العظيم أو الأسس السلالية للتاريخ البشري" (1916) أولى عناية للسلالة النوردية، التي تعدّ مسؤولة مبدئياً عن الإنجاز البشري، ولكنها مهددة بالاختلاط العرقي، الذي يمكن أن يؤدي إلى "الانتحار العرقي"، وكان ذلك بمثابة تسويغ لفرض قيود على الهجرات العرقية الوافدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وسياسات تحسين النسل التي تضمنت قوانين تحظر الزيجات بين الأعراق، والقوانين المناهضة للتمازج بين الأجناس".
 إزالة بعض مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان

سلالات مبدعة!
ويضيف: "وقد بنى جرانت عمله على دراسات ويليام ريبيلي (1899)، عن السلالات النوردية والألبية والبحر المتوسطية، مع النظر إلى اعتبار النورديين هم الأرقى، وهم المبدعون والفاتحون، تلك الدراسات التي اعتمدت بدورها على النظرية الآرية المبكرة التي طرحها جوبينيو. لقد كان لفكرة جرانت عن التفوق السلالي الآري أثر عظيم، وقد روّج لانتشار هذه النظرية عالم تحسين النسل الألماني، إيوجين فيشر، وزملاؤه، من أمثال: فريتز لينز، وإروين بار، في دراستهم بعنوان الوراثة الإنسانية (1922)، وهو العمل الذي قرأه أدولف هتلر قبل أن يخط كتابه (كفاحي)".

تقرير: إغلاق بعض المحلات السورية بالشمع الأحمر وعملية ترحيل سوريين معارضين أو متخلفين عن الخدمة العسكرية إلى سوريا

الكلام عن "تحسين النسل"، و"الهجرات العرقية"، و"النظرية الآرية"، أو بالأحرى العودة إلى كتاب يجري فيه سرد طويل عن تاريخ "العنصرية"، بحثاً، وتوثيقاً، وتنظيراً، كان من المتوقع قراءته في مناسبة غير مرتبطة بحدث سياسي، وإنما قد تكون قراءته من باب الإطلاع، أو لقراءة حقبة تاريخية ما جرت فيها مذابح وإبادات جماعية سببها الجذري كان النظرة "العنصرية" تجاه الآخر المختلف، والشعور بـ "التفوق" العرقي. لكن الأمر في هذه اللحظة الراهنة، وللمفارقة، بات مرتبطاً بحدث سياسي، والحدث ببساطة وهو مسألة اللاجئين السوريين في لبنان، والخطابات  العنصرية التي يمارسها بعض السياسيين والتيارات السياسية والمؤسسات الإعلامية التي تقف خلفهم، والتي كان أبرزها في بداية الشهر الجاري؛  تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، نشرها بتاريخ 6 حزيران (يونيو) 2019، يقول فيها: "لقد كرّسنا مفهوماً لانتمائنا اللبناني، هو فوق أيّ انتماء آخر، وقلنا إنه جينيّ، وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معاً، لتحملنا وتأقلمنا معاً، لمرونتنا وصلابتنا، ولقدرتنا على الدمج والاندماج معاً من جهة وعلى رفض النزوح واللجوء معاً من جهة أخرى".
لماذا فجرت تغريدة باسيل سجالاً واسعاً؟
فجرّت هذه التغريدة سجالاً في لبنان والعالم العربي؛ إذ قامت مجموعة من المثقفين والحقوقيين في لبنان بتنظيم اعتصام في ساحة سمير قصير في بيروت، تحت وسم " ضد_ خطاب_ الكراهية"، أعلنوا فيه رفضهم لهذا النوع من الخطاب الذي يحرّض على الكراهية والممارسات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين، وفي أحد التقارير التي غطت الاعتصام، وصفت باحثة لبنانية هكذا خطاب؛ بأنّه "خطاب مخيف، خطاب بيفكك البلد مش هامه إلا أنا أو لا أحد، في حوله شوية ناس متعصبين موتورين".

اقرأ أيضاً: تركيا ترحّل لاجئين سوريين لإثبات روايتها بمحاربة الإرهاب!
كما قالت الصحفية اللبنانية، ديانا مقلد: "ما بيصير الحديث والخطاب يلي عم يصير اليوم اللي هو أصلاً قائم على معلومات كاذبة معلومات خاطئة ولغة فيها استعلاء وغرور بشكل مش مقبول، مش هيك بتتعالج أزمة اللاجئين، مش بتعميق الشرخ بين الناس".
كما أنّ اللافتات التي رفعت في الاعتصام كانت واضحة، بتوصيفها لخطاب باسيل، بالخطاب الفاشي، مثل اللافتة التي حملها أحد المشاركين، وكان مكتوباً عليها: "الفاشية بعمرها ما عمرت بلد". ورغم أنّ تغريدة جبران باسيل عن "الانتماء الجيني" كانت الأكثر عنصرية تجاه اللاجئين السوريين، إلا أنّها ليست بالجديدة لمن يتابع "تغريدات" الوزير؛ إذ إنّه -في عام 2016- وأثناء مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في 22 أيلول (سبتمبر)، قام بنشر تغريدة على تويتر، قال فيها: "تكلّمت مع عدة دول ومنظمات دولية سابقاً، وحالياً خلال وجودي في الأمم المتحدة، وزادت قناعتي بأنّ تصريف التفاح يكون بإلزام منظمات النازحين بشرائه"، إذ كان المزارعون اللبنانيون وقتها قد ناشدوا الحكومة اللبنانية، بإيجاد أسواق خارجية لتصدير موسم التفاح بعد كساده في المخازن، وقد لاقت هذه التغريدة وقتها غضباً عامّاً، وأطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ "#باسيل_لازم_يستقيل".
تغريدة جبران باسيل

تضييقات على اللاجئين السوريين في لبنان
لكن، على أرض الواقع، كان الجانب العملي لـ "تغريدات" وزير الخارجية اللبناني؛ من تضييقات على اللاجئين السوريين في لبنان، والذين ترفض الحكومة اللبنانية، بالمناسبة، الاعتراف بهم كلاجئين، وتكتفي بوصفهم بـ "النازحين"، تسير على قدم وساق، فمن خلال قرار هدم "الهياكل الإسمنتية"، و"إزالة مخالفات البناء" في مخيم عرسال، تُهدم مخيمات بأكملها ويضطر "النازحون" للنوم في العراء، وهذا ما جعل منظمات حقوقية تتحرك في وجه تلك القرارات التي قد تنتج عنها أزمة إنسانية كبيرة؛ ففي تاريخ 6 حزيران (يونيو) 2019؛ نشر "مركز وصول لحقوق الإنسان" بياناً مشتركاً تحت عنوان "نداء عاجل حول قرار إزالة بعض مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان"، وقّعت عليه مجموعة من المؤسسات والمراكز والجمعيات الحقوقية، إضافة إلى مجموعة من المثقفين والكتّاب والصحفيين، جاء فيه: "منذ نهاية عام ٢٠١٢، مع بدء تصاعد موجات اللجوء السوري إلى لبنان، هرباً من النزاع الدامي هناك، قامت في بعض المناطق اللبنانية، خاصة الحدودية اللبنانية – السورية، مخيمات عشوائية  بعضها فيها غرف حجرية أو جدرانها من حجارة (1500 غرفة حجرية بمنطقة عرسال وبعض الخيم فيها جدران حجرية و/أو سقف من التنك في مناطق البقاع وعكار وغيرها)، لاحتضان عشرات الآلاف من السوريين الذين عبروا الحدود البرية لتقيهم تلك الجدران من صقيع الشتاء وقيظ الصيف، ريثما تزول موانع عودتهم إلى مناطقهم المدمرة، وذلك في ظلّ استمرار الدولة اللبنانية برفض إنشاء مخيمات مؤقتة برعاية الأمم المتحدة لهؤلاء اللاجئين".
كما أوضح البيان؛ أنّ "الإحصاءات المحلية تشير إلى وجود أكثر من ٧٠٠٠ خيمة، فيها جدران حجرية، بينها ٢٥٠٠ خيمة في بلدة عرسال الحدودية وحدها، تقطنها نحو سبعة آلاف عائلة سورية، أغلبيتها الساحقة مسجلة لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة".
قرار من أعلى سلم الهرم
وأضاف البيان؛ أنّ "قراراً اتخذ في أعلى سلّم هرم السلطة السياسية اللبنانية يقضي بهدم هذه الخيم الباطونية، أو إزالة الجدران الحجرية والأسقف التنك والزينكو، ما يعني تشريد نحو ٣٥ ألف لاجئ سوري من دون تأمين بدائل مناسبة لهم، علماً أنّ أكثرية هؤلاء اللاجئين ينتمون إلى مناطق سورية تعاني من أوضاع سيئة جداً على المستوى الأمني".

اقرأ أيضاً: التوظيف التركي لقضية اللاجئين السوريين
وطالب البيان "الجهات المعنية في الدولة اللبنانية، بكل مستوياتها، خاصة رئيس الجمهورية اللبنانية، ورئيس الحكومة، والحكومة، ومجلس الدفاع الأعلى، بالنظر بعين الرأفة والرحمة إلى واقع هؤلاء اللاجئين، وإيقاف تنفيذ قرار هدم هذه المخيمات مراعاة للوضع الإنساني الذي يعيشه هؤلاء، أو تأمين بدائل مناسبة إنسانياً، من دون تحميل هذا اللاجئ كلفة تلك البدائل، وذلك ريثما تنجح حلول إعادة اللاجئين إلى بلادهم، التي تسعى بها الحكومة اللبنانية عبر مبادرات واتصالات تقوم بها".
لكن، مع ذلك، استمرت حملة التضييقات على السوريين، وكان أبرزها؛ حملة تيار الوطني الحرّ (المعروف بالتيار العوني)، والذي يترأسه جبران باسيل؛ حيث انتشر أعضاؤها في الشوارع، بغرض "توعية" أصحاب المحلات بضرورة "مكافحة العمالة غير الشرعية"، وكان شعار الحملة "بتحب لبنان وظّف لبناني".
الترحيل يشكّل خطراً على حياتهم

إغلاق محلات سورية بالشمع الأحمر
هذا عدا عن إغلاق بعض المحلات السورية بالشمع الأحمر، وعملية ترحيل سوريين معارضين، أو متخلفين عن الخدمة العسكرية، إلى سوريا، ما يشكّل خطراً على حياتهم، من تهديد بالاعتقال أو التصفية؛ إذ نشر موقع المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريراً جاء فيه: "علم المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ السلطات اللبنانية تواصل ترحيل لاجئين سوريين، ممّن دخلوا إلى لبنان بطرق غير شرعية، بعد دفعهم آلاف الدولارات إلى مهربين؛ حيث جرى ترحيل أكثر من 10 مواطنين خلال الساعات الـ 72 الأخيرة، نحو الحدود السورية، وجرى تسليمهم إلى قوات النظام المتواجدة هناك، وأبلغت مصادر المرصد السوري؛ أنّ غالبية الذين جرى ترحيلهم هم من المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية في جيش النظام، كما أنّ من بينهم منشقّين عن الجيش، وسط مخاوف على حياتهم، في ظلّ الصمت الدولي تجاه الكارثة الإنسانية الجديدة التي تلحق بالمواطن السوري".

اقرأ أيضاً: دولة وحيدة في العالم لم تعزل اللاجئين بالمخيمات.. تعرف إليها
وأضاف: "يأتي ذلك بعد القرارات التي صدرت من قبل الأمن اللبناني العام، والتي تقضي بترحيل اللاجئين السوريين، ممن دخلوا خلسة إلى الأراضي اللبنانية؛ حيث جاء في القرار "يرحّل ويسلّم إلى السلطات السورية ويتم إصدار بلاغ منع دخول بحقه"، لمدة تصل إلى 10 أعوام".
ويؤكد التقرير أنّ هناك حملة ممنهجة لـ "طرد" اللاجئين السوريين من لبنان بأيّة طريقة، سواء عبر خطاب سياسي عنصري، أو هدم للمخيمات، أو من خلال ترحيلهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية