الصراع على كشمير: تاريخ النزاع وشبح الحرب

كشمير

الصراع على كشمير: تاريخ النزاع وشبح الحرب


10/08/2019

كان الاستقلال الهنديّ عن الحكم البريطانيّ في عام ١٩٤٧، والذي نجم عنه تقسيم الهند، فاتحةً لخلاف هنديّ مع الجارة باكستان، مشفوع بثلاث حروب إلى ما قبل الألفيّة، بخصوص كشيمر، تلك التي لم يكن محسوماً أمرها آنذاك أمنضمّة إلى الهند أم إلى باكستان؛ الأمر الذي أدّى إلى تدخّل الولايات المتحدة في سنة ١٩٤٩ لوضع حدّ للحرب بين الهند وباكستان.

اقرأ أيضاً: الهند تلغي الحكم الذاتي لكشمير وباكستان تردّ

وقد انتهى تدخّل الولايات المتحدة إلى جعل ثلثي كشمير تحت إمرة الهند، والباقي تسيطر عليه باكستان تحت اسم "أزاد كشمير" أو "كشمير الحرّة"، فيما الصينُ تسيطر على جزء ضئيل جداً. الخطّ الذي وضعته الولايات المتحدة يُعرف بـ"خطّ وقف إطلاق النار". وهو حلّ لم يمنع من اندلاع حرب، بل وحروب، أخرى في الستينيّات، والتي أسفر عنها مقتل عشرات الآلاف، وتقدّر بعض التقارير العدد بسبعين ألفاً.

انتهى تدخّل الولايات المتحدة إلى جعل ثلثي كشمير تحت إمرة الهند

أهميّة استراتيجيّة بين الهند وباكستان

كشمير بالطبع ذات طبيعة استراتيجيّة بالنسبة إلى البلدين الجارين، ففي حين تدّعي الهندُ بأنّها ملكٌ لها، ترى باكستان بأنّ أنهاراً كشيمريّة تصبّ في أراضيها. كشيمر بالفعل تقع في مكان حسّاس جداً، فهي تتقاطعُ مع الهند وباكستان والصين وأفغانستان، مما يجعل مكانه كموقع حيوياً جداً.

قد تلوح حربٌ في الأفق لا سيّما وأنّ هناك مطالبات كشميريّة ومظاهرات بالانفصال

فمن ناحيةٍ، تنظرُ الهند إلى كشمير باعتبارها بُعداً استراتيجيّاً حيويّاً لها، رغم أنّ الغالبيّة في كشمير ذات ديانة مسلمة، إلّا أنّ العامل الدينيّ -في الصراع الاستراتيجيّ- هو عاملٌ واحد، لكنّه قد يشكّل عاملاً مهمّاً في حالة الهند تحديداً.

فالأغلبيّة الكشميريّة هي مسلمة، وبالتالي تحاول الهند الهيمنة على كشمير من أجل عدم إثارة أيّة قلاقل دينيّة، مما قد يسبب لقطاعات جغرافيّة داخلها يسكنها بشر من عرقيات مختلفة بالدعوة إلى الانفصال أو الحكم الذاتيّ. ومن ثمّ، كشمير بالنسبة إلى الهند هي عقبة بالتحديد؛ لأنّها لو سمحت لها بالاستقلال التامّ فقد يُثير القلاقل في الداخل الهنديّ المتنوع عرقياً ودينيّاً.

اقرأ أيضاً: الصراع الهندي الباكستاني: الكل يتحدث عن السلام متأهباً للحرب!

كما إنّ الهند أيضاً تتعامل مع كشمير باعتبارها امتداداً جغرافياً وعمقاً استراتيجيّاً سياديّاً أمام باكستان والصّين، واللتان تتشارك كشمير معهما حدوداً كما سبق وأوضحنا.

ومن ناحيةٍ أخرى، فكشيمر بالنسبة إلى باكستان تتمثّل في ثلاث نقاط:

الأولى: هي أنّ كشمير بالنسبة إلى باكستان منطقة ذات أهميّة كبرى حيث هناك طريقان لباكستان لشبكة سكّة حديديّة في سرحد وشماليْ شرقي البنجاب، تلك السكة التي تجري بجوار كشمير.

الثانية: النقطة هذه متعلّقة بالتحديد بالأمن المائيّ؛ إذ إنّ هناك ثلاثة أنهار كشميريّة تصب في الأراضي الباكستانيّة المتعلّقة بالزراعة، وبالتالي فالسيطرة الهنديّة هي من نظر الجارة الباكتسانيّة بمثابة تهديد أساسيّ للأمن المائيّ الباكستانيّ.

الثالثة: وتتعلّق هذه النقطة بالأمن القوميّ؛ إذ إنّ سيطرة الهند ستهدد الأمن القومي لباكستان، وذلك لنقص أسس الدفاع بين جنوب كشمير وباكستان. كما إنّ سيطرة باكستان على كشمير تعد أساسية لحماية مقاطعة الحدود الشمالية العربية ضد أطماع جماعات الباتان الأفغانية.

 كشمير بالنسبة إلى باكستان منطقة ذات أهميّة كبرى

تواريخ النزاع

بعد توضيح الأهميّة الاستراتيجيّة لكشمير بالنسبة إلى الهند وباكستان، فإنّه يكون قد توفّر لنا مقدّمة لاستعراض تواريخ النزاع على هذه القطعة الجغرافيّة المهمّة؛ وهي تلك التواريخ، التي تزعمُ بعض التقارير أنّها ابتدأت حتى من قبل الاستقلال الهنديّ عن الاحتلال البريطانيّ. ومن ثمّ، يكون من استعراض هذه التواريخ الوصول إلى اللحظة الحرجة الحالية، واستشراف ما سيحصل -الأمر الذي يدفع به بعض المحلّلين إلى توقع حرب متوقّعة هنديّة-باكستنيّة.

تنعامل الهند مع كشمير باعتبارها امتداداً جغرافياً وعمقاً استراتيجيّاً سياديّاً أمام باكستان والصّين اللتين تتشارك كشمير معهما حدوداً

أولاً؛ كان النزاعُ الأول بين الهند وكشمير في عام ١٩٤٧، وذلك بعد شهرين من الاستقلال عن الاستعمار البريطانيّ. وقد استمرّ هذا النزاع لمدة عامين، ما أسفر عنه التدخل الأمريكيّ حينها -الذي أشرنا إليه في بداية التقرير- بوضع الخط الحدوديّ.

ثانياً؛ نشبت حرب في عام ١٩٦٥، ورغم أنّها لم تكن طويلة، إلّا أنها أسفرت عن عدد قتلى مهول.

ثالثاً؛ وفي عام ١٩٧١، قامت الهند بدعم حرب كانت تسعى نحو الاستقلال في باكستان الشرقيّة، وهي اللحظة التي تشكّلت فيها رسميّاً دولة بنغلاديش.

رابعاً؛ قامت في عام ١٩٩٩ قوات لجنود باكتسانيين بالتسلل إلى مواقع  عسكرية للهند في الجبال المسمّاة "كارجيل". بيد أنّ الهند ردت بغارات، بعضها بريّ وبعضها بحريّ، ما أسفر عنها طرد القوّات الباكستانيّة منها.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تواجه باكستان الجماعات الإرهابية الناشطة على أراضيها

رغم وجود تفاصيل لتواريخ من النزاع أخرى على كشمير، إلّا أنّ الأسطر السابقة حاولت التركيز على أبرز الأحداث، وإلّا فهناك كان دائماً نزاع، وتفجيرات في خطوط السكّة الحديد، وغيرهما؛ مما يعني أنّ النزاع على كشمير لم ينتهِ، أو أنّ القرار الهنديّ الأخير، فيما يخصّ استقلال كشمير، أتى من فراغ، بل هو أتى على خلفيّة أحداث دموية لها أكثر من نصف قرن.

هناك ثلاثة أنهار كشميريّة تصب في الأراضي الباكستانيّة المتعلّقة بالزراعة

المستجدات واستشراف المستقبل

قامت باكستان يوم الأربعاء الماضي بطرد السفير الهنديّ من بلادها، معلنةً إيقاف التجارة أيضاً مع نيودلهي، وذلك كلّه بسبب إلغاء الهند للوضع الخاصّ المتفق عليه بخصوص كشيمير -كما بينا أعلاه-، ووفق "رويترز"، فإنّ إسلام آباد ستنقل الموضوع إلى مجلس الأمن.

كشمير بالنسبة للهند عقبة لأنّها لو سمحت لها بالاستقلال التامّ فذلك قد يُثير القلاقل بالداخل الهنديّ المتنوع عرقياً ودينيّاً

حيث قامت الهند بإغلاق كامل لكشمير، مصرّحة بأنها ملكٌ للهند، ما استثار غضب إسلام آباد الذي لم ينطفئ أصلاً؛ وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الباكستانيّ عمران خان إلى التصريح بأنّ باكستان تفكّر جديّاً في عرض الملف الكشميريّ على مجلس الأمن بعد الخطوات التصعيديّة للهند منذ الإثنين الماضي؛ حيث سعت إلى إلغاء المادة المتعلّقة بوضع كشمير، باعتبارها متقاسمةً السيادة بينها وبين باكستان، في محاولة من نيودلهي إلى ضمّ البلاد ذات الأغلبيّة المسلمة لها، مما أدّى إلى خروج مظاهرات عديدة تحاول الهند بشتّى السبل، بسبب إغلاقها الكامل، إلى التكتيم عليها، حيث الأوضاع المتردية للكشميريين تحت الحكم الهنديّ والذين يرغبون في الانفصال عنها.

في الواقع، فإنّ التطورات من الطرف الهنديّ كبيرة، مما يجعل التوقعات تسبح في فلك توقع وقوع نزاع، إن لم تكن حرب، بين الجانبين الهنديّ والباكستانيّ. المادة ٣٧٠ التي قامت الحكومة الهنديّة القوميّة المتطرّفة بإلغائها من الدستور الهندي على منح وضع خاص لولاية جامو وكشمير، وتتيح للحكومة المركزية في نيودلهي سن التشريعات الخاصة بالدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات في المنطقة، بينما يُترك الاهتمام بالأمور الأخرى للبرلمان المحلّيّ.

اقرأ أيضاً: العرب والورقة الباكستانية

وباعتبارهما قوتين نوويتين، فإنّ الفارق بين الترسانات العكسريّة للهند تختلف بطبيعة الحال عن التي لدى باكستان، إلّا أنّ الملف الأفغانيّ الذي تمتلكه باكستان قد يكون ورقة ضغط على صانع القرار الأمريكي فيما يخصّ القضيّة.

قد تلوح حربٌ في الأفق، لا سيّما وأنّ هناك مطالبات كشميريّة ومظاهرات بالانفصال، وعند توقع الحرب فإنه ليس أمراً مرغوباً، بقدر ما هو قراءة للماضي البعيد والقريب للصراع الباكستانيّ-الهندي الطويل على إقليم كشمير المهم، الذي يمثّل عمقاً استراتيجيّاً لكلا البلدين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية