الطيار المفقود يؤجج الصراع مجدداً في إسرائيل

الطيار المفقود يؤجج الصراع مجدداً في إسرائيل


كاتب ومترجم فلسطيني‎
23/10/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

أثار كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، عن عملية جهاز الموساد السرّية في قلب الأراضي اللبنانية، لتعقّب آثار الطيار المفقود، رون آراد، جدلاً وانتقاداً داخل الائتلاف والمعارضة السياسية في إسرائيل، حيث قال بينيت في خطابه بالكنيست قبل أسبوع؛ إنّ رجال الموساد انطلقوا قبل شهر لتنفيذ عملية معقدة، هدفها جمع تفاصيل جديدة عن مصير طيار طائرة الفانتوم الذي سقط في أسر حركة أمل عام 1986، بعد اضطراره إلى مغادرة طائرته قرب مدينة صيدا اللبنانية، وفور إنهاء خطابه مباشرة، عبّر كثيرون من قادة الأحزاب عن انزعاجهم، بادّعاء أنّه لم يكن يتعين على بينيت الإفصاح عن أيّ شيء؛ لأن العملية في الأصل فشلت، كما أنّ ذلك يعدّ خروجاً عن السرّية التي تحيط بأجهزة الاستخبارات وعملها، إلى جانب اعتبار ذلك  تسريباً غير مسموح به لأسرار عسكرية، وتوظيفاً حزبياً وسياسياً لمسائل غاية في الخطورة، في الوقت ذاته انتقد بينيت خلفه، رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بسبب انتهاجه السلوك ذاته، لا سيما بالكشف عن الأرشيف النووي الإيراني أمام العالم كله.

 ورأى أنّها خطوة جريئة من قبل الموساد في قلب إيران، ومنذ تلك السنوات أصبحت القضايا التي كانت سرية مشاعة الآن بشكل عام، إضافة إلى أنّ معلومات مخترقة كثيرة، باتت تصل على الفور إلى آذان الأعداء القريبين والبعيدين من إسرائيل وأعينهم، مع العلم أنّ الإسرائيليين في السابق كانوا يجهلون حتى أسماء رؤساء أجهزة مخابراتهم، خاصة الموساد والشاباك، بحيث بقيت سرية ولم تكن معروفة إلا بحرفهم الأول عند المناداة، وهذا يعني أنّ الرقابة العسكرية اليوم باتت أقل فاعلية مما كانت عليه في السابق، لكنّ الاتهام موجه بالأساس للقادة الإسرائيليين، أولاً وقبل كلّ شيء، لأنّهم يتحملون مسؤولية وواجب التصرف بأقصى رقابة.

المعلومات الاستخباراتية

المعلومات الواردة لإسرائيل بشأن رون آراد تركّز على عدة دول، في محاولة لتأكيد المعلومات الاستخباراتية؛ فبعد المعلومات التي وصلت إسرائيل بخصوصه، ركّزت العملية على عدة دول لفحص البيانات والمصادر الأخرى، التي من شأنها تأكيد المعلومات الأولية حول مصير الطيار والمكان الذي أنهى فيه حياته، وفي النهاية؛ فإنّ العملية انتهت دون أن تسفر عن نتائج جديدة مهمة، رغم أنّها كانت عملية معقدة وجريئة وواسعة النطاق، لكن هناك تقديرات إسرائيلية تحدثت عن أنّ هذا الإعلان شكّل رسالة للإيرانيين والسوريين، الذين لاحظوا أنّ رسالة عمل الموساد مفادها أنّ هذه العملية جزء من إستراتيجية المعركة ما بين الحروب، وإشارة جديدة على أنّ إسرائيل جادة بشأن الإجراءات التي اتخذها الموساد كجزء من تعطيل البرنامج النووي ومشروع الطائرات المسيرة، فضلاً عن كونها إثبات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أنّ الدولة ترى نفسها مسؤولة عن إعادتهم تحت أيّ ظرف كان.

عائلة آراد شهدت ما يكفي من خيبات الأمل في هذه القضية، ولا يمكن لأيّ عنوان حالياً أن يبرر الهزة التي ستجتازها في كلّ مرة من جديد

 في المقابل رأى سياسيون وعسكريون إسرائيليون أنّ ما قام به بينيت خطوة أخرى في تدهور حماية الأسرار الأمنية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وبات هذا الكشف موضع انتقاد كبير؛ لأنّه أدّى لوضع اليد على مزيد من التفاصيل التي أضافتها فيما بعد مصادر إسرائيلية وأجنبية، وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، كان من أشدّ الذين انتقدوا بينيت؛ لكشفه عملية سرّية لجهاز الاستخبارات الخارجية، قال غانتس: "العملية كانت معقدة، ولو كان الأمر بيدي لما عملت على كشف هذه العملية"، موضحاً أنّ "العملية كانت سرّية تماماً وواسعة النطاق"، وقال إنّه صادق على تفاصيل العملية وحضر المناقشات التمهيدية، وكان على اطلاع كامل حول تنفيذ المهمة، لكنّ تملّص غانتس من توضيح ما إذا كان بينيت أبلغ وزير الخارجية، يائير لبيد، بنيته الكشف عن عملية الموساد، واكتفى بالقول أنا لا أخوض في قصص مثيرة جداً للاهتمام، أنا أنظر فقط إلى ما هو مهم لإسرائيل، والمهم لإسرائيل أن يعمل رئيس الوزراء ووزير الدفاع معاً للحفاظ على أمنها.

اقرأ أيضاً: لماذا يستميت الموساد في حل هذا اللغز الأقدم في إسرائيل؟

 وعلى ما يبدو؛ فإنّ بينيت وجد نفسه مجروراً إلى نزاع غير ضروري مع وزير الدفاع والمؤسسة الأمنية، عقب إعلانه الجريء والمفاجئ عن تلك العملية، ومن على مسرح الكنيست كشف للإسرائيليين وأعضاء الكنيست ما لم يكونوا يعرفونه من معلومات عن قادة المخابرات، ولم يكونوا يفكرون حتى في كلمة الموساد، ولم يعرفوا أين تقع منشآتها، على عكس الوضع المكشوف اليوم، وحينها لم يتباهَ أيّ من المسؤولين الإسرائيليين، لا السياسيين ولا الأمنيين، بعمليات استخبارية وعسكرية تتم خارج حدود إسرائيل.

عملية فاشلة

أكد مختصون عسكريون في إسرائيل، على أنّ الحديث الذي أفصح عنه بينيت، يدور عن عملية فاشلة من حيث النتائج المتوقَّعة لها، ورغم ذلك فقد أعطى رئيس جهاز الموساد الموافقة لكشف العملية، ربما لأنّه اعتقد أنّ وسائل الإعلام العبرية بأكملها ستشتري نسخة العملية الجريئة، على الرغم من أنّ البحث عن رون آراد لم يتوقف لحظة واحدة منذ سنوات طويلة؛ بل إنّه بات حديث الساعة، فالموساد والأجهزة الأمنية الأخرى أجرت عشرات العمليات الاستخبارية والخاصة في جميع أنحاء العالم، وحاولت بكلّ السبل المتاحة البحث عن الأدلة المخفية لتحديد مصير آراد، رغم أنّ الجنود وأعضاء الوحدات الخاصة يخاطرون بحياتهم من أجل هذا الهدف، وقد انتهت هذه الجهود أخيراً إلى فقدان آثار آراد، وحتى يومنا هذا لم يتم العثور على معلومات حقيقية بشأن مصيره، واليوم، وبعد سنوات من البحث، لا توجد سوى فرضيات يستعين بها الموساد لتحديد مصير الطيار المفقود، رغم أنّ القناعة السائدة تتمثل في أنّه قُتل في لبنان، فيما يدّعي البعض أنّه ظلّ على قيد الحياة في لبنان حتى التسعينيات، وهناك معلومات أخرى، لم يتم تأكيدها، تتحدث عن نقل رون آراد من لبنان إلى إيران، لكن هذه معلومات مستبعدة بشكل كبير بالنسبة للإسرائيليين.  

بينيت وجد نفسه مجروراً إلى نزاع غير ضروري مع وزير الدفاع والمؤسسة الأمنية

عائلة آراد شهدت على مدار سنوات ما يكفي من خيبات الأمل في هذه القضية، ولا يمكن لأيّ عنوان حالياً أن يبرر الهزة التي ستجتازها في كلّ مرة من جديد، في المقابل تلحق الثرثرة والحروب السياسية القائمة ضرراً زائداً بأمن الدولة، لأنّه أمر يجرّ تسريبات تستهدف خدمة رواية معينة، في وقت بات لا يقلق الضرر الواقع على المسؤولين وكبار جهاز الأمن أحداً، حاول بينيت أن يحول نفسه من خلال كشفه لهذه العملية من شخص حزبي إلى رجل دولة، لكن ذلك هذا مشكوك فيه لأنّ عمليات حلّ لغز رون آراد تمت بشكل واسع في السنوات الأخيرة، ومنها عمليات منيَت بفشل ذريع لا يمكن وصفه، وحتى الآن لم تجنِ إسرائيل أبداً أيّ شيء، رغم أنّ هذه العملية كانت نوعية بالفعل وسارت كما هو مخطط لها، إلا أنّها انتهت مثل العمليات التي سبقتها بعدم الحصول على معلومات جديدة، ما يعني أنّها لم تكن عملية ناجحة، لذلك فإنّ محاولة تقديمها كعملية سعت إلى حلّ هذا اللغز ليست جدية، لكنّ العمليات الأمنية تظلّ دائماً غير معروفة وبالتأكيد عندما تنتهي من دون نتيجة واضحة، ونتوقع في المرات القادمة من رؤساء الوزراء، أن يمسكوا ألسنتهم وألا يكشفوا معلومات عملياتية أو استخبارية، إلا إذا أدّت هذه إلى سطر أخير واضح.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ اختراقات الموساد الإسرائيلي لإيران؟

 مصدر أمني رفيع المستوى قال إنّ هذه العملية كانت استثنائية، وبفضلها تسجل إسرائيل تقدماً في محاولة لحلّ لغز رون آراد، لكن ينبغي العلم أنّه بسبب ما قيل فإنّ التسريبات الأمنية الإسرائيلية المتلاحقة الخاصة بالمهام الأمنية التي ينفذها الموساد والشاباك، ستسبب في سقوط الصواريخ وإطلاق النار على المدن والمستوطنات الإسرائيلية، من خلال حصول القوى المعادية لإسرائيل على المزيد من المعلومات الخاصة ببعض المواقع، وكيفية التصويب بشكل أفضل كما حدث في السنوات الأخيرة؛ لذلك كان يجب الحفاظ على الصمت في السياقات الأمنية، ورغم كلّ شيء ثمّة شكّ بأنّه لا حاجة من وراء كشف رئيس الوزراء نفتالي بينيت النقاب عن عملية الموساد من على منصة الكنيست، فعندما كشف نتنياهو النقاب عن عمليات ناجحة للموساد مع غاية سياسية، قامت عليه المعارضة في حينها بنقد واسع.

ماذا أوصت أم آراد قبل وفاتها؟

في العقود الأخيرة، جرت عمليات لا حصر لها لجهاز الشاباك والجيش في مسعى لاكتشاف ما حصل لآراد، قبل وفاة أمه، باتيا آراد، طلبت أن تعرف ما حصل لابنها، وقالت إذا مات لا تحرروا من أجله أيّ سجين، فالوصية تصدح حتى اليوم وتقبع أيضاً في أساس الجولة الحالية من التفتيش، دولة إسرائيل تفعل كلّ ما في وسعها؛ تستخدم عملاء، وتعرّض مقاتليها للخطر، وتدفع أموالاً، وتحقّق مع أشخاص، وحتى الآن لا نتائج، يتبين أحياناً أنّ كلّ شيء ليس كافياً، لا سيما عندما يتم بتأخير كبير، وهذا أيضاً هو الدرس من هذه القضية للمستقبل، صفقات الأسرى يجب عقدها عندما يكون ممكناً، فالطرف الآخر من العالم سيكون أكثر وحشية وأقل إنسانية، هذا هو الواقع، ملا يزال من الأفضل أن نكون في الجانب الإنساني بشكل أكبر، كان ينبغي أن يعود آراد إلى الديار بعد زمن قصير من أسره لدى منظمة أمل، والثمن الذي وضِع لرأسه كان معقولاً، لكنّ قادة الدولة، وأساساً وزير الدفاع في حينها، إسحاق رابين، كانوا غاضبين من صفقة جبريل وأثمانها، والتي أدّت، ضمن أمور أخرى، إلى اندلاع الانتفاضة الأولى، فامتنعوا عن صفقة أسرى أخرى وعن النقد الذي يأتي معها.

يمكن الاعتقاد بأنّ الكشف عن عمليات الموساد قد يضعف قدراته المستقبلية على إجراء عمليات سرّية، في حين لدى قادة الجهاز حساسية كبيرة تجاه هذا الإعلان

دفع آراد الثمن؛ فالرسائل التي كتبها في حينها كانت تمزق القلب، كانت مليئة بالدموع والأشواق لزوجته ولابنته ولدولة إسرائيل، التي بعثت به إلى تلك الطلعة الجوية ولم تهتم بإعادته منها إلى البلاد، وهذا هو بالضبط السبب الذي يدفعنا إلى توجيه النقد الحادّ إلى القادة السياسيين، الذين أحجموا عن تنفيذ صفقة تبادل أسرى من أجل رون آراد، الذي شوهد على قيد الحياة للمرة الأخيرة، في أيار (مايو) 1988 بعد عام ونصف العام من سقوطه في الأسر، ويبدو أنّه قتل بعد ذلك طوال فترة السنة ونصف السنة، لقد جرت اتصالات لتبادل أسرى في تلك الفترة، لكنّ رئيس الحكومة، إسحاق شامير، ووزير الأمن، إسحاق رابين، رفضا عقد الصفقة، كانا يخشيان التعرض لموجة من الانتقادات بسبب الإفراج عن مخربين أيديهم ملطخة بالدماء، لكنّ هذا هو العبث اللامعقول في حدّ ذاته؛ فمن الجهة الأولى يجري على مدار عشرات الأعوام، تنفيذ عمليات خطِرة جداً، وتعرّض حياة المشاركين فيها للخطر من وراء خطوط العدو، في إطار محاولات الوصول إلى جثة رون آراد، لكن من الجهة الأخرى؛ ليس هناك استعداد للمخاطرة الكامنة في إطلاق سراح مخرّبين، بينما المكسب عظيم جداً في إعادة جندي وهو على قيد الحياة، في المقابل هناك فجوة بين قضية سقوط رون آراد في الأسر وقضية أسر جلعاد شاليط، تبدو الأعمال التي قامت بها إسرائيل كي تحرّرهما مختلفة بشكل جوهري عن عمليات جريئة لاختطاف أوراق مساومة وأعمال خفية للعثور على بقايا، انتقلنا إلى الانبطاح أمام منظمة حماس الإرهابية، وتحرير مئات المجرمين بالجملة ومئات السجناء الأمنيين الآخرين، يقودون اليوم وبشكل علني المعركة العسكرية ضدّ إسرائيل.

اقرأ أيضاً: ديدي في مواجهة النووي الإيراني: ماذا نعرف عن رئيس الموساد الجديد؟

 وفي الخلاصة؛ يمكن الاعتقاد بأنّ الكشف عن عمليات الموساد قد يضعف قدراته المستقبلية على إجراء عمليات سرّية، في حين لدى قادة الجهاز حساسية كبيرة تجاه هذا الإعلان، ومن المؤكد أنّهم درسوا بعناية مدى الضرر الذي لحق بقدرة الجهاز بسبب هذا الحديث، فربما كان الأفضل عدم الحديث عن هذه القضايا، وعدم خرق السياج الأمني بشأن سرّية عمليات الموساد خارج حدود إسرائيل.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.ynet.co.il/news/article/hydtl6oey




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية