السيناريوهات المتوقعة لأزمة حزب النهضة التونسي

السيناريوهات المتوقعة لأزمة حزب النهضة التونسي


03/08/2021

يترقب الشارع التونسي والعربي ردود أفعال حزب النهضة الإخواني ومؤيديهم، وسط تخوف من خيار العنف كرد فعل على الثورة ضدهم، وذلك في سياق ما بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد، بإقالة الحكومة وتجميد البرلمان وإحالة رموز سياسية للتحقيق معها في شبهات مالية، وذلك وفق الفصل 80 من الدستور، بعد ثورة شعبية جارفة. 

قد تشمل سياسة تغيير الوجوه راشد الغنوشي نفسه الأب الروحي للنهضة بعد تسريبات عن توعك صحته 

 كانت الثورة الشعبية الرافضة لحزب النهضة في 25 تموز (يوليو) الماضي وما تلاها من قرارات بداية النهاية للإخوان في تونس، وهو ما أثار التنظيم الدولي، الذي كان يعول على تجربة هذه الحركة التي تعني خسارتها خسارة آخر المعاقل المهمة التي يعتمد عليها في مساندة قضاياه الدولية، فبعد ما مُنوا به في مصر خسروا السودان ثم شرق ليبيا، ثم ضعف تأثيرهم في الخليج العربي بشكل ملحوظ، ثم تراجع مركزهم في اليمن، ولم يعد لهم من معاقل مؤثرة بالمنطقة سوى تركيا وقطر. 

في ظل هذه المعطيات من المتوقع أن يقوم التنظيم الدولي بتحركاته لمساندة حزب النهضة ومنعه من الوقوع كاملاً، مستنداً إلى قوى إقليمية ترغب في استقرار الأوضاع في تونس مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي، ويأتي في هذا السياق تصريحات لجان وأفرع الجماعة ومؤسساتها بالتنديد بقررات الرئيس التونسي.

 ونظراً لخصوصية الشأن التونسي ومكونات المجتمع، فمن المستبعد تكرار السيناريو المصري الذي يعتمد على تجمع ضخم لأنصار النهضة ليهدد بثورة مسلحة، وتدخل خشن من القوات الأمنية لفض هذا الاعتصام، رغم أنّ تصريحات بعض قيادات النهضة في بداية الأزمة كانت تسير في هذا الاتجاه، إلا أنّهم سرعان ما استبعدوه، نظراً لفشله في إعادة الإخوان للحكم ولم يحافظ على مكاسبهم، بل زاد من أزمتهم وأغلق عليهم باب الرجعة. 

ويظل سؤال الشارع التونسي قائماً؛ هل سيقبل حزب النهضة ومريدوه من ميليشيات إرهابية مسلحة قابعة على حدود تونس بتجميد البرلمان الذي يعد أهم مكاسبهم بعد 2013؟ وهل سيقبل الإخوان في تونس بتحويل رموزهم للقضاء وإثبات فسادهم المالي المقطوع به؟ مع التأكيد على أنّه في حال ثبات فسادهم المالي سيكون المسمار الأخير في نعش المشروع الماضوي التونسي، فكيف سيتعامل النهضويون مع تحديات بقائهم؟ وإلى أي خيارات سيلجأون؟ وكيف سيكون رد المجتمع والدولة تجاه هذه الخيارات؟ 

السيناريو الأول: المواءمة وتغيير الوجوه والتمسك بالديمقراطية

جرّب الإخوان في تونس من قبل سيناريو المواءمة السياسية بعد 2014، وكسبوا من ورائها، فهم من جانب ادعوا أنّهم تركوا الحكم من أجل تونس، ومن جهة أخرى سعوا للتوغل في أجهزة الدولة، لهذا ليس مستبعداً أن يلجأوا إليها مع الرئيس على أن يقبل بهم كلاعب سياسي بعد الثلاثين يوماً التي يمنحها له الدستور، وفي هذه الأثناء سيقومون بمهمتين: الأولى امتصاص غضب الجماهير تجاه رموز النهضة، بقبول تقديم بعض عناصرهم المحروقة ككبش فداء، والقيام بثورة تصحيحة داخلية – شكلية- للتأكيد أن ما حدث من فساد هو خطأ فردي من بعض القيادات وقد تم استئصالهم، فلا داعي لاستمرار العداء مع النهضة.

وقد بدأت ملامح هذه الخطوة ببيان شباب حزب النهضة الذي جاء تحت عنوان "تصحيح المسار" تبناه 130 شاباً من بينهم عدد من النواب، جاء فيه "تونس تمر بمنعطف تاريخي أفضى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية، قوبلت بترحيب شعبي كما أثارت تحفظ جزء من النخبة السياسية والقانونية" حسب "روسيا اليوم".

اقرأ أيضاً: قيادي سابق في حركة النهضة يطالب بالإطاحة بالغنوشي.. تفاصيل

قد يشمل تغيير الوجوه راشد الغنوشي نفسه وهو الأب الروحي للنهضة؛ إذ إنّ الأخبار التي يتم تسريبها عن توعك صحته تسير بالأمور في هذا الاتجاه، فقد أكد مكتب رئيس حركة النهضة التونسية "أن الغنوشي، تعرض لوعكة صحية ليل السبت الماضي نقل على إثرها للمستشفى، وخرج بعد تلقيه العلاج".

 بعد تغيير الوجوه يتوقع الترويج لخيار المواءمة السياسية مع النهضة، كخيار آمن مجتمعياً، والتلويح بخطورة رفضه، حتى لا يكون ذريعة لمسار العنف، مع تأكيد الإخوان أنّهم حماة المسار الديمقراطي في تونس، وكأن الديمقراطية أحد مطالب الجماعات الاسلامية!

المهمة الثانية في هذا السيناريو، تكوين جبهة حزبية غير إسلامية، تحت شعار التمسك بالشرعية الديمقراطية، وقد ينجح حزب النهضة في تكوين هذه الجبهة نظراً لغياب غياب الكتلة الحرجة من النخب السياسية والثقافية والإعلامية والدينية القوية المؤهلة لمجابهة الجماعات الماضوية، وقد يستغلون بعض التيارات السياسية التي ليس لها رصيد في الشارع لتكون ظهيراً حزبياً لهم في محاولة إعادة تدويرهم في الحياة السياسة التونسية مرة أخرى.

في حال تعثر مسار المواءمة السياسية ستلجأ حركة النهضة للتركيز على استهداف الحكومة والسعي لإثبات فشل الدولة

مع ملاحظة أنّهم لن يعولوا على الشارع التونسي لعودتهم هذه المرة، ولعقود كانت حركة النهضة تعتمد على وجودها على الشرعية الشعبية؛ أي قبول الشارع لهم وحمايتهم ورعايتهم وتبني أفكارهم واليوم الشعب التونسي تأكد لديه حقيقة التنظيمات الإسلاموية وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، خاصة بالعمل على عدم الالتفاف حول قضايا الوطن الحقيقية، مع ممارسة دور الضحية في كل العقود لإيهام الشباب أنهم على الطريق الصحيح لإنقاذ الوطن، وعليه سيكون رهانهم للعودة على كتلة حزبية وقوى إقليمية.

السيناريو الثاني: الدولة الضعيفة أو الفاشلة

 في حال عدم تمكن الإخوان من طرح أنفسهم مرة أخرى، أو فشل مسار المواءمة السياسية، نظراً لرفض الشعب لهم، سيلجأ حزب النهضة للسيناريو الثاني، الذي يركز على استهداف الحكومة، والسعي لإثبات أنّ الدولة فاشلة، من دون استعمال القوّة المسلحة، وذلك في إطار ما سمّي بالجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة، مستغلين التطور الحاصل في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، وسيطرتهم على السوشيال ميديا، وغرف التواصل الحوارية مثل "الكلوب هاوس".

 وسيركز الإخوان في هذا السيناريو على محورين الأول داخلي، عبر افتعال أزمات شديدة يعاني منها المواطن التونسي، وتكريس الغضب ضد الحكومة والرئيس، والإصرار على أن البلاد أصبحت غير قادرة على حل أزماتها، والتي قد تكون أزمات في السلع التموينية أو الغذائية، أو الدوائية، ويجب الانتباه أن الإخوان في تونس يتسللون منذ 2011 إلى مفاصل الدولة، بشكل علني ومتسارع، وأن فترة الهدنة بعد 2014 كانت أفضل فترات سيطرتهم على مفاصل مهمة في الدولة التونسية، مما قد يسهل لهم اصطناع أزمات أو التسبب في بعضها على الأقل.

سيستخدم حزب النهضة الإخواني منابر دعائية ليس على شاكلة قنوات الإخوان في تركيا؛ فهي أيضاً لم تحقق الهدف منها، ولكنها ستكون على منصات إعلامية لا تنتمي للحركة الإسلامية، وربما تحمل سمت الاتجاه الليبرالي أو الاشتراكي، وتقوم بالترويج للأزمات نيابة عن الإخوان، وإلقاء المسؤولية على الرئيس قيس سعيد، وهذا سيكون اختباراً لمدى تكاتف الشعب وراء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها.

المحور الثاني خارجي باستخدام قادة الحزب خطابا ديماغوجياً لتخويف الرأي العام الأوروبي من فقدان السيطرة على تونس بعد إقصاء النهضة، في شكل تزايد وتيرة الهجرات غير الشرعية، فقد لوّح الغنوشي، بأن نصف مليون مهاجر غير شرعي، قد يتوجهون إلى سواحل إيطاليا، إذا استمر الوضع السياسي في تونس على هذه الحال، كما تحدث عن احتمال تصاعد ما وصفه بالتهديد الإرهابي، مما قد يفاقم ظاهرة الهجرة، كأنهم يقولون للغرب أمامكم خياران إما نحن أو الفوضى.

وعلى الدولة الرسمية أن تكون قادرة بالفعل على منع الهجرات غير الشرعية لإثبات كذب ادعاء النهضة، وتكاتف القوات المسلحة مع القوات الأمنية لمنع أي نشاط إرهابي أو غير قانوني في هذا المسار.

اقرأ أيضاً: هل تنحية "النهضة" من قبل سعيّد تعني قطع رأس الأفعى في تونس؟!

في كل الأحوال لم يعد للنهضة أدوات لفرض سيناريو بعينه وسيكون محكوماً بخيارات رد الفعل، فالكرة في ملعب الدولة الرسمية والرئيس، باستعادة المسار الديمقراطي بدون حزب النهضة بعد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لحلّه، ووقف نشاطه لما نُسب إليه من الانتماء لتنظيم دولي، والحصول على تمويل من جهات أجنبية، وتورط بعض المنتمين له في التخطيط لعمليات إرهابية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية