الصين وكورونا وأمن منطقة الخليج.. هل يفتح الوباء أفقاً جديداً؟

كورونا

الصين وكورونا وأمن منطقة الخليج.. هل يفتح الوباء أفقاً جديداً؟


16/03/2020

لا يُعرف حتى الآن على وجه التحديد ما إذا كان، أو كيف سيؤثر انتشار وباء كورونا على صورة الصين الخارجية وتواصلها مع العالم؟ فالفيروس الذي انتشر على الأرجح، ووفق ما هو شائع ومتواتر، من ووهان الصينية ترك تأثيره على القوة الناعمة الصينية، علاوة على اقتصادها ومشاريعها الإستراتيجية، وسيبقى من التحديات الكبيرة أمام بكين العمل على استعادة ثقة العالم بها.

معضلة كورونا أظهرت مدى ترابط كوكبنا، والوباء أعاد إلى واجهة الأحداث التساؤلات حول العولمة بقوة أكبر

وقالت وكالة أنباء الصين "شينخوا"، أمس، إنّ بعض الساسة الأمريكيين يستخدمون فيروس كورونا كسلاح لتشويه الصين في الوقت الذي تصاعدت فيه حرب كلامية بين البلدين بشأن طريقة تصدي بكين للتفشي. واتهم المقال مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين ووزير الخارجية مايك بومبيو بنشر "فيروس سياسي" واستخدامه للتقليل من شأن الصين، بحسب ما أوردت وكالة "رويترز" للأنباء.
لكن معضلة وباء كورونا أظهرت مدى ترابط كوكبنا، والوباء أعاد إلى واجهة الأحداث التساؤلات حول العولمة بقوة أكبر، ومن ذلك تشابك العالم مع الصين ومدى تأثيرها فيه. هذا التأثير الصيني يتجدد التساؤل حوله الآن في مناطق كثيرة، ومن هذه المناطق الحيوية منطقة الخليج العربي، الغنية بموارد الطاقة، ويتمحور التساؤل حول معادلة الاقتصاد والأمن في منطقة اكتشفت الصين مجدداً، مع زلزال فيروس كورونا، مدى أهميتها الإستراتيجية مثلما اكتشفت تلك المنطقة أيضاً مدى أهمية الصين لها.

ويثير اهتمام الصين المتزايد بالخليج - إلى جانب كل الحديث عن تراجع الولايات المتحدة من المنطقة نفسها- سؤالاً: هل سيؤدي الاهتمام الاقتصادي المتزايد للصين بمنطقة الخليج إلى سياسة صينية أمنية أكثر نشاطاً هناك؟ وبعبارة صريحة، هل ستتبادل الصين والولايات المتحدة الأدوار على المدى الطويل؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، نشرت الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)  أناليزا بيرتيغيلا، تحليلاً قالت فيه إنّه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الزوايا التالية:
أولاً، ما هي الصلة الإستراتيجية للخليج بالصين؟ وثانياً، كيف تتداخل المصالح الأمريكية والصينية في المنطقة، وكيف تنفصل؟ وثالثاً، هل الصين راغبة سياسياً (أو مستعدة) لتكون فاعلاً أمنياً رئيسياً في منطقة الخليج؟
منابع اهتمام الصين بالخليج
ينبع معظم اهتمام الصين بمنطقة الخليج من الدور الرئيسي الذي يلعبه الخليج في أسواق الطاقة العالمية. فالصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفط (14٪ من الإجمالي العالمي) ، حيث يشكل النفط نحو 70٪ من إجمالي استهلاك الطاقة لديها. كما تعد الصين أكبر مستورد للنفط والغاز الطبيعي في العالم. وارتفع الاعتماد على الواردات من النفط إلى 72٪ في 2018، وهو أعلى معدل للصين خلال نصف القرن الماضي. في عام 2018، جاءت 43 ٪ من واردات النفط الصينية من منطقة الخليج، وتصدرت في هذا المقام المملكة العربية السعودية، تليها العراق وعُمان. كانت إيران أيضاً، قبل عودة العقوبات الأمريكية في عام 2018، حاسمة بالنسبة لاحتياجات الصين من الطاقة.

اقرأ أيضاً: كورونا بين المكايدات السياسية والتأويلات الغيبية.. هل تكسب معركة الوعي؟
فوفقاً لموقع TankerTrackers.com ، الذي يتتبع ناقلات النفط والشحنات استناداً إلى صور الأقمار الصناعية وأنظمة التعرف التلقائي، قامت المملكة العربية السعودية بتصدير 1،802،788 برميلًا يوميًا إلى الصين في تموز (يوليو) الماضي، مقارنة بـ 921،811 برميلًا يوميًا في آب (أغسطس) 2018. وبلغت الصادرات إلى الولايات المتحدة في تموز (يوليو) الماضي 262053 برميلًا يوميًا، بانخفاض 62٪ تقريبًا من 687946 برميلًا يوميًا في آب (أغسطس) من العام الماضي. وقد ساعدت العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني في هذا التحول. واضطر كبار مستوردي الطاقة الآسيويين، مثل الصين، إلى تحويل الأعمال بعيداً عن الجمهورية الإسلامية - ثالث أكبر منتج بين أعضاء "منظمة البلدان المصدرة للبترول" (أوبك) - والبدء في شراء المزيد من براميل النفط السعودية للتعويض عن العجز الناشئ عن عدم وصول النفط الإيراني كالمعتاد.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: أول تجربة على البشر للقاح يحمي من المرض
من ناحية ثانية، تلعب التجارة أيضًا دورًا رئيسيًا في القرارات الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج بشكل خاص. وتعد الصين الآن الشريك الاقتصادي الأول لدول مجلس التعاون الخليجي وأكبر شريك تجاري للكويت وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبالنسبة لإيران أيضًا، تعتبر بكين شريكًا تجاريًا رئيسيًا، وفي الواقع تحتاج إيران إلى الصين أكثر مما تحتاج الصين إلى إيران، والعلاقات غير متوازنة بشكل كبير، كما تقول الباحثة أناليزا بيرتيغيلا.


في المقابل، قللت الولايات المتحدة من اعتمادها على الطاقة من الخليج: ففي عام 2009، تجاوزت الصين بالفعل الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط من المملكة العربية السعودية، ومنذ ذلك الحين، أسهم المنتجون الأمريكيون في جعل بلادهم تتوقف عن الاعتماد على نفط الخليج. ومع ذلك، لا تزال واشنطن تحافظ على اهتمامها باستقرار أسواق الطاقة العالمية، حيث يؤثر سعر النفط العالمي بقوة على سوقها المحلية. وبالتالي، يظل الوصول إلى موارد الطاقة للأسواق العالمية وحرية الملاحة من الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة في منطقة الخليج. وتقول بيرتيغيلا إنّ ذلك يتداخل بقوة مع أولويات الصين، وقد استفادت الصين حتى الآن من البنية الأمنية الإقليمية للولايات المتحدة. ومع ذلك، بينما تشترك كل من الولايات المتحدة والصين في الاهتمام بالاستقرار الإقليمي، من المحتمل أن يتصادم الطرفان بشأن كيفية ضمان الاستقرار. فإذا كانت واشنطن تهدف إلى تنفيذ إستراتيجية موازنة خارجية ضد إيران من خلال الاعتماد على حلفائها الخليجيين (حيث تلعب السعودية دورًا رئيسيًا) وإسرائيل، فإنّ الصين تميل إلى تبني مفهوم أشمل للأمن الإقليمي في منطقة الخليج لا يقوم على استبعاد إيران، والصين بذلك تقترب من روسيا التي تنادي بأن تكون دول الخليج العربي وإيران معاً ركائز أساسية للاستقرار الإقليمي.
توسيع القدرات وتعزيزها
في هذا السياق، تتساءل الباحثة أناليزا بيرتيغيلا ما الذي يمكن أن نتوقعه لمستقبل المنطقة؟ وتقول إن تصورات الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط دفعت المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت القوى الصاعدة مثل روسيا والصين ستتدخل. ومع ذلك، على الرغم من رواية الإدارة الأمريكية الحالية، فإنّ الاحتمالات الفعلية لانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة تبدو شحيحة. وينطبق هذا بشكل خاص على شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، حيث نما الوجود الأمريكي بشكل مطرد في العقد الماضي، وحيث لا تزال واشنطن تحتفظ بمصالح قوية في ضمان حرية الملاحة وحماية إمدادات النفط العالمية.

ربما يتيح انتشار كورونا المجال أمام بكين للتفكير في مداخل جديدة لتعزيز مصالحها في زمن كورونا وما بعده

وحتى لو انسحبت الولايات المتحدة في نهاية المطاف من المنطقة، فسيتعين على الصين توسيع قدراتها على عرض القوة إذا كانت تهدف إلى الحلول بدلاً من الولايات المتحدة كقوة عسكرية وأمنية. وفي الوقت الحالي، يبدو أنّ بكين تفتقر إلى كل من القدرات العسكرية-خاصة الغطاء الجوي الذي يتطلب قواعد عسكرية إقليمية- والإرادة السياسية. ومع ذلك، فإنّ المشاريع المتنامية تحت عنوان مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) وكذلك التقلبات الإقليمية قد تغير هذه الحسابات على المدى الطويل. ومع ذلك، من المرجح، بحسب بيرتيغيلا، أن تستمر البراغماتية في توجيه إجراءات الصين، ما يدفع بكين إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية المزدهرة بالفعل مع دول الخليج وكذلك مكانتها الدبلوماسية. من المحتمل أيضًا أن تستمر الدول الإقليمية في "استخدام" البطاقة الصينية لتوسيع خياراتها في مقابل أي تراجع في التزام الولايات المتحدة. ولربما يتيح انتشار فيروس كورونا المجال أمام بكين للتفكير، من منظور جديد، في مداخل جديدة لتعزيز مصالحها في زمن كورونا... وما بعده.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية