الضمّ بالنسبة إلى إسرائيل خطوة سلبية وخاسرة.. وهذه هي الأسباب

الضمّ بالنسبة إلى إسرائيل خطوة سلبية وخاسرة.. وهذه هي الأسباب


كاتب ومترجم فلسطيني‎
06/07/2020

ترجمة: إسماعيل حسن

يوماً بعد يوم تزداد الرؤية الإسرائيلية ضبابية وتشويشاً نحو ما قد تسفر عنه خطة الضمّ، ما يدفع دوائر صنع القرار السياسي والعسكري والأمني لإراحة نفسها ولو مؤقتاً، والخروج باستنتاج مبكر مفاده أنّ ردود الفعل الفلسطينية قد تسفر عن وضع لن يحدث فيه أيّ شيء، إلى وضع يحترق فيه كلّ شيء.

رؤية حماس لنفسها زعيمة حقيقية للشعب الفلسطيني قد لا تبقيها على هامش الأحداث، مع ترجيح أنّ تحاول إشعال النار في الضفة والقدس من بعيد

 ويحتمل هذا التقدير كلّ السيناريوهات، أسهلها وأصعبها، لكنّه يحمل ضمنياً دلالة تفيد بأنّ الأرض قد تبدأ بالاهتزاز في حال تمّ الشروع بتنفيذ خطة الضمّ، والجيش يستعدّ لجميع السيناريوهات التي لا تبشر بالخير، وما يثير القلق الأكبر غضب الفلسطينيين المرتقب الذي قد ينفجّر في وجه إسرائيل، أمنياً وسياسياً، فإسرائيل الآن أمام مفترق طرق، وهي مطالبة بأن تبدي قوة وتصميماً في ظلّ الاستعداد للدخول إلى مجال انعدام اليقين، الذي يحتمل أن يمسّ بها أمنياً في المدى القصير، لكنّه سيعزّز قوتها في المدى البعيد.

 الآثار السياسية المباشرة للضمّ

الاهتمام العام في إسرائيل يركز الآن على الآثار السياسية المباشرة للضمّ، وتجاهل الآثار على المدى البعيد، فإذا انهارت السلطة الفلسطينية نتيجة الضمّ؛ فقد تؤدي الخطوة إلى تفككها، وستجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن مليونَي فلسطيني من سكان المناطق في الضفة.

 معهد بحوث الأمن القومي عقد ندوة تطرقت لفحص الآثار السلبية المترتبة على خطة الضمّ، التي ستمسّ بالواقع الأمني في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية التي تميزت بالاستقرار على مدى العامين، فبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية سيزيد دوافع الفلسطينيين في ممارسة العنف، وسيتوقف التعاون بين قوات الأمن الإسرائيلية وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي تحبط الإرهاب، وتمنع الاحتكاك، وتفرّق المظاهرات، وتتبادل معلومات استخبارية عظيمة القيمة، وإن وقفه سيثقل على إسرائيل في إحباط الإرهاب والعنف وستجد نفسها في مأزق أمني.

اقرأ أيضاً: هل تتراجع إسرائيل عن ضمّ أراض في الضفة الغربية؟

 والضمّ أيضاً كفيل بأن يدفع منظمة فتح نحو حماس، بل وربما سيشجعها على العودة لتبنّي فكر المقاومة، في ظلّ المطالبة بالسيادة على كلّ أراضي فلسطين، إلى جانب ذلك؛ ستعمل حماس على ضعضعة الاستقرار في الضفة، فيما يصعب عليها لجم منظمات الرفض في قطاع غزة، بالتالي؛ سيزيد خطر التدهور الأمني، في الوقت نفسه؛ سيرتفع احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، بالضفة وقطاع غزة، أو إعادة المفاتيح لإسرائيل.

تحمّل المسؤولية عن عموم السكان الفلسطينيين

 في هذه الحالة ستضطر إسرائيل إلى تحمّل المسؤولية عن عموم السكان الفلسطينيين  في الضفة الغربية، وستلغى مزايا اتفاق السلام مع الأردن، والحدود مع الأردن هي الأطول والأهدأ بين حدود إسرائيل، والتعاون الأمني مع الأردن يجري بنجاح على مدى السنين، كما سيشطب عمق الدفاع الإستراتيجي الشرقي لإسرائيل، الذي هو اليوم عملياً على الحدود الأردنية العراقية، وسيمسّ بتعاون إسرائيل مع دول ليس لها علاقات رسمية على أساس مصلحة مشتركة ضدّ توسع النفوذ الإيراني السلبي في منطقة الشرق الأوسط، وسيضعضع الضمّ مكانة إسرائيل الإقليمية حيال الدول العربية السنية، حتى إن أقامت علاقات في مستوى منخفض مع إسرائيل، كنتيجة للضغط الأمريكي؛ فإنّ هذه العلاقات لن تتحقق في المدى المنظور.

أما من الناحية القانونية المترتبة على تنفيذ قرار الضمّ؛ فإنّ بسط السيادة والضمّ هما أمر واحد، ومع ذلك فإنّ لاصطلاح بسط السيادة لوناً سياسياً وسياقاً من الشرعية، وليس اللون السلبي للسيطرة؛ فإسرائيل تحوز مناطق يهودا والسامرة منذ عام 1967 تحت الاستيلاء القتالي، وتحت الحكم العسكري، ليس للتشريع الإسرائيلي مفعول مباشر إلا عبر أوامر قائد المنطقة الوسطى، القائد العسكري الذي تنطبق عليه مناطق المستوطنات، أما فرض القانون الإسرائيلي فمعناه أنّ أحكام المنطقة والمكانة والسلوك القانوني للمنطقة سيكونان مشابهين لما هو متبع في دولة إسرائيل، وستصبح السلطات الإسرائيلية جهة مخولة في المنطقة، وبناءً على ذلك؛ سيسهّل الضمّ مصادرة أراضٍ فلسطينية في صالح مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة، ولن يكون الفلسطينيون في المنطقة المضمومة بعد ذلك تابعين لقوانين السلطة الفلسطينية؛ بل سيتبعون القانون الإسرائيلي كسكان لدولة إسرائيل، وسيكون من حقّهم أيضاً طلب المواطنة.

مخطط من 3 مراحل

 وبالنسبة إلى المستقبل وفق الاستفتاء الشعبي، إذا ما وافقت إسرائيل على إطار تسوية سياسية مع الفلسطينيين للتنازل عن الأرض المضمومة، سيكون مطلوباً لتحقيق هذا التنازل وجود أغلبية خاصة من 80 نائباً، أو استفتاء شعبي، والضمّ معناه تكبيل أيدي الحكومات التالية إذا ما رغبت في التنازل عن المنطقة.

اقرأ أيضاً: هذا موقف الإمارات من ضم مناطق في الضفة والغور الأردني

أما على صعيد البعد الجغرافي المترتب على الضم؛ فإنّ المخطط يقوم على ضمّ ثلاث مراحل؛ أولها: ضمّ كلّ المنطقة جيم، التي تمثل نحو 60 في المئة من يهودا والسامرة. ثانياً: تنفيذ مخطط الرئيس ترامب لضمّ نصف المنطقة جيم، نحو 30 في المئة. ثالثاً: دمج المستوطنات الإسرائيلية القائمة ومنع إخلائها في المستقبل.

 وفي الخلاصة؛ فإنّ متغيرات عديدة ستشكّل الآثار السياسية للضمّ، ولا سيما حجمه، سواء كان ضيقاً أم واسعاً، ومدى إضراره في نسيج حياة السكان الفلسطينيين والمستوطنين ووتيرة الأحداث وقوتها، بما في ذلك آلية التصعيد التي يصعب التحكم بها، مسائل ذات صلة أخرى؛ هل سيبقى للفلسطينيين أفق أمل لتحقيق أهدافهم الوطنية على شكل حلّ الدولتين؟ فضلاً عن الإجابة عن هذا السؤال؛ فإنّ ميزان الآثار المتنوعة للضمّ يشير إلى أنّها في غالبيتها سلبية؛ فالضمّ لن يمنح إسرائيل تفوقاً إستراتيجياً، ومن الصواب الأخذ بمخاطر أمنية وسياسية واقتصادية، فرض القانون الإسرائيلي على أجزاء من يهودا والسامرة لن يمنح إسرائيل أيّ تفوق أمني على الوضع الحالي الذي تسيطر إسرائيل في إطاره على غور الأردن، وتتمتع بحرية العمل الأمني في كلّ المنطقة، وتقيم تعاوناً ناجعاً مع أجهزة الأمن الفلسطينية، بينما سيزيد الضمّ تهديد الإرهاب، سواء في الضفة أو القطاع، وعندها سيضطر الجيش إلى صرف الانتباه عن الحدود الشمالية وعن إيران إلى مهام دفاعية في الساحة الفلسطينية.

المخاطر المستقبلية

 فضلاً عن المخاطر المستقبلية السياسية والأمنية التي ينطوي عليها تنفيذ الضم، في يهودا والسامرة وفي غور الأردن؛ فإنّ التركيز المطلق لإسرائيل على الخطوة يمسّ منذ الآن بقدرتها على التصدي لتهديدات قائمة، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني المتسع، الذي يشكّل التهديد الحقيقي والأكبر بالنسبة إلى إسرائيل.

 

على المدى البعيد، إذا لم تنجُ السلطة الفلسطينية من معاني الضمّ، بما فيها الاضطراب الشعبي الواسع؛ فقد تصل إلى انحلالها وإنهاء دورها، إذا كان هذا ما سيحصل فستجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن مليوني فلسطيني من سكان المناطق، بينما يتعاظم في المناطق التأييد الشعبي لفكرة الدولة الواحدة كبديل عن رؤيا الدولتين التي خابت، فضلاً عن العبء الأمني الذي سيقع على كاهل إسرائيل، عبء الاقتصاد الفلسطيني دون مساعدة من الأسرة الدولية التي تتبرع للسلطة الفلسطينية على مدى العامين، إضافة إلى ذلك ستؤثر هذه التطورات الإشكالية بقدر واضح على الطابع الديمقراطي والديمغرافي لدولة إسرائيل، كون معناها هو تسريع الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة، وستضعضع الرؤيا الأساس لدولة إسرائيل، دولة يهودية ديمقراطية آمنة وأخلاقية معترف بحدودها وتتمتع بشرعية دولية.

فقد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مركزيته

 في العقد الأخير فقد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مركزيته في الساحة الإقليمية والدولية، جراء الاعتراف بأنّ الرفض الفلسطيني لعب دوراً حاسماً في إحباط التقدم نحو تسوية سياسية بروح فكرة الدولتين للشعبين، على هذه الخلفية تفرغت إسرائيل للتصدي لتوسع النفوذ الإيراني والتموضع الإيراني في الساحة الشمالية، إلى جانب ذلك صار ممكناً تطوير علاقات إسترارتيجية بين إسرائيل والدول العربية البراغماتية، وبناء جبهة واسعة ضدّ إيران.

في حالة الضم سيتوقف التعاون بين قوات الأمن الإسرائيلية وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي تحبط الإرهاب، وتمنع الاحتكاك، وتفرّق المظاهرات، وتتبادل معلومات استخبارية عظيمة القيمة

 ومن المتوقع أن يوقف الضمّ هذه المسيرة ذات الفضائل العظيمة، كلّ هذه السيناريوهات تتطلب تعزيز الفرق العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية كي تسيطر عليها؛ لأنّ هذا الواقع سيتغير في الهجوم الأول بعد الضمّ، وسيزجّ الجيش بكتائب إضافية، أما بالنسبة إلى غزة؛ فللوهلة الأولى قد تبقى هادئة، لكنّ رؤية حماس لنفسها زعيمة حقيقية للشعب الفلسطيني قد لا تبقيها على هامش الأحداث، مع ترجيح أنّ تحاول إشعال النار في الضفة والقدس من بعيد، وتتحدّى إسرائيل في الجنوب، لاستئناف مسيرات العودة، وزيادة إطلاق الصواريخ، وغضّ الطرف عن المنظمات الصغيرة، التي ستزيد من حدّة هجماتها وتخلق توتراً وتصعيداً بين إسرائيل والجنوب.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.inss.org.il/he/publication/annexation-convention-summary/


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية