الصراع مع الإسلام السياسي.. مسألة دين أم سلطة؟

الصراع مع الإسلام السياسي.. مسألة دين أم سلطة؟

الصراع مع الإسلام السياسي.. مسألة دين أم سلطة؟


04/03/2024

"الحروب والصراعات تنشأ دائماً لأسباب نبيلة"

 


هل الخلاف بين الإسلام السياسي والحكومات العربية والإسلامية حول تطبيق الشريعة الإسلامية؟ بمعنى هل هو خلاف بين جماعات تدعو إلى تطبيق أحكام شرعية ترفض الحكومات تطبيقها؟ إذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا يبدو الصراع وكأنّ الإسلام السياسي يدافع عن الدين والحكومات تحاربه؟

 

اقرأ أيضاً: عبدالله بن بيه: علّامة أربكت آراؤه تيارات الإسلام السياسي
الحال أنّه لا يوجد فرق في التعامل مع الدين بين الحكومات وجماعات الإسلام السياسي؛ فالجماعات لم ولن تضيف أو تنقص شيئاً جوهرياً أو مهماً؛ لأن جميع الدول العربية والإسلامية تسلك طريق الانسجام مع الشريعة الإسلامية، وإن تفاوتت أو اختلفت في ذلك، إلّا أنّها جميعها تحرص على جعل الشريعة الإٍسلامية المشروعية العليا، وكل ما تفعله مما يبدو أو يُظن أنّه مخالف للشريعة، يتضمن تأويلاً أو تفسيراً لا تنكره جماعات الإسلام السياسي، ولن تغيّر كثيراً في حال أدارت الدول أو شاركت في إدارتها، ولم تكن تجارب الإسلام السياسي في الحُكم مختلفة أو خارجة عن سياق الاستيعاب المعاصر للشريعة والذي تقوم به الدول العربية والإسلامية الحديثة منذ عقود طويلة.

لم تكن تجارب الإسلام السياسي بالحكم مختلفة أو خارجة عن سياق استيعاب الدول العربية والإسلامية المعاصر للشريعة

وقد شاركت وتشارك تيارات الإسلام السياسي في هذا الاستيعاب، بصفتها هذه، أو من خلال المشاركة الواسعة للمنتمين إليها في الجامعات والمؤسسات التعليمية والتشريعية والسياسية، وأما الإشارة إلى الإضافات التي قدمتها بعض التجارب والجماعات الإسلامية في ممارساتها الحكم والسياسة، كما حدث على سبيل المثال في إيران والسودان والعراق، فلم تكن تطبيقات جوهرية تدعو إليها الشريعة أو تكليفاً دينياً كان معطلاً قبلها.
لكن السؤال الأساسي يظل ملحّاً ومعلقاً؛ ما الخلاف إذن مع جماعات الإسلام السياسي؟ تخطئ أطراف الصراع سواء كانت حكومات أو اتجاهات سياسية ودينية حين تحوّل الخلاف السياسي إلى ديني، أو حين تفسره تفسيراً دينياً، وتسوق الصراع أو الخلاف إلى النصوص والتطبيقات والخطابات الدينية السائدة والمتداولة.

اقرأ أيضاً: أوهام الإسلام السياسي في ليبيا
وتخطئ الجماعات والمجتمعات حين تقيّم الخلاف أو ترده إلى اعتبارات دينية في غير موضعها، فشرعية الحكم والعمل العام لا يتقدم إليها أو ينالها أحد بناء على خصوصية أو أفضلية دينية، ولم يحدث على مدى التاريخ والحاضر الإسلامي أن يَعتبر طرف سياسي نفسه خارجاً عن الدين أو مقصراً به، هذا مع الاعتراف بالطبع أنّ الدين ظل جزءاً من الصراع بين الأطراف المختلفة على مدى التاريخ والجغرافيا.
لكنّ الدولة الحديثة استقرت على بناء شرعيتها وفق اعتبارات ومؤشرات واضحة وقابلة للقياس والتقييم، بمقدور كل مواطن أن يلاحظها؛ الحريات، والعدالة في توزيع الفرص، والكفاءة والعدالة في تحصيل الضرائب والموارد العامة، وإنفاقها بكفاءة وعدالة أيضاً، وبوجود تعليم يشمل جميع الأطفال، وتأمين صحي وضمان اجتماعي لجميع المواطنين، ورعاية اجتماعية تستفيد منها بوضوح جميع الفئات المستهدفة، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.

استقرت الدولة الحديثة على بناء شرعيتها وفق اعتبارات ومؤشرات واضحة وقابلة للقياس والتقييم

ونرى اليوم بوضوح، في السلوك السياسي والاجتماعي للناس بمن فيهم المسلمون، أنّ الثقة والمشاركة السياسية تقوم على كفاءة الحكم وعدالته، حتى عندما يكون ثمة خلاف أو حتى عداء ديني أو سياسي كبير، فالمسلمون في الدول غير الإسلامية يُقبلون على المشاركة والثقة بمؤسسات هذه الدول، بل ويفضلونها في الهجرة والعمل والتعليم، ويبحثون دائماً عن فرص الحياة الأفضل بغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع الاتجاهات الدينية أو السياسية للحكومات.
هكذا وببساطة يمكن لأي مواطن أن يقارن ويُحدّد اتجاهاته وعلاقاته في السياسة والمعارضة والتأييد، بناء على الإنجاز الواقعي للدول والحكومات وليس ما يقوله القادة والناشطون أو ما يدعون إليه، ولا أهمية أو اعتبار لأن تكون الشعارات إسلامية أو دعوة لتطبيق الشريعة إذا كان الإنجاز المتحصل في التعليم والعمل والبطالة والرعاية الصحية والاجتماعية والازدهار والاستقرار والأمن متدنياً أو ضئيلاً.

اقرأ أيضاً: إيران وفلسطين: كيف تاجر الإسلام السياسي بالقضية؟
وفي مقدور أي إنسان اليوم أن يعود للمواقع الحكومية والإحصائية والدراسات والتقارير الوطنية والدولية ويعرف ما أنجزته كل دولة في العالم بمجالات التنمية والتعليم والصحة والإنتاج والعمل والأمن والتقدم والرفاه، فلم يعد ذلك سرّاً ولا عملاً معقداً يقتصر على فئة من المتخصصين، وفي ذلك، يمكن النظر إلى الإصلاح وقياسه على أنه حريات المواطنين وقدرتهم على التنافس العادل على الفرص، وعدالة ضريبية وعدالة في الإنفاق يمكن ملاحظة أثرها وشمولها لجميع المواطنين، في التعليم والصحة والرعاية والعدالة الاجتماعية.

يبحث المسلمون دائماً عن فرص الحياة الأفضل بغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع الاتجاهات الدينية أو السياسية للحكومات

وعلى نحو عملي واضح، يمكن النظر والقياس ببساطة إذا كان المواطنون لا يحتاجون أن ينفقوا غير ما يدفعونه من الضرائب للدولة على التعليم والصحة ورعاية كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، ويمكن ملاحظة التقدم في التعليم عندما تنخفض نسبة الطلبة في المدارس الخاصة إلى 5 % من إجمالي الطلبة، وعندما يتوقف تسرّب التلاميذ وتنتهي عمالة الأطفال، وتقاس الرعاية الصحية بتأمين صحي شامل لجميع المواطنين، وأن يكون لكل 100 ألف مواطن مستشفى يعمل بكفاءة ومستوى. ويمكن قياس الرعاية الاجتماعية بأن يكون لكل مواطن رقم ضمان اجتماعي، وخدمة صحية وتعليمية واجتماعية لجميع المحتاجين من الفقراء والمرضى وكبار السن، وعبر تكامل اجتماعي يُستدل عليه بالمساواة وبأرقام الجريمة والانتحار والشعور بالرضا، وأخيراً بملاحظة مصادر واتجاهات العبء والإعفاء ومستوى كفاءة التحصيل والتهرب الضريبي.
ويمكن، بعد ذلك، الجدال في أوقات الفراغ وفي المقاهي والندوات حول النظريات والأفكار السياسية والدينية للإصلاح والتنمية، لكن بالنسبة للأمم فإن الصواب هو النجاح.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية