الصفقة الإيرانية ـ الأمريكية... أين مصالح العرب؟

الصفقة الإيرانية ـ الأمريكية... أين مصالح العرب؟


29/05/2021

تتوالى تصريحات أمريكية وإيرانية، ومن الأطراف المشاركة في مباحثات جنيف، تؤكد أنّ التوصل إلى صفقة جديدة بين واشنطن وطهران أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأنّ اتفاقاً تمّ إنجازه؛ أهمّ بنوده إلغاء بعض العقوبات "الرئيسية" المفروضة على إيران، مقابل تخفيض نسب تخصيب اليورانيوم من قبل إيران، وهو ما أكده الرئيس الإيراني حسن روحاني وأوساط إيرانية وأخرى روسية على اطلاع بتفاصيل المفاوضات، وأنّ الحوارات بين طهران وواشنطن تتركز حالياً حول قضيتين؛ وهما: سؤال من يتخذ الخطوة الأولى حسب الاتفاق، واشنطن بأن ترفع العقوبات أوّلاً، أو ترجمة ما التزمت به طهران أوّلاً؟ ثم الكيفية التي يتمّ خلالها الإعلان عن التوصل إلى هذا الاتفاق.

كان واضحاً منذ نجاح الإدارة الديمقراطية الجديدة أنّ واشنطن وطهران في طريقهما لإبرام اتفاق تمّ إنجازه بالأحرف الأولى عبر تصريحات علنية متبادلة، رغم معارك "عضّ الأصابع" بين الطرفين التي شهدتها ساحات الصراع في العراق وسوريا، والإدانات الأمريكية للتصعيد الذي يمارسه الحوثيون في اليمن، علاوة على التصعيد الذي شهدته غزة،  والذي يوصف من قبل واشنطن بأنه تنفيذ لأجندة إيرانية.

 

إنّ تسريبات ما تمّ الاتفاق عليه في الصفقة الجديدة تشير مبدئياً إلى أنه تمّ التوافق بين واشنطن وطهران على ملف واحد، وهو تخصيب اليورانيوم والبرنامج النووي الإيراني

إنّ تسريبات ما تمّ الاتفاق عليه في الصفقة الجديدة تشير مبدئياً إلى أنه تمّ التوافق بين واشنطن وطهران على ملف واحد، وهو تخصيب اليورانيوم والبرنامج النووي الإيراني، مقابل تنازلات إيرانية "لا تُعرف حدودها حتى الآن"، وتنازلات أمريكية حول إلغاء بعض العقوبات المفروضة على إيران، إلّا أنّ ملفات أخرى خلافية لم يتمّ التطرق إليها، مثل ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية، والتدخل الإقليمي لإيران عبر الحرس الثوري في الدول العربية بصورة تقوّض الأمن الوطني ولا تسهم في الاستقرار، عبر ما يُعرف بحروب الوكالة في "العراق  وسوريا ولبنان واليمن، وفي غزة".

إقرأ أيضاً: ما هي فرص نجاح مفاوضات فيينا بين الأمريكيين والإيرانيين؟

وعلى أهمية الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى ملف الصواريخ الباليستية بالنسبة إلى الدول العربية، وخاصة في الخليج العربي، إلّا أنّ الملف النووي يبقى ملفاً دولياً مرتبطاً بالنادي النووي الدولي من جهة، وبأمريكا وإسرائيل بالدرجة الأولى، فيما الملف الحقيقي الذي يؤرق الدول العربية والمنطقة هو ملف التدخل الإقليمي الذي يقوده الحرس الثوري وفيلق القدس، والذي أسفر عن سيطرة إيران على 4 عواصم عربية، كما صرّح بذلك الرئيس الإيراني قبل عامين، "بغداد وبيروت ودمشق بالإضافة إلى صنعاء".

أولويات الملفات الخاصة بالخلاف الإيراني مع جيرانها والقوى الدولية متفاوتة، وأعتقد أنّ النووي الإيراني مشكلة إسرائيلية بالدرجة الأولى، تليها مشكلة ملف الصواريخ لما تتضمنه من تهديد لأمن إسرائيل، وربما تهديد الملاحة البحرية والممرات الدولية، لكنّ مشكلة العرب الحقيقية هي مع ملف التدخل الإقليمي الإيراني في المنطقة، والذي تحوّل من مقاربة تصدير الثورة فكرياً إلى مستوى عسكري ميليشياوي، يقوم على مرجعيات مذهبية دينية تستحضر التاريخ الإسلامي بكلّ ما فيه من "فتن".

التوصل إلى صفقة جديدة بين أمريكا وإيران لم يعد مجرّد سيناريو متوقع، وهو ما أدركته إسرائيل التي أرسلت وفداً عسكرياً وأمنياً إلى واشنطن "قبيل حرب غزة" للاطلاع على تفاصيله

لا شكّ أنّ هناك إدراكاً عربياً عبّرت عنه السعودية والإمارات حول ضرورة المشاركة في مفاوضات الصفقة الأمريكية ـ الإيرانية الجديدة، لتلافي ثغرة الغياب المقصود في صفقة عام 2015 التي أنجزها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، والتي اقتصرت على نسب تخصيب اليورانيوم، ولم تشمل تدخلات الحرس الثوري ولا البرنامج الصاروخي الإيراني، وهو ما مكّن إيران من الاستفادة من مليارات الدولارات التي أفرجت عنها أمريكا في غير برامج التنمية الإيرانية.

إقرأ أيضاً: ماذا يعني اعتراف بايدن بأنّ إيران جادّة في المفاوضات حول برنامجها النووي؟

ربما تفسّر الاتصالات السرّية بين الرياض وطهران، التي جرت في العراق بوساطة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، حجم الشكوك السعودية بمسارات الصفقة الجديدة، ولذلك أرادت أن تذهب مباشرة إلى طهران بصورة تبدو أكثر انفصالاً عن المسار الأمريكي الأوروبي.

وفي الخلاصة، فإنّ التوصل إلى صفقة جديدة بين أمريكا وإيران لم يعد مجرّد سيناريو متوقع، وهو ما أدركته إسرائيل التي أرسلت وفداً عسكرياً وأمنياً إلى واشنطن "قبيل حرب غزة" للاطلاع على تفاصيله، غير أنّ تفاصيل هذه الصفقة في جانبها السرّي تبدو هي الأكثر أهمية، فما يهمّ الشعوب والحكومات العربية هو وقف تدخل إيران في الدول العربية، وليس النووي الإيراني، إذ لو كان هذا النووي على طريقة كوريا الشمالية "بدون تدخلات إقليمية"، فسيكون تحدياً بمستويات منخفضة بالنسبة إلى العرب، وإذا كانت أمريكا تأخذ بالحسبان مخاوف إسرائيل، فالمطلوب أن يقدّم العرب مقاربة جديدة تجعل أمريكا تأخذ بالحسبان أيضاً مخاوفهم وهواجسهم.

الصفحة الرئيسية