الصراع في الجزائر بين سلطة حائرة وشعب ثائر

الصراع في الجزائر بين سلطة حائرة وشعب ثائر


03/04/2019

نورالدين خبابه

ليس مغازلة للشعب الجزائري فأنا منه وكفى، ولا دغدغة للعواطف، بل بصوته الثائر المدوي الذي ظل وفيا لمبادئه رغم المحن، وعلى مرّ السنين وهو يدعو الى تغيير حقيقي في الجزائر وتجسيد السيادة الحقيقية على كل الأصعدة، دون انتقام ولا تصفية حسابات.. بل بتغيير يحقق النهضة المنشودة ويجعل الجزائر في مصاف الدول الكبرى ويحقق أحلام الشهداء.

إنّ ما يجري في الجزائر من حراك هذه الأيام ولو أن انطلاقته كانت تطرح عديد التساؤلات... قبل أن يفلت هذا الحراك من قبضة الدولة العميقة التي لاتزال ترقبه وتحاول توظيفه، لم ينطلق من ذاته، بل كان نتيجة لتراكمات مختلفة... وكان في البداية يهدف الى توقيف العهدة الخامسة فقط لاستبدال شخصية عبدالعزيز بوتفليقة بشخصية من جهاز الدولة العميقة.

لقد تغيرت الأوضاع بشكل متسارع ومخيف أحيانا. فإذا لم تكن هناك قيادة رشيدة تؤطر الحراك، غير متورطة في الدماء والفساد الأخلاقي والصراعات السياسية... وتكون نابعة من صلب الشعب ولم تتقلد أية مسؤولية لاسيما في فترة التسعينيات، وموقفها واضح وصريح من الانقلاب على الارادة الشعبية سنة 1992... والانقلابات بشكل عام وما يجري في الوطن العربي الكبير من مآسي... وتدرك مآلآت التحولات الاقليمية والدولية وتأثيرها على الجزائر لاسيما ما تعلق بمخطط الشرق الأوسط الجديد... وتعرف جيدا تلك المخططات التي تهدف الى تقسيم البلاد وتعرف كيف تتعامل مع الحركات العنصرية... فإن الجزائر تسير الى المجهول.

إنّ الذي يراد له هذه الأيام هو استدراج الجيش الجزائري من خلال دسائس ومؤامرات مختلفة الى حرب قذرة كما استدرج من قبله جيش ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وكما استدرج الجيش نفسه في التسعينيات مع أن الانطلاقة كانت سلمية.

إنه ليس من العبث أن تنشر تسريبات تحرض منطقة القبائل بأكملها، وفي المقابل ردات فعل عنيفة تدعو الى رمي علم الجزائر الى سلة المهملات.

وليس من العبث تداول صور أفراد الجيش وهي تدعم جهة ضد أخرى. وليس من العبث نشر ملفات الابتزاز على مواقع التفاعل وهي تستهدف جهة ضد أخرى قبل أن يبرز هذا الحراك. وليس من العبث نشر بيانات وتوصيات على مواقع التواصل بدل القنوات الرسمية وتعطى الى أناس يعرف الداركون والعارفون بما يجريأنهم مكلفون بمهمة.

في ظل شعب ثائر على الأوضاع، يبحث عن المعلومة الصادقة التي تمكنه من فهم ما يجري في هرم السلطة، لاسيما تحول قيادة الجيش ممثلة في القايد صالح الذي ظل يؤيد الرئيس بوتفليقة ويحمي عائلته على مدار سنوات، ويدعو الى احترام الدستور والانتخابات في آجالها القانونية بل وتلقيب المتظاهرين بالمغرر بهم في بداية الحراك.

كيف لا وهو الذي أعان بوتفليقة الى وقت غير بعيد باستخدام القوة لازاحة كبار الجنرالات.

كيف وأن جهاز المخابرات في وقت الجنرال توفيق أرسل تقريرا حول فساد أخ الرئيس وكان ذلك التقرير سببا في جلطته الدماغية التي مكنت أخاه سعيد بشكل مباشر أن يتولى شؤون الرئاسة وبعلم القايد صالح وحمايته وهذا موثق بالصوت والصورة في فرنسا وفي الجزائر، ولو أن السعيد كان الى جنبه وكان ذراعه الأيمن وحافظ أسراره منذ اعتلائه سدة الحكم سنة 1999، وأثناء تطور مرضه في 2005.

كيف تحالف هذا الجنرال الشيطان مجددا مع عائلة الرئيس في محاولة شيطانية تستهدف قيادة الاركان وليس القايد صالح في شخصه واقالته من منصبه تحت غطاء شعبي والالتفاف على مطالب الشعب المشروعة واستعادة السلطة بواجهة أخرى في وقت يبحث فيه السعيد بوتفليقة على مخرج يحفظ به ماء وجه أخيه.

لقد نصب للقايد صالح فخ من خلال اعلان اسمه في قائمة الحكومة الجديدة. وبهذه الخطة الشيطانية دفعه لأن يعلن للعلن أنه انقلب على الرئيس فتتدخل القوى الأجنبية عبر إعلامها لتعلن أنه انقلب على الشرعية، وتدفع قايد صالح الى استخدام القوة ومن ثم ارتكاب مجازر تسمح لقوى أجنبية بالتدخل كما تدخلت في العراق وفي ليبيا وووو.

وكانت الرسالة المنسوبة للرئاسة واضحة ومفادها أن هناك قرارات مصيرية ستتخذ قبل اعلان استقالة الرئيس. وكانت من بين القرارات اقالة القايد صالح وقد تحدثت عن ذلك ولقاء اليمين زروال بالجنرال توفيق في تسجيل بتاريخ 31 مارس 2019 منشور على قناتي بموقع اليوتيوب.

مفاد هذا الاقتراح الذي قدمه الجنرال توفيق للجنرال السابق اليمين زروال تولي مرحلة انتقالية، وإظهار أن القايد صالح هو من يرفض تسليم السلطة. الاّ أن الجنرال زروال الذي كان نفسه ضحية مؤامرة من طرف الجنرال الشيطان فهم اللعبة وعاد الى بيته تاركا الشيطان وجنده في حيرة.

نحن الآن أمام وضع خطير لم تعرفه الجزائر من قبل. فالقضية لا تخص القايد صالح في شخصه، ولا عائلة بوتفليقة، وإنما تتعلق بوطن هو الآن بين سلطة حائرة تبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه وتحت ابتزاز الدولة العميقة وشعب ثائر لم يجد من يؤطره ويجسد آماله وطموحاته على أرض الواقع.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية